أثير موسوي يرسم الحيادية ألوانا صارخة بقلم: ميموزا العراوي

  • 4/21/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أثير موسوي يرسم الحيادية ألوانا صارخةبرعاية الباحث في مجال الفن العربي المعاصر بهاء أبودية تستضيف صالة “أيام” في العاصمة اللبنانية بيروت معرضا جديدا بعنوان “ما بعد التعرية” للفنان العراقي أثير موسوي الذي وُلد عام 1982 ويعمل بين باريس ولندن وإسطنبول، ويحمل شهادة في تصميم التواصل البصري من جامعة سانت مارتنز المركزية بالمملكة المتحدة.العرب ميموزا العراوي [نُشر في 2017/04/21، العدد: 10609، ص(17)]أعمال تسائل ماهية حبات الرمل جماليا بيروت- تستضيف صالة “أيام” البيروتية تحت عنوان “ما بعد التعرية” معرضا جديدا للفنان العراقي أثير موسوي، أعمالا صارخة ومُربكة تكاد تناقض العنوان الذي وضعه الفنان لها، إذ تبدو وكأنها تتحدث بطلاقة عن المرحلة التي سبقت التعرية لمساحات صحراوية خلابة هي أيضا تحت مجهر التساؤل حول ماهيتها. ما قبل التعرية تقدم الصالة معرض الفنان بهذه الكلمات “اتخذ الفنان من خلال أعماله صورا مجهرية الحجم لحبات الرمل كنقطة بداية، ليخوض في عملية إعادة البحث في الهوية المساحية والظواهر الطبيعية والبشرية التي تساهم في تشكيلها، وفي متابعته لاستكمال عملية الاستكشاف في مجال التجريد بوصفه وسيلة لتجسيد الواقع، وبالأخص تسجيل التبدلات التي تطرأ على المساحة والزمن، يشدد أثير على أهمية الشكل في أعماله الجديدة مُستخدما السمات والبنى الفيزيائية لقماش اللوحة كأدوات بصرية”.أثير موسوي يؤسس لمشهدية جديدة خلعت فيها الصحراء رداء السحر والغموض لترتدي صلابة الترسانة البنائية المعاصرة لا شك أن الفنان اعتمد طريقة فنية عالية مقرونة بمعرفة علمية بتكوين حبوب الرمل التي تتألف منها الصحاري، وقد شكل نصا بصريا حافلا بناه وفق تكبير لتفاصيل متنوعة تذكر بتركيبة حبوب الرمل إذا ما تفحصناها تحت المجهر. وقد أثبت الفنان في أعماله هذه أن أصدق ما يمكنه من الكلام عن حقائق الوجود وحقائق النفوس البشرية هو التفاصيل، فكلما صغُرت عظم الإفصاح عن الأسرار المتخفية تحت بساطتها المُموهة. قد يصلح إطلاق عنوان “ما بعد التعرية” على هكذا معرض إذا ما ركزّ الزائر على معرفته العلمية بالتكوين المجهري لحبوب الرمل، ولكنه لن يستطيع ذلك إذا ما نظر إلى المعرض من خلال ما ظهر أمامه من حيوية عالية النبرة في كل زوايا اللوحات الضاجة بالألوان والخطوط الحادة والتلافيف الأفعونية التي تسعى في باقي الأشكال كالأفاعي الصحراوية. تكمن مفارقة صارخة في أعمال الفنان، وهي أنه في حين يمكن رؤية البنيان الهندسي المتشابك ما بين عناصر عضوية وأخرى من صناعة الإنسان وكأنها حرب ضروس ما بين الطبيعة وزحف المدنية إلى المساحات الصحراوية، يمكنه في الآن ذاته أن يرى من هذا الصراع بنيانا جماليا تبلور ببطء وعناد حتى صار صرحا متماسكا بوسعه أن يعبر عن أي شيء إلا عن درامية “ما بعد التعرية”، حيث انتصرت المدنية على الصحراء أو العكس بشكل يجدر الوقوف أمامه والتمعن في تداعياته الآتية أو تلك التي نجا منها. قد يكون الفنان أراد أن يظهر التناقض ما بين “العمليات الطبيعية التي تولد بيئات مختلفة والتوسع المُستمر للمدن”، حسب ما يوضح القيّمون على المعرض، لكن النتيجة كانت انسجاما حاد النبرة ما بين مجمل مفاصل اللوحة، إذ دُجّنت العناصر الطبيعية واصطبغت بالألوان الفولاذية فازدادت حضورا وقوة وتآكلت العناصر الصناعية تحت وطأة جرف الطبيعة، فأصبحت نسيجا يشف حينا ويتكثف حينا آخر مُعلنا انصهاره وانبهاره بالمكان الأصلي/الأولي (أي الصحراء) الذي جاء إليه زائرا فمواطنا ثم مولّدا لمشهدية جديدة لصحراء خلعت رداء السحر والغموض لترتدي صلابة الترسانة البنائية المعاصرة. حياديةمفارقة صارخة لا تخلو لوحة من لوحات الفنان من هيئات لانفجارات لونية وشكلية متشظية ومتماسكة في الآن ذاته، حتى أن لوحاته جاءت مشدودة على هياكل ذات زوايا غير متوازية وغير تقليدية تذكر ببلورات الرمل وباقي العناصر المعدنية الخام. في العودة إلى الكلمات التي قدمت المعرض، يريد الفنان بهذه اللوحات أن يعبر عن “مفهوم التعرية والضرر الذي لحق بالمناظر الطبيعية نتيجة لمشاريع البناء المعمارية”، غير أن جلّ ما يميز أعماله الجديدة هذه، هو بالتحديد غياب الخطاب المُعتاد عن أهمية الحفاظ على البيئة أو رثائها في حال اندحارها أمام اجتياح العمران. كما تقول لوحاته لمُشاهدها إنها تعيش حالة انسجام تصاعدي، انسجام بقي مفتوحا في نص الفنان البصري على كل شيء، على الدمار، كما على البنيان بكل ما تعني الكلمة من معان إيجابية تطال كل ما هو طبيعي وكل ما هو من صنع الإنسان على السواء. ثمة أمر آخر يلفت في لوحة الفنان أثير، مجرد انطباع قوي قد يسيطر على كل من شاهد أعماله، انطباع مفاده أنه بالرغم من غزارة التفاصيل والتدفقات اللونية الحادة التي يستعملها الفنان، فهي تشير إلى أن أثير يشتغل بعقله أكثر بكثير مما يشتغل بقلبه. ثمة حيادية مثلجة تلقي بطبقاتها الجارحة على كل أعماله حتى تلك الأكثر اشتعالا بالألوان، وقد يستغرب الناظر إلى لوحاته من أن الفنان من المعجبين والمتحمسين لفن فاسيلي كاندنسكي. إذ بالرغم من التأثر الواضح بمظاهر فن كاندنسكي فإن فن أثير يختلف عنه اختلافا جوهريا، وذلك على مستوى غياب أو شبه غياب للانسيابية والروحانية اللتين تسكنان أعمال كاندنسكي كالقدر المحتوم. ليس في ذلك أي تبخيس لعمل الفنان أثير، ولكنه إشارة جديدة إلى أن كل فنان أو كل إنسان يتأثر بشكل مختلف أمام مصدر إلهام واحد.

مشاركة :