أ.د. حميد مجول النعيمي * قال الله تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»، (الإسراء:1).الإسراء والمعراج معجزات في معجزة، فهي كثيرة ومتنوعة، عبادية مباشرة، وتبشيرية وتحذيرية، وعلائقية تقابلية مع الرسل والأنبياء الذين سبقوا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، ووصفية لبعض ما حصل وسيحصل لأناس وأقوام من جراء حسناتهم وسيئاتهم ليتوثق الناس من خارقية الإسراء والمعراج بشيء من العنت والمعاناة، وصولاً إلى التصديق فالإيمان الراسخ من غير جدل أو جدال! في الآية نجد حصر إنجاز الإسراء بالله سبحانه بقوله (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ..)، لذا فإنه أمر عند الله لقدرته تعالى، لكنه أكبر من معجزة عند البشر لخارقيتها المذهلة، ثم تحدثت الآية عن المسافة الأفقية فحصرتها بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، أما الآيات بمعنى ما يراه الرسول صلى الله عليه وسلم من معجزات تجاوز قدرات البشر على التحليل فإنها في السماوات بل في البعد السحيق بعد السماوات وفوقها، أي ربما السماوات السبع. وبذلك فإن علوم وتكنولوجيا الإنسان سواء في الوقت الحاضر أو في المستقبل مهما بلغ التقدم لن تكون قادرة على معرفة وتفسير تفاصيل الرحلة وبذلك سيبقى الإسراء والمعراج معجزات عظيمات للرسول صلى الله عليه وسلم. الإسراء أفقياً فوق سطح الأرض وضمن أجوائها وجاذبيتها، والمعراج رأسياً من على سطح الأرض ومن خلال أجوائها إلى أغوار السماوات حتى آخر ما يأذن الله عند سدرة المنتهى، مما لا نعلم مقابله في علم الفلك سوى حافة الكون المرئي، أي المسافة الكونية من الأرض حتى أبعد نقطة في الكون التي قدّرت ب (13.7× 109) سنة ضوئية أو أكثر وأن السنة الضوئية تعادل 130 ألف مليون x مليون x مليون كم، فإنها ليست هدفاً بذاته لأن المعراج قد يصير أبعد وقد يصبح أقرب من هذا التقدير فكل ما يعرج في السماء وإلى السماء له حدود يقف عندها بمشيئة الله، لذا فإن تقديرات قطر الكون المرئي المعمول بها الآن ومتغيراتها المستقبلية بحكم تطور العلم لا تُغيّر من مفهوم المعراج شيئاً ولا تؤثر فيه في الواقع إلا- أن الإنسان العادي - على الأرض - لا يرى بعينه المجردة إلا ما يسمى في علم الفلك (القبة السماوية) وما تحتويه من كواكب ونجوم ومجرات وحشود مجرية.. الخ يرتبط بعضها ببعض بقوانين فيزيائية - فلكية معروفة مثل قوانين كبلر ونيوتن وبخاصة قانون الجذب العام لنيوتن في العلاقة بين الكتلة والمسافة وهو أبسطها معرفة بين المتعلمين (علماً أن ما نراه من نجوم ومجرات وأجرام سماوية مختلفة في الكون المرئي لا تتجاوز كتلتها ال 5% من الكون الحقيقي الذي يحتوي إضافة إلى الأجرام السماوية أعلاه بحدود 72% طاقة مظلمة و23% مادة مظلمة). فوق قوانين العلم أما العلاقة الفلسفية - الحكمية بين الإسراء والمعراج فهي علاقة تدرج من خرق المعجزة لما هو معروف فيزيائياً إلى خرقها لما هو غير معروف على وجه الدقة والكمال. فالسير على الأرض أو التحليق في أجوائها يمكن إخضاعه لقوانين الحركة والسرعة والطاقة، أما التحليق في فضاء الكون فإنه قد يخضع لقوانين أخرى مضافة، فضلاً عن القوانين المذكورة، وأن القوانين الأخرى هذه قد تكون معروفة الآن وقد تكون مجهولة وسيعلمها أو يكشف عنها الإنسان غداً، في يوم ما من المستقبل البعيد، وكلما ازداد القانون بُعداً أو تعقيداً زادت خارقية المعجزة له درجات، وأن أي توافق بينهما لا يُزيل عنها صفة الإعجاز كلياً أو جزئياً وهو الأرجح، لأن التوافق الجزئي موجود في كثير من العلوم إزاء المعجزات، ولا يُقلل هذا التوافق من شأن المعجزة إلا أنه يدفع من شأن العلم باقترابه من دلالة المعجزة وآليتها، من هنا نقول: نبدأ بالإيمان بالمعجزة وننتهي بالحكم على العلم، وليس العكس ! لأن الإيمان بالعلم على أساس، أو بهدف، الحكم على المعجزة لا يوفر الحد الأدنى من الموضوعية إزاء مفهوم الخارقية في المعجزة بمعنى تجاوز المألوف والمتعارف عليه من القوانين القابلة للتطوير والتغيير بشرياً. (لأن الإيمان بالمعجزة بما هو فوق العلم، وما هو خارج نطاق التفكير البشري)إذن، إنَّ فهم أسبقية الإسراء في التحقق مجازاً وافتراضاً يمهد السبيل لفهم أسبقية المعراج في الإعجاز حقيقة، إذ هما معجزتان متكاملتان بمنظور الإيمان لا الفيزياء الفلكية والفضائية، كما أنهما لا تخضعان لقوانينهما، وإن توافقا جزئياً معهما في بعض الحلقات التنفيذية. وإن معجزة الإسراء والمعراج معاً: حدثت لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وحده، أي لم يشهدها معه جمع من المؤمنين (من الأصحاب مثلاً) وخُرقت له فيها قوانين السماء، ذلك أن رسول الله هو البشر الوحيد الذي أسرى به الله سبحانه وتعالى، وهو البشر الوحيد الذي فُتحت له أبواب السماء حتى وصل إلى سدرة المنتهى بالجسدِ والروحِ معاً. تكيف بيولوجي وفيزيائي لنستأذن العقل والإيمان معاً فنطرح الافتراضات الآتية بتصور موضوعية المعجزة ومن ثم تأكيد خارقيتها علمياً.إن انتقال جسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وروحه إلى علياء السماء وإلى البيت المقدس يتطلب تكيفاً بيولوجياً وفيزيائياً بمستويين غير منفصلين بمعايير الطبيعة والبيئة الأرضية التي تجعل من هذا الانتقال طبيعة جديدة للجسم البشري، فمن الناحية البيولوجية تتضمن تحويراً لبنية الجسم البشري ليلائم طبيعة المحيط الجديد، وبخاصة ما يتعلق بتعذر استنشاق الأوكسجين وتوقف عمليات الأيض معاً.وفيزيائياً: مساعدته على التكيف أو خرق قوانين الفيزياء المعروفة وبخاصة ما يتعلق منها بنظرية اينشتاين النسبية، كما يأتي قدر ما يهمنا منها هنا:لا يمكن لأية مادة أن تسير بسرعة الضوء، وأن سرعة الضوء هي أكبر السرعات في الطبيعة، ولما كان جسم رسول الله مادة، فإن خرق هذا القانون عند تقدير سرعة الجسم بسرعة الضوء يتطلب تحويراً مَّا ينقله من جو المادة إلى جو اللامادة من دون أن يتمزق، أو بتثبيت أثر القانون نفسه بعزل الجسم عن تأثيره. إذا تحرك جسم بسرعة عالية جداً فإن كتلته تتغير، أي إن الكتلة كمية نسبية وأنها تزداد بازدياد سرعة الجسم، ولما كان جسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتقل على براق قد تصل سرعته سرعة الضوء، فإن كتلة جسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ستصل إلى مالا نهاية له، وهذا مستحيل في الواقع لأنه حسب الروايات كافة احتفظ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بكامل شخصيته النفسية والبدنية وبكامل كتلته. إن أيَّ تغير في طاقة الجسم يقابله تغير في كتلته، أي إن كتلة الجسم مقياس لما يحتويه الجسم من طاقة، وقد وضع اينشتاين العلاقة بين الطاقة والكتلة حسب المعادلة الآتية: الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء (بزيادة كتلة الجسم وثبوت سرعته تزداد طاقته وبزيادة سرعة الجسم وثبوت كتلته تزداد طاقته).لما كان زخم أي جسم يساوي: كتلته × سرعته، ولأن كتلة جسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثابتة وسرعته عالية إلا أنها مجهولة فإن الزخم المتولد عن حركته الهائلة يكون عالياً جداً لا يطيقه جسم بشر وذلك يترتب عليه وجوب تحوير فيزيائي يجعل من هذا الزخم ضمن تحمل الجسم نفسه، لذلك حصل ما فعله جبريل الأمين بهذا الاتجاه في جوف رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعكسه أيضاً يصير الإسراء والمعراج بالروح أكثر قبولاً. عودة الرسول في عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد عروجه إلى (سدرة المنتهى)، فإن المشاكل الفيزيائية البيئية والجوية المنتظرة عديدة مثل: كيف يمكن معرفة المسارات الصحيحة للوصول إلى كوكب الأرض عند دخول الكون المرئي الذي يحتوي على أكثر من مليار حشد مجري وكل حشد مجري يحتوي على أكثر من 100 مجرة، ومن ثم مجرتنا درب التبانة التي تحتوي على 100 إلى 200 ألف مليون نجم أحدها الشمس (المجموعة الشمسية) وبعد دخوله المجموعة الشمسية كيف تمكن من معرفة موقع الأرض من بين الآلاف أو ربما الملايين من الكواكب والصخور والأجرام السماوية المختلفة التي تحويها المجموعة الشمسية ناهيك عن وجود الطاقة المظلمة والمادة المظلمة والمادة الاعتيادية والغازات بين الحشود المجرية وبين المجرات وبين النجوم وحتى بين الكواكب في المجموعة الشمسية الواحدة. كيفية اختراق جو الأرض من غير أن ترتفع درجة حرارة جسمه الشريف واحتراقه في الفضاء كما يحصل لأي نيزك ليس فيه أو حوله إجراءات وقاية تتحمل مثل هذا الارتفاع في درجات الحرارة والاحتكاك المتنامي فضلاً عن قوة جذب الأرض التي تعود إلى الظهور بشكل طبيعي.لذا فإن توقف تأثير كل هذه الظواهر الفيزيائية البيئية.. بتوقف فعل قوانينها من وجهة نظر إعجازية يعد احتمالاً جيداً، إلا أن نفي احتمال تقليل السرعة إلى معدل يمنع ارتفاع الحرارة وتأثير جذب الأرض ومقاومة ما يترتب عليهما لا يُعد صحيحاً في الواقع، لأن التكيف البيولوجي حصل أساساً كما أسلفنا، أما التكيف الفيزيائي فيصبح نتيجةً وليس سبباً، وهو من مسؤولية البراق وسيدنا جبريل الأمين في آخر تقدير لحماية جسم الرسول وحياته برعاية الله وحفظه.وبناءً على ما جاء آنفاً أود أن أختم مقالنا بالآتي: إنّ الله عز وجل كيّف جسم رسول الله ليتمكن من الانتقال من خلال المحيطات الكونية والسماوية المعقدة ذهاباً من الأرض إلى سدرة المنتهى وإياباً إليها، أو قد كيّف الظروف الكونية له لينتقل من خلال الأجواء والبيئة الكونية وليعرج في السماوات ويعود إلى الأرض، وفي أي من هاتين تعظيم لقدر النبي أجل وأسمى، وإعجازٌ أكبر، لتعذر خروج البشر بهذه السرعات لقطع مسافات قد تعادل أو تزيد على أقطار السماوات والأرض في مثل هذه الأجواء الكونية. والله على كل شيء قدير. *مدير جامعة الشارقة - رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك
مشاركة :