استمرت الاحتجاجات في عدد من المدن الفنزويلية، ووقعت اضطرابات متقطعة في بعض أحياء العاصمة كراكاس، الليلة الماضية، ترافقت مع عمليات نهب لمخابز ومتاجر، إلا أن زخمها لم يكن بالقوة نفسها كما حدث في الأيام الأخيرة. وقال الطالب اكيليس الداروزو (22 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية: «أنا متعب، نعم. لكن لا بد أن نتحلى بالشجاعة. أنا مستعد للخروج كل يوم للتظاهر، إذا كان ذلك ضرورياً». وحمل الداروزو لافتة كتب عليها: «من لا يتحرك، لا يسمع أصوات قيوده». وأقفلت المدارس والشركات أبوابها، الخميس، خشية حصول تطورات سلبية. وكان قد نزل مئات الآلاف من المعارضين إلى شوارع كاراكاس، وكثير من المدن الأخرى، في نهاية يوم دامٍ، الأربعاء، وقال الزعيم المعارض إنريكي كابريليس: «المكان نفسه... الميعاد نفسه»، وأضاف: «إذا كنا مليوناً اليوم، فسنكون أكثر غداً». إلا أن الاستجابة لم تكن كما كانت تتوقعها المعارضة. وكانت قوى المعارضة قد دعت إلى مزيد من الاحتجاجات ضد حكومة الرئيس الاشتراكي نيكولاس مادورو، وطالبت الناس بالنزول يوم الخميس إلى الشوارع بعد الأحداث الدموية التي شهدتها فنزويلا خلال الأيام الماضية، وسقط خلالها عدد من القتلى وعشرات من الجرحى. وتدخلت الشرطة لتفريق المتظاهرين، ورشقت شاحنة تابعة للحرس الوطني سلسلة قنابل مسيلة للدموع ضد المتظاهرين على الطريق السريع فرنسيسكو فاجاردو. وقالت ناتاشا بورجيس (17 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا يهمني إن تنشقت غازاً، ولا إن مُتّ. يجب أن نتخلص من هذه الحكومة المجرمة القمعية». إلا أن القسم الأكبر من المتظاهرين تراجع في اتجاه شرق كراكاس، وبقيت مجموعة من الشبان الملثمي الوجوه تتحدى القوى الأمنية، وترشقها بالحجارة وزجاجات المولوتوف، بحسب ما أفاد به صحافيون في وكالة الصحافة الفرنسية. وفي حين كانت مروحية للشرطة تحلق في المنطقة، كان متظاهرون يضرمون النار في مستوعبات النفايات، ويصفون رجال الشرطة والجنود المنتشرين في المكان بـ«الجبناء». وبدأت الاحتجاجات في الأول من أبريل، وتخللتها أعمال عنف ومواجهات قتل فيها 8 متظاهرين، وأوقف أكثر من 500 شخص، حسب المنظمة غير الحكومية «فورو بينال»، وذلك في وقت يشهد فيه البلد أزمة سياسية واقتصادية خطيرة. وتطالب المعارضة، التي تشكل غالبية في برلمانها منذ نهاية 2015، بالرحيل المبكر للرئيس الاشتراكي نيكولاس مادورو. وانخرطت المعارضة (يمين الوسط) في عملية لي ذراع ضد رئيس الدولة الذي تطالب برحيله، في بلد تخنقه أزمة اقتصادية. وتقليدياً، تجد الثورة البوليفارية التي أطلقها الراحل هوغو شافيز، وبرامجها الاجتماعية الموجهة إلى الفقراء، أخلص أنصارها بين الفئات الشعبية. لكن إزاء وقع الأزمة وندرة السلع، بات 7 من كل 10 فنزويليين يرغبون في رحيل نيكولاس مادورو، الوريث السياسي لشافيز. ويشكل أي استحقاق انتخابي تهديداً لمادورو، الذي يتمنى نسبة كبيرة من الفنزويليين رحيله من السلطة، في ظل أزمة اقتصادية خانقة أفرغت المتاجر، وضاعفت التضخم الذي سيصل إلى 720.5 في المائة في نهاية العام 2017، بحسب توقعات صندوق النقد الدولي. لكن مادورو أكد، الأربعاء، أنه يأمل في تنظيم انتخابات «قريباً»، وذلك «ليكسب المعركة» نهائياً مع المعارضة. ونددت الحكومة الفنزويلية بـ«تدخل» الولايات المتحدة، بعد تصريحات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الذي اعتبر أن السلطات الفنزويلية «تنتهك دستور البلاد»، معبراً عن «قلقه» إزاء الوضع في فنزويلا. وقتل، الأربعاء، فتى في السابعة عشرة بعد إصابته برصاص أطلقه مجهولون على دراجة نارية ضد تجمع للمعارضين في سان برناردينو، شمال غربي كراكاس. كما قتلت شابة في الثالثة والعشرين بعد أن «أصيبت برصاصة في الرأس» في سان كريستوبال، في غرب فنزويلا، خلال مشاركتها في مظاهرة. وذكر شهود أن منفذي هذه الهجمات هم في الحالتين من مجموعات المدنيين الذين سلحتهم الحكومة. في المقابل، قتل متظاهرون، الأربعاء، عسكرياً ينتمي إلى الحرس الوطني في فنزويلا. ووصف وزير الداخلية نستور ريفيرول العملية بالعمل «الإرهابي» و«الفاشي»، قبل أن يعلن توقيف المنفذ. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الخميس، جميع الأطراف المعنيين بالتوتر في فنزويلا إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية للحيلولة دون اندلاع مواجهات جديدة، وتسهيل استئناف الحوار، وقال في بيان: «ندعو إلى اتخاذ مبادرات ملموسة من جانب جميع الأطراف للحد من الانقسامات، وتوفير الظروف الضرورية لمواجهة تحديات البلاد، لصالح الشعب الفنزويلي». وندد الاتحاد الأوروبي بأعمال العنف «المؤسفة جداً» التي تخللت مظاهرات للمعارضة، ودعا إلى التهدئة من أجل «وقف تدهور الوضع». وحذرت منظمة «هيومان رايتس ووتش» من «القمع» الذي تواجه به التجمعات. ورأى المحلل في مركز «آي إتش إس» البريطاني، دييغو مويا أوكامبوس، أن «استراتيجية الحكومة تقضي على ما يبدو بالبقاء في السلطة بأي ثمن، وبتجنب الانتخابات. وبالتالي، كلما كانت المظاهرات قوية، كان القمع عنيفاً». وتحدث مادورو، الثلاثاء، عن تعزيز الانتشار الأمني والعسكري من أجل «إحباط الانقلاب الإرهابي». وكان صموئيل مونكادا، ممثل فنزويلا لدى منظمة الدول الأميركية التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، قد اتهم الولايات المتحدة بقيادة الانقلاب. وبدأت موجة الاحتجاجات هذه بعد قرار للمحكمة العليا، المعروفة بقربها من مادورو، بتولي صلاحيات البرلمان، ما أثار موجة احتجاج دبلوماسي دفعتها إلى التراجع عن قرارها بعد 48 ساعة، ورأت المعارضة فيما حصل محاولة انقلابية.
مشاركة :