العنف والجريمة داخل الأسرة خلل في التربية أم حالة انفلات عام بقلم: سماح بن عبادة

  • 4/22/2017
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

العنف والجريمة داخل الأسرة خلل في التربية أم حالة انفلات عاماتسعت رقعة العنف والجريمة في المجتمع التونسي لتطال حصن التربية والتنشئة وتدخل في صلب الأسرة، فلا يكاد يمر يوم دون أن تنقل وسائل الإعلام خبرا عن وقوع جريمة أو عن ممارسة أي من أنواع العنف بين أفراد الأسرة الواحدة. ويرجع العديد من الخبراء في علم الاجتماع ذلك إلى حجم اليأس والإحباط الذي أصاب المجتمع برمته عقب الثورة التونسية، فيما يعزوه آخرون إلى تفكك الروابط الأسرية وعدم قدرة الآباء على تربية أبنائهم تربية سليمة.العرب سماح بن عبادة [نُشر في 2017/04/22، العدد: 10610، ص(21)]إلى أين المفر تواترت حوادث العنف والجرائم البشعة في النطاق العائلي في تونس بشكل لافت للانتباه، وبين ممارسة العنف الشديد بين الأزواج أو بين الوالدين والأبناء أو بين الإخوة وبين التحرش وزنا المحارم وبين جرائم القتل التي قد تبلغ حدا من البشاعة لا يتقبلها الإنسان العادي لأنها ارتكبت بين أفراد الأسرة، يعيش المجتمع التونسي حالة من الصدمة. تستفز هذه الحوادث مشاعر التونسيين وتثير الرأي العام وتطرح تساؤلات حيرت المختصين حول أسبابها ودوافعها وحول الجهات المسؤولة عن بلوغ العنف هذه الدرجة من البشاعة، هل هي أسباب تتعلق بمؤسسة الأسرة وأساليب تربية الأبناء أم أنها مرتبطة بحالة من الانفلات الاجتماعي لم تستطع الدولة وقوانينها الجزائية السيطرة عليها وردع مرتكبيها؟ تفيد الأرقام الرسمية أن معدل الجريمة في تونس في ارتفاع مستمر ومتواصل، وهو أمر بدا ملحوظا خلال الأشهر الأخيرة خصوصا في ما يتعلق بالجرائم داخل الأسرة. وبحسب إحصائيات رسمية من وزارة الداخلية، فإن الأشهر الأربعة الأولى فقط من سنة 2016 تجاوز فيها عدد الجرائم 59 ألف جريمة، موزعة على 10 أصناف من الجرائم، تتمثل بالخصوص في الاعتداء على الجسم البشري والاعتداء على الطفولة والأسرة وغيرها من الجرائم. ويقول المختصون في علم الاجتماع إن انتشار مظاهر العنف لتطال العمود الفقري للمجتمع وهو الأسرة يرجع في جانب كبير منه إلى تردي الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في تونس ما بعد الثورة. وأصيب التونسيون بحالة من الإحباط جراء انتظاراتهم الكبيرة التي علقت على الثورة، ما أدى إلى نوع من النقمة على الأوضاع مما طور مشاعر الغضب والعنف لديهم بالتوازي مع ما يتبع جل الثورات من انتشار لفكرة ضعف مؤسسات الدولة في الوعي الجمعي وذلك ما حفز على التمرد على المنظومة القانونية وأسس الدولة المدنية. والملاحظ أن ممارسة العنف داخل الأسرة تجمع كلا الجنسين وكذلك جل الأعمار أي أن مرتكبيها ليسوا فقط من الشباب والمراهقين بل إنها طالت الكهول والنساء والأطفال أيضا. الجرائم التي تحدث داخل العائلة الواحدة كقتل الأم أو الأب أو الإخوة أو الشريك ترجع إلى اضطرابات نفسية وعقلية وتظل أبشع الجرائم تلك التي يرتكبها الأبناء في حق الآباء أو العكس فهي تشد انتباه الرأي العام لأنها تمس أقدس أنواع العلاقات الإنسانية والأسرية، الأمر الذي يصفه المختصون في علم النفس والاجتماع بأنه انهيار قيمي وأخلاقي أصاب المجتمع التونسي وتسرب إلى الأواصر الأسرية. وكثيرا ما ترجع أسباب هذه الجرائم إلى اضطرابات نفسية وعقلية. ويعتبر الخبراء أن أسباب العنف والجريمة تنبع من ثلاث بيئات وهي الأسرة في المقام الأول ثم الشارع والمدرسة. ويحكم بعضهم على أن المجتمع التونسي بات يعيش حالة من التفكك الأسري لأن الروابط الأسرية فقدت قوتها نظرا إلى أن أغلب الآباء والأمهات كثرت مشاغلهم وألهتهم مسؤوليات العمل عن القيام بدورهم التربوي على الوجه الأكمل. كما أن غيابهم ونقص الإحاطة بأبنائهم يجعلان هؤلاء يتأثرون بالعنف المستشري في الشارع وفي المدارس التي بدورها لا تركز كثيرا على الجوانب التربوية بقدر تركيزها على التعليم فحسب. ويلاحظ المتأمل في أغلب القضايا المنشورة في مجال العنف والجريمة في إطار عائلي أن من أبرز أسباب الاعتداءات أو القتل التي حدثت مؤخرا في الأسر التونسية نجد بطالة الشباب والمراهقين والانحراف في صفوف نسبة هامة منهم ما يجعلهم يتواكلون على الآباء ويطالبونهم بتوفير مصاريفهم اليومية التي تتجاوز إمكانيات الأبوين في أغلب الأحيان فتنشب الخلافات والصراعات بين الطرفين التي قد تصل إلى ارتكاب أحدهم جريمة في حق الآخر. بالإضافة إلى الخلافات المادية والخيانة بين الزوجين وغيرها من أسباب انعدام التفاهم والتواصل بين الوالدين مثل غياب الحوار ما يجعل الأقوى يلجأ إلى لغة العضلات وأحيانا إلى القتل العمد.ممارسة العنف داخل الأسرة تجمع كلا الجنسين وجل الأعمار أي أن مرتكبيها ليسوا فقط من الشباب بل طالت النساء أيضا وعلى الرغم من غياب دراسات دقيقة تبحث في هذه المسألة وتحدد أبرز أسباب الاعتداءات بالعنف أو ارتكاب جرائم بين أفراد الأسرة إلا أن الثابت أنها نتاج مناخ عام يسوده التوتر والاضطراب والعنف في المجتمع من جهة، ونتيجة لأخطاء تربوية في تنشئة الأبناء على نبذ العنف تتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى الأسرة ثم المدرسة والشارع من جهة أخرى، وهو ما أكده الباحثون في علم الاجتماع عبر دراستهم للعنف والجريمة في الإطار الأسري. يقول الطبيب النفسي سفيان الزريبي “إن الجرائم التي تحدث داخل العائلة الواحدة كقتل الأم أو الأب أو الإخوة أو الشريك أو الحماة ترجع إلى اضطرابات نفسية وعقلية وتنبع بالأساس من اضطرابات نرجسية. مؤكدا أن نجاح المجتمعات في الحد من مظاهر العنف والانحراف مرتبط إلى حد كبير بقدرتها على تربية أبنائها على احترام القانون”. وأشار الزريبي في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية إلى أنه “في تونس منذ الثورة، وبفعل تقلص يد السلطة وفقدان الدولة لسطوتها وحدة رقابتها، تفشت ظاهرة الجريمة، البسيطة في غالب الأحيان، وظهرت معها حالات متزايدة من الجرائم الدموية”، وشدد على أن “ارتفاع معدلات الجريمة، لا يعني مطلقا ظهور شخصية جديدة لدى التونسي، وإنما يرجع أساسا إلى فقدان السلطة لقدرتها على الردع والرقابة”. وينصح المختصون في التربية والخبراء الآباء والأمهات بتنشئة أبنائهم على احترام الآخر واحترام حقه في الحياة، وكذلك على المحبة بين أفراد الأسرة الواحدة. ويؤكدون على ضرورة النأي بالطفل عن أجواء التوتر والعنف اللفظي والمادي داخل البيت مع توفير الإحاطة والرعاية النفسية في جل مراحله العمرية. وتدريبه على الحوار والقبول بالرأي المخالف في الأسرة وخارجها، لكي لا يلجأ إلى لغة الجسد والعنف.

مشاركة :