قضايا التخريب والإرهابيين لم تعد خافية، فهي ضمن الأخبار اليومية التي نتزود بها ونعجب من تناميها وتنوعها الكيفي، حتى لم يعد مستغربا دخول النساء كعنصر فاعل وباحث لأن يصل إلى مواقع الإرهابيين القابعين في جبال اليمن، أو على أرض المعركة في سوريا. وخلال الأسبوعين الماضيين، تناثرت في مواقع الإنترنت مشاهد اليوتيوب لشبابنا الغض وهم لا يزالون يتنادون لنصرة الإسلام والدعوة للالتحاق بهم في أرض الجهاد ــ كما يزعمون. وبعض أولئك الشباب يفاخر بعمليات القتل الوحشية التي أنجزوها ضد المخالفين لهم (وهم مسلمون أيضا)، وبعضهم بحمل الرؤوس المقطوعة ويقف للتصوير مهللا مكبرا، وكأنه حقق أمجادا عظيمة بجز تلك الرؤوس المسلمة، بينما الصورة الوحشية التي يتم بثها تشير إلى أن نفوس أولئك الشباب وصلت إلى مرحلة متقدمة من الدموية والتلذذ بالدم والتمثيل بجثث القتلى، بحيث يصبح من الصعوبة إقناع أصحابها بأنهم فاقوا هولاكو وجنكيز خان وكل الرؤساء الذين كنا نلعنهم سرا وجهرا، وأظن أن التاريخ لم يحمل مثيلا لهذه البشاعة؛ لأن بشاعة السابقين كانت تنتهي في أرض المعركة، وإن حدث نقل لما آلت إليه همجية التتار ــ مثلا ــ فإنها تنقل عبر المكتوب، ومهما اقتربت الكتابة من تجسيد الواقع، فإنها تعجز أمام ما تنقله الكاميرا من تلك البربرية والولوغ في الدم والتمثيل بالقتلى. تلك المشاهد المستفزة الدامية الوحشية تفسر لك الجزء اليسير من نفسية من يناصر هذه الفئة ويدفع الشباب لخوض غمار هذه البشاعة، تلك المناظر لا يمكن لنفس سوية أن تقبلها تحت أي ذريعة، ومن يخوض ويألف هذه الوحشية يهون عليه بلده وناسه وأي مسلم، سواء كان على ملته أو مخالفا لملته، فالنفوس خرجت من سياقها الإنساني إلى سياق وحشي لم يعد بالإمكان ترويضه أو إقناعه بالعدول عن أفكاره، والألفة على التوحش تجعل من هذا الفرد (لن أقول إنسانا) متعطشا للدماء ومنساقا لأي فكرة تشبع نهمه للبطش والدم. ومع إعلان وزارة الداخلية عن القبض على 62 إرهابيا متورطين في خلايا تنظيم إرهابي يستهدف تهريب النساء والأطفال إلى الخارج عبر الحدود الجنوبية، والتخطيط لعمليات إجرامية ضد منشآت حكومية ومصالح أجنبية، واغتيالات لرجال أمن وشخصيات تعمل في مجال الدعوة ومسؤولين حكوميين هو إعلان يؤكد أننا نعود للمربع الأول من محاربة الإرهاب، خصوصا أن بينهم 35 من مطلقي السراح في قضايا أمنية وممن لا يزالون رهن المحاكمة. وهذا يعيدنا أيضا إلى نقطة المحرضين، فالمحرضون لهم أكثر من صورة وشكل، فإن كنا قد علمنا النوع الأول وهو المنادي بالجهاد ودعوة الشباب للذهاب إلى أراضي الاقتتال في مشارق الأرض ومغاربها، فإن هؤلاء تم كشفهم وإظهارهم، إلا أن هناك محرضين مستترين وتعرفهم من صمتهم عن كل هذه الجرائم من غير أن يستنكروا كل الأفعال الإرهابية التي تحدث، بل تجدهم يبحثون عن الأعذار لداعش وفراخ القاعدة (بمسمياتها المختلفة)، ويمرون على تلك الأفعال الدموية البشعة، وكأنه أمر طبيعي حدث في زمن الحروب الأولى، وتذكيرك بكيف قتل أبو جهل وعتبة بن ربيعة وشيبه بن ربيعة وعامر بن الحضرمي وعبيدة بن سعيد بن العاص والعاص بن سعيد، ويجسدون تلك القتلة بافتتان للشباب، ويغيبون عنهم أن من قتل في تلك المعركة كانوا مشركين، وأن شبابنا اليوم يقتلون مسلمين مثلهم، وإن فطن الشباب لهذه النقطة قيل لهم من تقاتلونهم اليوم هم كفرة أمثال من قاتل عليا أو أدخلوه في الكفر عنوة بأي مسمى تكفيري، فالمحرضون لا تعجزهم الحجج وتفريعات التكفير المنتهجة عبر التاريخ الإسلامي، إذ يكفي لأي محضر اختلاق الحجة التكفيرية ودفع المتحمسين لأتون النار. ولو سألت أي مجرب خاض الحروب في البلدان البعيدة سوف يقسم لك أنه بمجرد أن يصل إلى أي بلد (من تلك البلدان) سيجد أن كل خلية مقاتلة تكفر من تجاورها في المخيم، لكن هذا الاكتشاف لا يحدث إلا بعد أن يكون الشاب قد تورط في عدد من الحماقات التي تجعل من عودته محل تردد بالنسبة له، ويكون قد تلطخت يداه بالدم ونفسيته قد مضت شوطا بعيدا في الوحشية. نحن بحاجة إلى مراجعة أنفسنا بخلق تنوع فكري في الداخل قبل أن يسلم شبابنا للرأي الواحد، كما حدث في الثمانينات، وهذه النصيحة لم يؤخذ بها في ذلك الزمن، فإذا بنا نعيد نفس السيناريو القديم.
مشاركة :