بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين … أما بعد : (مقدمة) للمبتدعة الصوفية في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب موعد جديد مع البدعة ، حيث يحتفلون عادة في هذا الوقت بـ:”ليلة الإسراء والمعراج” ، ولهم بدع أخرى سيأتي التنبيه عليها في حينها إن شاء الله ، فهم يتنقلون من بدعة إلى بدعة ، ومن ضلالة إلى ضلالة ؛ محبون للبدع هاجرون للسنن ،قال ابن سيرين رحمه الله: “ما أخذ رجل بدعة فراجع سنة”[رواه الدارمي (1/69)] .وقال الأوزاعي رحمه الله مخاطبًا أهل البدع : “لا ترجعون من بدعة إلَّا تعلقتم بأخرى هي أضر منها”[النقض للدارمي ، ص : (226)]. وفي هذا المقال سوف أذكر حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ، لكن قبل ذلك سأقدم بمقدمات لا بد منها : (1) المبتدعة الصوفية قد استولى عليهم الشيطان وأعوانه بتزيين البدعة والاحتفاء بها ، وهجر السنة والبعد عنها ؛ ولذا نجدهم ينشطون وينفقون الأموال الطائلة لإحياء ليال عدة –كهذه الليلة- بمثل هذه المنكرات ، فما أشد فرح الشيطان بعملهم هذا !! بل فرحه بها منهم أشد من فرحه بوقوعهم في المعصية ،قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “قال أئمة الإسلام كسفيان الثوري وغيره : «إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ؛ لأن البدعة لا يُتاب منها ، والمعصية يتاب منها» ، ومعنى قولهم : «إن البدعة لا يتاب منها» : أن المبتدع الذي يتخذ ديناً لم يشرعه الله ولا رسوله قد زُيِّن له سوء عمله فرآه حسناً ، فهو لا يتوب ما دام يراه حسناً ؛ لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيء ليتوب منه ، أو بأنه ترك حسناً مأموراً به أمر إيجاب أو استحباب ليتوب ويفعله ، فما دام يرى فعله حسناً وهو سيء في نفس الأمر فإنه لا يتوب ، ولكن التوبة منه ممكنة وواقعة بأن يهديه الله ويرشده حتى يتبين له الحق ، كما هدى سبحانه وتعالى من هدى من الكفار والمنافقين وطوائف من أهل البدع والضلال”[مجموع الفتاوى (5/175)] .وقال ابن القيم رحمه الله : “ومعلوم أن المذنب إنما ضرره على نفسه وأما المبتدع فضرره على النوع ، وفتنة المبتدع في أصل الدين وفتنة المذنب في الشهوة ، والمبتدع قد قعد للناس على صراط الله المستقيم يصدهم عنه والمذنب ليس كذلك ، والمبتدع قادح في أوصاف الرب وكماله والمذنب ليس كذلك ، والمبتدع مناقض لما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والعاصي ليس كذلك ، والمبتدع يقطع على الناس طريق الآخرة والعاصي بطيء السير بسبب ذنوبه”[الجواب الكافي ، ص : (178)] . (2) أرجو من القارئ الكريم أن يعرف أن إنكاري أو إنكار غيري للبدع والمبتدعات إنما هو من الفروض المتحتمة ، ومن البلاغ الواجب على كل من آتاه الله علماً ، وهو من النصح لعموم المسلمين ،قال صلى الله عليه وسلم : “الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ“[رواه مسلم (106)] .وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : “بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ“[رواه البخاري (57) ، ومسلم (109)] .وقال قتادة رحمه الله : “إن الرجل إذا ابتدع بدعة ينبغي لها أن تذكر حتى تُحذر”[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (1/154)] .وقال المروذي : قلت لأبي عبد الله -أحمد بن حنبل رحمه الله- ترى للرجل أن يشتغل بالصوم والصلاة ويسكت عن الكلام في أهل البدع ؟ فكلح في وجهه وقال : “إذا هو صام وصلى واعتزل الناس أليس إنما هو لنفسه ؟ قلت : بلى ، قال : فإذا تكلم كان له ولغيره ، يتكلم أفضل”[طبقات الحنابلة (3/400)] .وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عن الأثر المروي عن بعض السلف : «لا غيبة لفاسق» ، فأجاب رحمه الله : “وهذان النوعان يجوز فيهما الغيبة بلا نزاع بين العلماء ، أحدهما : أن يكون الرجل مظهرًا للفجور مثل الظلم والفواحش والبدع المخالفة للسنة ، فإذا أظهر المنكر وجب الإنكار عليه بحسب القدرة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ“رواه مسلم” … -ثم ذكر النوع الثاني بقوله- : “وإذا كان مبتدعًا يدعو إلى عقائد تخالف الكتاب والسنة ، أو يسلك طريقًا يخالف الكتاب والسنة ، ويخاف أن يضل الرجل الناس بذلك بين أمره للناس ليتقوا ضلاله ويعلموا حاله ، وهذا كله يجب أن يكون على وجه النصح وابتغاء وجه الله تعالى” [مجموع الفتاوى (28 / 219-221)] .وقال أيضاً رحمه الله : “ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة ، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنةفإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين – ثم ذكر أثر أحمد رحمه الله المتقدم عن المروذي- ، ثم قال : فبيَّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله ؛ إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين ، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب ؛ فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعًا ، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء”[مجموع الفتاوى (28/232)] . (3) وأرجو -أيضاً- ممن ينظر في مقالي هذا -أو غيره من المقالات والكتب- ألَّا تحمله الحميَّة الجاهلية فيرد ما أُورده من حق وسنَّة بدافع الكراهية أو الهوى أو الجهل ، فإن فعل فإنه على خطر كبير ،قال أحمد بن حنبل : عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته ويذهبون إلى رأي سفيان ، واللَّه تعالى يقول : “فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” ، أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك ، لعله إذا رَدَّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلِك”[رواه ابن بطة في”الإبانة الكبرى”(1/260)] .وقال ابن بطة رحمه الله : “فمن سمع الحق فأنكره بعد علمه له فهو من المتكبرين على الله ، ومن نصر الخطأ فهو من حزب الشيطان”[الإبانة الكبرى (2/545)] .وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “فالحذر الحذر أيها الرجل من أن تكره شيئًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو ترده لأجلهواك ، أو انتصارًا لمذهبك ، أولشيخك ، أو لأجل اشتغالك بالشهوات أو بالدنيا فإن الله لم يوجب على أحد طاعة أحد إلَّا طاعة رسوله والأخذ بما جاء به”[مجموع الفتاوى (16/257)] . ومن كان عنده ملاحظات على ما أكتبه فلينبهني عليها ؛ إسداء للنصيحة ، وبياناً للحقيقة ، وإني له شاكر ومقدر أن دلني على أخطائي وعيوبي ، لكن بشرطين مهمين ، هما : الحجة والعلم ، والأدب الجم . (4) إن من أشد أنواع الفساد في البلاد فساد كتمان العلم الواجب ، طلباً للتعايش مع أهل الابتداع ، أو حياء من نقد الزملاء والأقارب والأصحاب ، أو خوفاً من الإقصاء والهجران ، وهذا النوع من الفساد كما هو خيانة لأمانة التبليع ، فهو غش وخيانة لولي أمرنا حفظه الله الذي خوَّل مَنْ مَنَّ الله عليه بعلم أن يقوم بما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من التعليم والبلاغ ، وإلَّا يفعل فقد ضل الطريق ،قال تعالى : “إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُون“[البقرة:159] .وقال تعالى : “إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم“[البقرة:174]وقال تعالى : “يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون“[الأنفال:27] .وقال تعالى : “يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا“[النساء:59] .قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير آية البقرة :”إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ …” قال : “هذه الآية وإن كانت نازلة في أهل الكتاب ، وما كتموا من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته ، فإن حكمها عام لكل من اتصف بكتمان ما أنزل الله “مِنَ الْبَيِّنَاتِ” الدالات على الحق المظهرات له ، “وَالْهُدَى” وهو العلم الذي تحصل به الهداية إلى الصراط المستقيم ، ويتبين به طريق أهل النعيم ، من طريق أهل الجحيم ، فإن الله أخذ الميثاق على أهل العلم ، بأن يبينوا الناس ما منَّ الله به عليهم من علم الكتاب ولا يكتموه ، فمن نبذ ذلك وجمع بين المفسدتين ، كتم ما أنزل الله ، والغش لعباد الله ، فأولئك “يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ” ، أي : يبعدهم ويطردهم عن قربه ورحمته ، “وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ” ، وهم جميع الخليقة ، فتقع عليهم اللعنة من جميع الخليقة ، لسعيهم في غش الخلق وفساد أديانهم ، وإبعادهم من رحمة الله ، فجوزوا من جنس عملهم ، كما أن معلم الناس الخير ، يصلي الله عليه وملائكته ، حتى الحوت في جوف الماء ، لسعيه في مصلحة الخلق ، وإصلاح أديانهم ، وقربهم من رحمة الله ، فجوزي من جنس عمله ، فالكاتم لما أنزل الله ، مضاد لأمر الله ، مشاق لله ، يبين الله الآيات للناس ويوضحها ، وهذا يطمسها فهذا عليه هذا الوعيد الشديد”[تيسير الكريم الرحمن ، ص :(77)] . وتعليم العلم والسنَّة وإنكار المنكر والبدعة هو أقل شيء نقدمه لبلد دافع ولا يزال يدافع عن الحق في كل الميادين بكل ما أوتي من قوة ، فهاهم جنودنا البواسل يسطرون أروع الأمثلة في صد الهجمات العدوانية على حدود بلادنا ، وينتصرون للمظلوم ممن ظلمه من أهل البدع والخرافة من أذناب إيران وحزب الشيطان ، فهل جنود البيان والدعوة عندنا قد قاموا -ولو بشيء يسير- كما قام به إخوانهم الأبطال الأشاوس على الحدود في صد عدوان العدو اللدود ؟؟ فحري بكل مواطن يحب السنة وأهلها ويكره البدعه وأنواعها أن تكون له بصمة خير في الدعوة إلى الله وإلى دينه وسبيله ، وفي التحذير من دين الشيطان وسبيله ، وكلٌ على ثغر ، فــ:خطيب الجمعه لا بد أن يكون له دور في الصدع بالحق ، والتحذير من الشر .وإمام المسجد -كذلك- لا بد أن ينظِّم لجماعته دروس العقيدة والحديث ، معلماً مذكراً محذراً .والمعلم في جامعته أو مدرسته ، يجب أن يكون غيوراً على دينه وعقيدته ، واعظاً ؛ آمراً بالمعروف والسنة ، ناهياً عن المنكر والبدعة .والإعلامي في صحيفته أو قناته ، مطلوب منه أن لا يكون مجاملاً في دين الله ليرضي جميع الأطراف ؛ بل لا بد أن يكون معزاً للحق ؛ رافعاً شأن السنة بشجاعة ، حاطاً من أمر البدعة ببسالة . ولو أُهِّل هؤلاء الأربعة حق التأهيل لجفت -بحول الله- منابع البدعة في بلادنا ، ولكن … ؟؟!!ومن بعد هؤلا الأربعة يأتي في الرتبة : مدير الدعوة والإرشاد ، ومدير التعليم ، والوالدان ، فهؤلاء رعاة مسؤولون ، عليهم تبعة عظيمة ومسؤولية كبيرة ، فليحذروا كل الحذر – قبل أن تحل ساعة الرحيل- من التقصير أو التفريط !ومن بعد هؤلاء : يأتي سائر الناس ، عليهم وجوباً اجتناب البدع كلها ؛ صغيرها وكبيرها ، وعليهم أيضاً هجران أهل الإحداث في الدين وعدم تكثير سوادهم . فإن قالوا : نحن عوام بسطاء ، ليس عندنا من العلم ما يؤهلنا لنفهم هذه المواضيع !! قلنا لهم : اسألوا الموثوق بعلمهم من العلماء الربَّانيين ، وطلبة العلم الأثبات ؛ أهل السنة الأبرار ، اسألوهم كثيراً حتى تطمئن قلوبكم ، ويحصل الاطمئنان في صدوركم . (5) وإني في هذه العجالة أذكر إخواني بصفات مهمة لأهل السنة والجماعة ، أحب أن يتحلَّوا بها ، وما أعظمها وما أجلها من حلية !! [وقد ذكرتها قبل فيما كتبت من مقالات ، لكني هنا سأعيدها للتذكير] .من صفاتهم : أنهم بالسنة متمسكون ، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ،قال صلى الله عليه وسلم : “لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ ، أَوْ خَالَفَهُمْ ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ“[رواه مسلم (4993)] .ومن صفاتهم : أنهم ناصحون للخلق بحق ورحمة وصدق ، متأسين بنبيهم صلى الله عليه وسلم بما وصفه ربه ،قال تعالى : “لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم“[التوبة:128] .ومن صفاتهم : أنهم صرحاء فيما يدعون إليه ، لا يكتمون الحق ولا يلبسونه بالباطل ، كفعل أهل الكتاب ،قال تعالى : “يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون“[آل عمران:71] .ومن صفاتهم : أنهم يصدعون بالحق لا يخافون في سبيل ذلك لوم اللائمين ، ولا يضيرهم قدح القادحين ،قال تعالى في وصف أهل الإيمان : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم“[المائدة:54] .ومن صفاتهم : أنهم ثابتون بتثبيت الله لهم ، لا يضرهم ضلال من ضل ما داموا بالحق متمسكين ، ووللخلق ناصحين ،قال تعالى : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ“[المائدة:105] .ومن صفاتهم : أنهم لا يخالفون جماعة المسلمين من علماء المسلمين في العلم والفتوى .قال الله تعالى : “وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا“[النساء:115] .وقال صلى الله عليه وسلم لحذيفة رضي الله عنه في حديث الفتن : “تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ“[رواه البخاري (3606) ، ومسلم (4812)] . (حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج) ليلة الإسراء والمعراج هي الليلة التي أسري فيها النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ثم عرج به إلى السماء ، ولم يأت شيء يعتمد عليه من الأحاديث الصحيحة في تحديد وقتها ، ولذا اختلف العلماء في زمنها الذي حدثت فيه ؛ فمنهم من قال : إنها حدثت في شهر ربيع الأول ، وآخرون قالوا : إنها حدثت في شهر ربيع الآخر ، ومنهم من ذهب إلى أنها حدثت في ليلة السابع والعشرين من رجب ، وقيل غير ذلك ، فالعلماء كما نرى مختلفون ، فلا حجة قاطعة لمن حددها بزمن معين ، حتى لو علم وقتها لم يجز إحداث عبادة ما أو احتفال بمدائح وقصائد وولائم كما يفعل الآن في كثير من البلدان والعواصم ؛ لأنه من الحدث في الدين ،قال الله تعالى : “أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم“[الشورى:21] .وقال صلى الله عليه وسلم : “مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ“[أخرجه البخاري (2697) ، ومسلم (4513)] .قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال : إنها ليلة المولد ، أو بعض ليالي رجب ، أو ثامن عشر ذي الحجة ، أو أول جمعة من رجب ، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار ، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها”[مجموع الفتاوى (25/2998)] .وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : “إن الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج أمر باطل , وشيء مبتدع , وهو تشبه باليهود والنصارى في تعظيم أيام لم يعظمها الشرع , وصاحب المقام الأسمى رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي شرع الشرائع , وهو الذي وضح ما يحل وما يحرم ، ثم إن خلفاءه الراشدين وأئمة الهدى من الصحابة والتابعين لم يعرف عن أحد منهم أنه احتفل بهذه الذكرى ، المقصود أن الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج بدعة , فلا يجوز ولا تجوز المشاركة فيه”[مجموع الفتاوى (3/103)].وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : “وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها , وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث , ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها , ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات ، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها , ولم يخصوها بشيء , ولو كان الاحتفال بها أمرًا مشروعًا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة إما بالقول أو الفعل , ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر , ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا فقد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كل شيء تحتاجه الأمة , ولم يفرطوا في شيء من الدين , بل هم السابقون إلى كل خير , فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعًا لكانوا أسبق الناس إليه , والنبي صلى الله عليه وسلم هو أنصح الناس للناس , وقد بلَّغ الرسالة غاية البلاغ , وأدى الأمانة , فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الإسلام لم يغفله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتمه , فلما لم يقع شيء من ذلك علم أن الاحتفال بها وتعظيمها ليسا من الإسلام في شيء , وقد أكمل الله لهذه الأمة دينها , وأتم عليها النعمة , وأنكر على من شرع في الدين ما لم يأذن به الله , قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين من سورة المائدة : “ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً”[المائدة:3] , وقال عز وجل في سورة الشورى: “أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُواْ لَهُمْ مّنَ ٱلدّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ“[الشورى:21] …”[مجموع الفتاوى (1/183)] . هذا ما تسنى لي كتابته في هذا الموضوع ، والله أسأل أن يثبتنا على سنة حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى الممات ، وأن يجنبنا البدع والمحدثات ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . بقلم عبد الله بن ناصر بن عبد العزيز الناجم
مشاركة :