هدد وزير شؤون الاتحاد الأوروبي كبير المفاوضين الأتراك، عمر تشيليك، الاتحاد الأوروبي، أمس، بتخلي بلاده عن التزاماتها في بحر إيجه، بموجب اتفاقية اللاجئين وإعادة قبول المهاجرين الموقعة مع الاتحاد في 18 مارس (آذار) 2016، ما لم يلتزم الاتحاد برفع تأشيرة الدخول عن المواطنين الأتراك. وقال تشيليك في مقابلة تلفزيونية، أمس، إن بلاده التزمت بتنفيذ جميع المتطلبات لرفع تأشيرة «شنغن» عن مواطنيها، لافتا إلى إعداد ورقة جديدة للاتحاد الأوروبي ستقدمها أنقرة خلال شهر مايو (أيار). وشدد على أن بلاده لن تجري أي تغيير في قوانينها المتعلقة بمحاربة الإرهاب؛ لأنها تتعلق بأمنها القومي. وتضمن الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي منح تركيا معونات لمساعدتها في استيعاب اللاجئين، تصل تدريجيا إلى 6 مليارات يورو، إضافة إلى إلغاء تأشيرة الدخول للمواطنين الأتراك بعد استيفاء 73 شرطا، من بينها تعديل قوانين مكافحة الإرهاب التي يعتبر الاتحاد الأوروبي أن السلطات التركية تستخدمها للضغط على المعارضين. ورفضت أنقرة منذ البداية المساس بقوانين مكافحة الإرهاب، ولوّحت أكثر من مرة بإلغاء اتفاقية اللاجئين، كما لوحت بها أيضا خلال الأزمة مع بعض دول الاتحاد قبل الاستفتاء على تعديلات الدستور التي اعتبرتها أوروبا مقدمة لتكريس نظام ديكتاتوري في تركيا. وقال تشيليك، إن بلاده حمت أوروبا من خلال احتضانها للاجئين، وإنه إذا لم تكن تركيا قد وقعت اتفاقية اللاجئين والهجرة مع الاتحاد، لتدفق اللاجئون على أوروبا ولاستغلت ذلك الأحزاب اليمينية المتطرفة، وهو ما كان سيؤدي إلى انحراف الديمقراطية في أوروبا عن مسارها وتغيير سياستها. في الوقت نفسه، لا يزال الاستفتاء على الدستور في تركيا يثير جدلا بين أنقرة وأوروبا، ودعا اثنان من كبار الساسة المحافظين الألمان الاتحاد الأوروبي إلى إنهاء المحادثات مع تركيا، بشأن انضمامها إلى عضويته. وقال نوربرت روتجين، عضو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، إن التقاعس عن اتخاذ إجراءات بعد الاستفتاء التركي سيضر بأوروبا. ونقلت «رويترز» عن روتجين، في مقابلة بثها راديو ألمانيا أمس، قوله: «سنضر بمصداقية أوروبا إذا تقاعسنا عن الرد على قرار تركيا ضد الديمقراطية وضد حكم القانون. إذا واصلنا التمسك بخيال انضمام دولة بمثل هذه الحكومة، ومثل هذا الدستور». وأضاف أن التظاهر بأن تركيا قد تنضم للاتحاد الأوروبي، سيمنع أوروبا أيضا من إقامة علاقة جديدة وأكثر واقعية مع تركيا. من جانبه، قال يواخيم هيرمان، وزير داخلية ولاية بافاريا وعضو الحزب البافاري شقيق حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، إن محادثات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي يجب أن تنتهي، لا أن تعلق. وكان وزير الاقتصاد التركي، نهاد زيبكجي، قال الخميس، إن تركيا لا تزال ملتزمة بهدف الانضمام للاتحاد الأوروبي. وذلك بعد هجوم حاد من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على أوروبا قبل الاستفتاء، وبعد إعلان نتائجه ووصفها بالنازية والفاشية. ودعا أيضا روتجين وهيرمان ومشرعون كبار آخرون، بعد أن صدمتهم قوة دعم الأتراك في ألمانيا للاستفتاء، إلى تشديد قواعد الجنسية المزدوجة. ويعيش في ألمانيا نحو 3 ملايين شخص من أصل تركي، ويقول بعض الساسة إن الولاء الذي أبداه كثيرون لإردوغان، الذي يعتبر بعض السياسيين في الاتحاد الأوروبي أنه يميل للاستبداد على نحو متزايد، يعكس رفض القيم الديمقراطية. من جانبه، قال إردوغان في احتفال ديني أقيم في إسطنبول الليلة قبل الماضية، إن من ينعتونه بـ«الديكتاتور» ما فعلوا ذلك «إلا لأننا رفعنا أصواتنا في وجه الظلم والظالمين، دعوهم يقولون إنني ديكتاتور، فنحن لن نبقى صامتين في مواجهة هؤلاء الظالمين». كما أكد إردوغان، في تصريحات بالبرلمان التركي أمس، خلال احتفال تركيا بعيد الطفولة، والسيادة الوطنية، والذكرى 97 لتأسيس البرلمان، أن الإرادة الشعبية في تركيا تجلت «في أبهى صورها في الاستفتاء» الذي أجري في 16 أبريل (نيسان) الحالي، عبر المشاركة الكبيرة في التصويت على التعديلات الدستورية. وقال إن تركيا ستخطو بخطوات مهمة لبناء مستقبل مشرق وتحقيق النهضة المنشودة، واعتبر رفض الإرادة الشعبية، في إشارة إلى موقف المعارضة من نتيجة الاستفتاء الذي صوت فيه 51.4 في المائة من الناخبين لصالح التعديلات، أمرا غير منصف، وشدد على أن تركيا في أمسّ الحاجة للتضامن والتكافل. من جانبه، قال رئيس الوزراء بن علي يلدريم، إن نظام الحكم الجديد سيتم تفعيله بشكل رسمي خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي ستجرى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. وقال في كلمة أمام البرلمان أمس، إن الشعب التركي صوّت لصالح التغيير والتطوير في البلاد. في المقابل، يواصل حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية تحركاته للطعن على الاستفتاء، بعد أن عقدت كتلته البرلمانية اجتماعا مطولا، السبت، من المقرر أن يتواصل اليوم الاثنين لبحث نتائج الاستفتاء. وشدد نواب الحزب خلال الاجتماع على أهمية الأصوات بـ«لا» للتعديلات الدستورية التي بلغت 48.6 في المائة، ودعوا إلى تطوير لغة خطاب جديدة مع الشعب في الفترة المقبلة. وبحث النواب الاعتراضات على نتائج الاستفتاء التي تقدم بها الحزب للجنة العليا للانتخابات التي رفضتها، ومن ثم قيامه بالطعن أمام مجلس الدولة. وتسعى المعارضة للمطالبة بوقف إعلان النتائج الرسمية للاستفتاء بسبب قرار اللجنة العليا للانتخابات السماح بقبول أوراق وأظرف غير مختومة قبل بدء أعمال الفرز بوقت قليل، ما أثار شبهات وجدل حول الاستفتاء. وتقول الحكومة التركية من جانبها، إن قرار اللجنة العليا رفض الطعون على نتيجة الاستفتاء، وما يمكن أن يكون قد شابه من أعمال تخالف القانون، هو أمر يخضع حصريا للجنة العليا للانتخابات، وإن الطعون التي ستقدم سواء لمجلس الدولة أو المحكمة الدستورية العليا ستنتهي إلى رفضها. في غضون ذلك، واصل مئات الأتراك احتجاجاتهم بالشوارع في مدينة إسطنبول رفضا لنتيجة الاستفتاء، التي أسفرت عن تأييد التعديلات الدستورية بفارق ضئيل. وأعلن المتظاهرون أنهم سيبقون بالشوارع حتى إلغاء نتيجة الاستفتاء وإعادته.
مشاركة :