< نفت الأوامر الملكية السعودية التي صدرت أول من أمس الأكاذيب والتحليلات المغرضة حول السعودية وتهديد الضائقة المالية لاستقرارها نتيجة قرار مجلس الوزراء السعودي في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي بتعديل وإلغاء أو إيقاف بعض العلاوات والبدلات والمكافآت والمزايا المالية المخصصة لموظفي الدولة من مدنيين وعسكريين ومن في حكمهم من المؤسسات العامة والهيئات، وإدخال بعض التعديلات في الإجازات والمكافآت، وعدد من الجوانب الخدمية. وتداول المحللون المدفوعون أحياناً بموقف تربصي ضد السعودية بأنها تقترب وبسرعة من «الإفلاس» بسبب ما سموه نشاطاً عسكرياً في اليمن وسورية وإنفاقها الضخم على التسليح، وفي ظل ما تشهده أسعار النفط من انهيار يهدد خزانة الدولة، ما اضطرها لسن قوانين تقشفية قد تنعكس على دورها السياسي والقيادي في المنطقة والذي تتبناه منذ تسلم الملك سلمان لمقاليد حكم البلاد وهو الأمر الذي يثير حنق الكثير من المحسوبين على الخصوم المنافسين للمملكة. فيما وصفت بعض التحليلات في الصحافة الغربية، الوضع بأنه انهيار وشيك لاقتصاد السعودية على خلفية توجه الرياض إلى بيع أسهم من تاج اقتصادها «أرامكو»، ورأت التوقعات غير المحسوبة أن السعودية قد تتعرض إلى الافلاس عام 2018 أو 2020 على أبعد تقدير، إذا ما بقيت منغمسة في الاحتياطات المالية. وعزز من توجه هذا النوع من التحليلات وانتشارها سوء التعبير الذي وقع فيه نائب وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي محمد التويجري، الذي صرح على فضائية محلية وعبر برنامج «الثامنة» بأن البلاد كانت ستواجه إفلاساً حتمياً بعد 3 أعوام في ظل الظروف الحالية وانخفاض أسعار النفط لولا اتخاذها الاجراءات الأخيرة المتمثلة في إلغاء بعض البدلات وغير ذلك، وهو الأمر الذي انتقده خبراء الاقتصاد، معتبرين أن إفلاس الدول يعني التأخر في سداد مديونيتها تماماً، وأن تلك التصريحات تتناقض مع تصنيفات المملكة السيادية، ومن الصعب أن ينطبق تعريف «الإفلاس» على وضع السعودية التي تمتلك رابع احتياطات نقدية على مستوى العالم، بجانب أصول أجنبية تقدر بـ587 بليون دولار، وتحتل المرتبة الرابعة عالمياً كأقل الاقتصادات في نسب الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، وأقل دول مجموعة الـ20 في نسبة الدين العام. وأثارت التصريحات حينها جدلاً واسعاً على شبكات التواصل الاجتماعي وأعمدة الصحافة ما دفع نائب الوزير إلى الاعتذار عن الوصف المبالغ به، موضحاً أن الأوضاع الاقتصادية تستلزم إجراءات لتفادي أي مخاطر مستقبلية محتملة، ولكنها لا تصل إلى درجة الإفلاس النهائي، وهو ما تسعى إليه السعودية عبر إطلاق خطتها «رؤية السعودية 2030»، بهدف تدارك أي أضرار قد تلحق بالاقتصاد السعودي، من خلال تحويل الاعتماد الاقتصادي للدولة من النفط على الاستثمار. وترتكز الخطة على إنشاء أضخم صندوق استثمارات بالعالم، يقدر بسبعة تريليونات ريال أو ما يعادل تريليوني دولار بحلول العام 2030، إضافة إلى الخصخصة، والتحول إلى صناعات جديدة أهمها التكنولوجيا وتوفير المزيد من الوظائف وزيادة خطط السياحة الدينية. وبالفعل أخذت الإصلاحات الاقتصادية طريقها الصحيح وبدأت تؤتي ثمارها بحسب تصريحات وزير المالية السعودي محمد الجدعان، ما حدا برئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، أن يرفع بتوصيته لإعادة البدلات والمزايا كما كانت. وتضاعف التفاؤل أمام ما حققه برنامج التحول من نجاحات في ترشيد الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي من خلال استهداف خفض قدره 80 بليون ريال في العام الماضي و17 بليون ريال في العام الحالي، كما تُظهر نتائج الربع الأول لأداء الموازنة العامة للدولة أن الإيرادات كانت أفضل مما هو متوقع، والمصروفات أقل مما هو معتمد للفترة، إذ بلغ العجز حوالى 26 بليوناً، بينما المتوقع كان حوالى 50 بليون ريال. وأوضح أن الحكومة مستمرة في برنامج الإصلاح الاقتصادي وستكثف جهودها الرامية إلى تحقيق برنامج التوازن المالي، والخصخصة، وزيادة الإيرادات غير النفطية في إطار أهداف الرؤية الطموحة للمملكة 2030. ولاقت أوامر الملك سلمان بإعادة صرف جميع البدلات والمكافآت والمزايا المالية لموظفي المملكة من مدنيين وعسكريين، وصرف راتب شهرين للعسكريين المشاركين فعلياً في عمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل على الأراضي اليمنية، استحساناً واسعاً من روّاد شبكات التواصل الاجتماعي. كما بددت المخاوف حول استقرار ومستقبل الاقتصاد السعودي، وكذلك جرفت التوقعات غير الموضوعية والمتربصة في بعض الأحيان عن دور السعودية السياسي الذي يستند إلى قوة اقتصادية متجددة ومتينة، وفي الوقت نفسه أضافت إلى حجم ثرواتها التقليدية دفعة من الاستثمار في الإمكانات الكامنة في طول البلاد وعرضها والفرص غير المستغلة لديها.
مشاركة :