اختار الفرنسيون مرشحا وسطيا حديث العهد نسبيا على الساحة السياسية وزعيمة اليمين المتطرف ليخوضا جولة الاعادة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية في ال7 من مايو/أيار المقبل. وقلبت الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية الاحد الخارطة السياسية لفرنسا. وهي المرة الاولى منذ 1958 التي يغيب فيها اليمين عن الدورة الثانية في فرنسا والمرة الاولى التي لا يعبر فيها مرشحا الحزبين الكبيرين اللذين هيمنا على الانتخابات منذ نحو نصف قرن، الى الدورة الثانية الحاسمة، بعد ان أسقط الناخبون مرشح الحزب الجمهوري فرنسوا فيون ومرشح الحزب الاشتراكي بنوا آمون. وقال ماكرون الذي حصل على 23,7 % من الاصوات “نطوي اليوم بوضوح صفحة من الحياة السياسية الفرنسية.” وأظهرت النتائج شبه النهائية لوزارة الداخلية الفرنسية تقدم ماكرون الي لم يتقلد مطلقا منصبا عن طريق الانتخابات على مرشحة اليمين المتطرف التي حصلت على 21,9 % من الاصوات. وفي إقرار بالهزيمة حتى قبل صدور الأرقام حث المرشحان المحافظ والاشتراكي أنصارهما على حشد طاقاتهم لدعم ماكرون والتصدي في الجولة الثانية لأي فرصة لفوز لوبان التي يقولان إن سياساتها المناهضة للهجرة ولأوروبا تمثل كارثة على فرنسا. واشادت لوبن من جهتها بالنتائج “التاريخية” للدورة الاولى. واضافت “تم تجاوز المرحلة الاولى التي توصل الفرنسيين الى الاليزيه. هذه النتيجة تاريخية“، معتبرة ان الدورة الثانية المقررة في السابع من مايو/آيار ستدفع الفرنسيين الى الاختيار بين “العولمة المتوحشة” المتجسدة بخصمها ماكرون، و“البديل الاكبر”. واكدت اولى الاستطلاعات التي أجريت بعد ظهور نتائج الدورة الاولى ان ماكرون سيفوز بفارق كبير على لوبن في الدورة الثانية. وأفاد معهد “ايبسوس سوبرا ستيريا” ان مرشح حركة “الى الامام” سيحصل على 62% من الاصوات في مقابل 38% لمرشحة حزب الجبهة الوطنية. بينما اورد معهد “هاريس انتراكتيف” ان الفارق سيكون اكبر مع 64% من الاصوات لماكرون و36% للوبن. ردود أفعال وهنأ الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند ماكرون بالفوز في الجولة الاولى من الانتخابات . وقال مقرب من هولاند ردا على سؤال عمن سينتخب الرئيس في الدورة الثانية “يمكنكم ان تخمنوا خياره بين احد وزرائه السابقين الذي عمل معه وممثلة اليمين المتطرف.” واستقال ماكرون في أغسطس/آب 2016 من منصب وزير الاقتصاد ليؤسس حركة “الى الامام” التي قدمت باعتبارها حركة “لا يمين ولا يسار”. ويخوض ماكرون الدورة الثانية بحظوظ وافرة ليصبح اصغر رئيس جمهورية في تاريخ فرنسا. بدوره، هنأ رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إيمانويل ماكرون المؤيد للاتحاد الاوروبي بالصعود لجولة الاعادة متمنيا له حظا طيبا في انتخابات ال7 من مايو/ايار. وغردت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي فيدريكا موغيريني على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” إن “رؤية اعلام فرنسا والاتحاد الاوروبي ترفرف جنبا إلى جنب للاحتفال بنتيجة إيمانويل ماكرون هو أمر يبعث بالامل في المستقبل للاجيال المقبلة. من جهته، غرد ميشال بارنييه المفوض الأوروبي الفرنسي المسؤول عن قيادة المفاوضات المباشرة مع المملكة المتحدة بشأن الخروج من الاتحاد الاوروبي “سأضع ثقتي في إيمانويل ماكرون في السابع من مايو/ايار. يجب أن تبقى فرنسا أوروبية.” وكان العديد من الساسة الاوروبيين عبروا عن مخاوفهم من فوز مارين لوين المعروفة بمواقفها المناهضة للاتحاد الاوروبي. وأبدى وزير الخارجية الالماني سيغمار غابريال الاحد سروره بفوز ماكرون، وقال انه “واثق” من فوزه برئاسة فرنسا. وتمنى شتيفن سايبرت، المتحدث باسم المستشارة الالمانية انغيلا ميركل “حظا سعيدا” لايمانويل ماكرون. وقال في تغريدة على موقع “تويتر“، “من الجيد ان ايمانويل ماكرون حقق نجاحا مع موقفه من اجل اتحاد اوروبي قوي واقتصاد اشتراكي”. مشاركة كبيرة وناهزت نسبة المشاركة الاحد 80 بالمئة، ما شكل احدى افضل نسب المشاركة منذ 40 عاما، بحسب وزارة الداخلية الفرنسية. وشكل مستوى التعبئة بين الناخبين البالغ عددهم 47 مليونا، عنصرا أساسيا في هذه الانتخابات، في وقت كان ربعهم لا يزال مترددا في حسم خياره حتى الايام الاخيرة. انتخابات مليئة بالمفاجآت وكانت الحملة الانتخابية حافلة بالمفاجآت والتقلبات في المواقف، فشهدت سقوط المرشحين الرئيسيين الذين كانوا يشغلون الساحة السياسية منذ عقد، الواحد تلو الآخر، ومن ابرزهم الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي خرج من السباق منذ الانتخابات التمهيدية لليمين وكذلك رئيسا الوزراء آلان جوبيه والاشتراكي مانويل فالس.. وغطت قضايا الفساد لاشهر على النقاش المعمق للقضايا الاساسية، خصوصا منها قضايا فرنسوا فيون مرشح اليمين الذي لم يتأهل للدورة الثانية. وتراجع هذا الاخير في استطلاعات الرأي بعد الكشف في يناير/كانون الثاني 2017 عن قضية وظائف وهمية استفاد منها اثنان من ابنائه وزوجته. وتسعى مارين لوبن الى الافادة من الموجة الشعبوية التي اوصلت دونالد ترامب الى الرئاسة في الولايات المتحدة ودفعت بالمملكة المتحدة الى خارج الاتحاد الاوروبي. وجرت الدورة الاولى من الانتخابات بعد ثلاثة أيام من اعتداء في جادة الشانزيليزيه تبناه تنظيم الدولة الإسلامية وأدى إلى مقتل شرطي. وتعيش فرنسا التي شهدت منذ مطلع 2015 سلسلة اعتداءات نفذها جهاديون وأوقعت 239 قتيلا، تحت تهديد الإرهاب. وهي أول انتخابات رئاسية تجري في ظل حالة الطوارئ التي فرضت بعد اعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 في باريس.
مشاركة :