يصف الكاتب، عباس الطرابيلي، في كتابه «شوارع لها تاريخ»، شارع المُعز بأنه «أول وأكبر شارع في القاهرة المعزية الفاطمية، يقف الأجنبي أمامه متعبدًا، حيث يتضمن منشآت إسلامية تمثل 6 عصور؛ فاطمية، أيوبية، مملوكية بحرية، ومملوكية برجية جركسية، ثم عثمانية تركية، وحتى عصر محمد على باشا الكبير، بالإضافة إلى المدارس على المذاهب الإسلامية الأربعة وأعظم مستشفيات العصر». يُعد شارع المُعز أول شارع شقه، جوهر الصقلي، القائد الذى فتح مصر وبنى القاهرة والأزهر، وأطلق على الشارع حينها «شارع المعز لدين الله»، فعندما فتح جوهر القائد مصر بإسم الفاطميين، كان أول ما فكر فيه أن ينشئ عاصمة للدولة الجديدة، ومسجدًا، مدينة، يحكمون منها مصر، لتصبح بعد قليل عاصمة الدولة التى تمتد من الشام والحجاز واليمن. يمتد الشارع من باب الفتوح مروراً بمنطقة النحاسين، ثم خان الخليلي، فمنطقة الصاغة ثم يقطعه شارع جوهر القائد، ثم يقطعه شارع الأزهر مروراً بمنطقة الغورية والفحامين، ثم زقاق المدق والسكرية لينتهي عند باب زويل. يُعرَّف المعز لدين الله أبو تميم معدّ بن منصور العبيدي، بأنه رابع الخلفاء الفاطميين في تونس وأول الخلفاء الفاطميين في مصر، حكم من سنة 953 وحتى 975، وأرسل أكفأ قواده وهو جوهر الصقلي للإستيلاء على مصر من العباسيين فدخلها وأسس مدينة القاهرة وحينما انتهى جوهر الصقلي من ذلك أرسل في طلب المعز إلى القاهرة لإفتتاحها، وأسس له قصراً كبيراً عرف باسم القصر الشرقي. وكان المعز رجلاً مثقفاً يجيد عدة لغات مولعاً بالعلوم والآداب متمرساً بإدارة شئون الدولة وتصريف أمورها، فأصبح يحظى باحترام رجال الدولة وتقديرهم وانتهج المعز سياسة رشيدة، ونجح في بناء جيش قوي، وإعادة القادة والفاتحين وتوحيد بلاد المغرب تحت رايته وسلطانه ومد نفوذه إلى جنوب إيطاليا. وعندما أنشأ القاهرة، جعل جوهر في السور الشمالي بابين، باب النصر وباب الفتوح، وجعل في السور الجنوبي بابين متجاوريين، بابا زويلة، وجعل منهما شارعًا، وعلى الجانب الشرقي من الشارع، بنى قصرًا للخليفة، القصر الذى أقام فيه «المعز لدين الله»، وعندما تولى ابنه العزيز حكم مصر، أنشأ قبالة هذا القصر، قصرًا جديدًا، سمُى بـ «القصر الغربي»، وبالتالى عُرفت المنطقة التى تتوسطهما بـ «بين القصرين». مرّ شارع المُعز بعدة مراحل تاريخية، ففي العصر الأيوبي، ازدهر بناء المدارس، التى تركت أثرًا في جوانب الشارع، منها «المدرسة الكاملية»، التى أنشأها الملك الكامل في هذا الشارع، كما برعوا في إنشاء القباب والمنابر، المبنية بالخشب المكسو بالرصاص، وأبرز نموذج لها، قبة الصالح نجم الدين أيوب، آخر سلاطين الأيوبيين. وفي العصر المماليك البحرية، تنافس الملوك والسلاطين والأمراء في تشييد المباني المعمارية الإسلامية، فلم يعد السلطان بانيًا للمسجد وحده، بل مجموعات متكاملة من المباني الخدمية، فأنشأ الناصر محمد بن قلاوون، أول وزارة للأشغال في تاريخ مصر، ومدرسة، ومسجد ومستشفى. أما عصر المماليك الجراكسة، امتد حوالى 134 عامًا، وفيه زُينت المباني بالعمارة الإسلامية، التى تتسم بتزيين القباب من الخارج بالنقوش وبنيت أحيانًا بالأحجار بالكامل، حتى أطلق المؤرخون على القاهرة «مدينة القباب والمنارات»، وارتقت صناعة النجارة في الأسقف.
مشاركة :