ذاكرة «صندوق أسود» في شوارع الرياض

  • 5/12/2014
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - سعودي على فرضية أن المسؤولين لدينا يسلكون المنهج البحثي والمسح الميداني، فتح المختصون في إدارة مرور الرياض ذاكرة صندوق أسود كانوا قد زرعوه في مركبة تجوب طرقات الرياض وشوارعها ٢٤ ساعة، للإسهام في دراسة بحثية عن تطور تفكير وثقافة وسلوكيات الناس المرورية. تجمّع القادة وهم يرتعشون خوفاً من نتائج سلبية مخيبة للآمال تفتك بجهود يرونها كبيرة، ويراها المواطن والمقيم فوضوية مبعثرة. تمهلوا يا سادة، الصندوق الأسود سيحسم الأمر، عليكم وعلى الفريق البحثي المعاون لكم الهدوء وحسن الاستماع والمشاهدة. عشرة آلاف ملاحظة هي القدرة الاستيعابية لذاكرة الصندوق الأسود، في مدينة طوكيو مكث الصندوق الأسود في شوارع المدينة ثلاثة أشهر حتى امتلأت الذاكرة بالملاحظات وكان ذلك في التسعينات من القرن الماضي، وفي مدينة الرياض ٧٢ ساعة كانت كافية لإغراق الذاكرة بما هب ودب من الملاحظات، ولكن في القرن الـ21، هذه المعلومة على شاشة العرض «للعلم والإحاطة». بثت ذاكرة الصندوق الأسود ٧ آلاف مخالفة لسرعة جنونية، تخفف المركبات السرعة قبل «كاميرا ساهر» وتنطلق بعدها في سباق مع الريح، معظمها من صغيرة الحجم، ومن يقودها هم بين ١٥و 20 عاماً: 1000 مخالفة قطع إشارات المرور، بعضها بعلم وشهادة «كاميرا ساهر»، وأخرى لعدم وجودها، وسجلت الذاكرة أيضاً 740 مخالفة رمي مخلفات من المركبات، و1260 حالة بصق -أعزكم الله - صدرت من المركبات، وهي متوقفة أو تطايرت من أصحابها، وهي مسرعة. انفجرت القاعة بالضحك، وضجت بالتعليق الساخر من الحاضرين، ولاسيما عندما شاهدوا صور بعض قادة المركبات يُخرجون رؤوسهم من نوافذ السيارات؛ لقذف البصق بعيداً، وهي تعود إليهم من جراء سرعة الرياح. قام كبيرهم الذي علّمهم كيف يكون الحزم وتطبيق النظام وقال: إنكم تضحكون وتسخرون من هذه المشاهد، ولم أسمع من أحدكم ملاحظة حول هذا الصندوق الأسود الذي خلطت برمجته اليابانية بين مهماتنا ومهمات أمانة المدينة. ما علاقة «المرور» برمي علب المرطبات والأكياس البلاستيكية والمناديل الورقية من المركبات؟ وهل نحن مسؤولون عن الباصقين والباصقات من المركبات؟، يجب إعدام هذا الصندوق، لأنه أسود التجاوزات والنتائج. رئيس الفريق البحثي المسؤول عن جلب الصندوق، وهو دكتور سعودي مدني متخصص في علم الاجتماع، طلب الكلمة وقال: أيها القائد، إن البحث يستهدف دراسة تطور ثقافة وفكر وسلوكيات الناس، كما أن رصد جميع التصرفات مهم جداً؛ للوصول إلى الأسباب والنتائج، ولا ضير أن نقدم نتائج الدراسة لأمانة المدينة؛ للاستفادة منها في التعرف على أسباب «وسخ» المدينة. الجهود تصب في مصلحة عامة. قام من يريد أن يتمكن من محبة قلب قائد «المرور» وقال: أنت يا دكتور تريد أن تروِّج لمشروعك البحثي وتبيع النتائج لأمانة المدينة، هناك فرق بيننا وبين اليابان، ربما هناك جهود مشتركة لخدمة المدينة، ولكن لدينا في إدارة المرور صلاحيات وأنظمة نلتزم بها، ولا نريد أن ندخل في جدليات مع جهات أخرى، لذلك أنا أصوت ضد الدراسة، واعتبرها فاشلة، وأطالب بإلغائها، بل ومصادرتها؛ لأنها مسيئة إلى الصورة الذهنية عن الشعب السعودي. اكفهرّ وجه خبير البحث الاجتماعي وقال بصوت مرتفع: هذا هراء، لأن ما رصده الصندوق الأسود واقع ميداني لتصرفات الناس، ولن نستطيع معالجة الأوضاع والتصرفات السلبية إلا بعد الاعتراف ومواجهة الرأي العام بها، وحتى تكونوا منصفين لهذا الجهد، على الأقل لنأخذ من الرصد الميداني ما يدخل ضمن اختصاصات إدارة المرور ونتجاهل الملاحظات الأخرى. دخل القائد على خط المداخلات الساخنة وقال: مشكلتنا مع الصندوق الأسود أننا لا نستطيع أن نحذف منه شيئاً، وسيبقى ما سجّله من مخالفات وسلوكيات خطراً يهدد مستقبلنا الوظيفي لو تسرب في يوم من الأيام للمسؤولين أو الرأي العام، والحل الذي أراه أكثرَ صواباً هو إعدام هذا الصندوق الأسود. طلب رئيس الفريق البحثي مهلة حتى يتمكن من استدعاء شريكه الخبير الياباني لمساعدته في حل معضلة حذف رمي المخلفات والبصق، وبعد مراجعة الخبير الياباني لذاكرة الصندوق الأسود تبسم قائلاً: هناك، الناس لا يكونون على صواب أبداً إلا عندما يعترفون بخطئهم، والعمل الشاق ليس سوى تراكم أشياء لم نعملها حينما كان ينبغي أن نعملها. ما يحمله الصندوق يحتاج إلى أناس مستعدين لمواجهة العمل الشاق أكثر من رغبتهم وخوفهم على الوظائف. قلتُ في بداية المقالة، وأقول في نهايته: إنه افتراضي وربما لا يكون له أساس في الوجود.     * كاتب سعودي. alyemnia@

مشاركة :