تقرير - هيثم الأشقر: للسينما دور مهم في المجتمع لما تقدمه من طرح لمعاناة وهموم وقضايا الإنسان، بل إن السينما حملت على عاتقها مهام التربية والتثقيف والتوعية، وقد حرصت قطر على استغلال صناعة السينما في التعبير عن خصوصية الثقافة العربية، والخليجية، واستطاعت قطر وضع نفسها على الخارطة السينمائية العالمية من خلال مؤسسة الدوحة للأفلام، والتي وضعت على عاتقها تحسين الذائقة السينمائية، وإلقاء الضوء على التعليم وإضفاء الحيوية على مختلف أساليب صناعة الأفلام. وتحرص قطر على اختيار المشاريع السينمائية التي تقوم بتمويلها لكي تقدم رسالة سامية، و تعمل على تقريب الشعوب، وتعايش معاناة وهموم الآخر وتساهم في تحقيق التقارب الإنساني، وتعمل على إذابة الفوارق، وتعزيز أواصر التعارف والتفاهم، فمن أساسيات تمويل الأفلام لدى المؤسسة هو المساهمة بتقديم أعمال عالمية وضمان استمرار سرد القصص، لتكون جزءاً من السياسة المتبعة والهادفة لبناء صناعة سينمائية مبدعة وقوية على مستوى المنطقة، وكذلك بناء علاقات وطيدة من خلال إنتاج الأفلام العالمية، وفي هذا التقرير ترصد الراية أبرز الإنتاجات السينمائية التي ساهمت قطر في إنتاجها على مدار الخمس سنوات الأخيرة."النبي".. ودعوة إلى الحب ونبذ العنف من خلال قصة إنسانية تغوص في أعماق الذات لتتحدث عن الحب والدين والطبيعة والسياسة والعلاقات الإنسانية بمختلف جوانبها، شاركت مؤسسة الدوحة للأفلام في إنتاج فيلم الرسوم المتحركة "النبي"، والذي تم إنتاجه في عام 2014، وبمشاركة عدد كبير من المؤسسات السينمائية العالمية. وفيلم "النبي" مقتبس عن كتاب الشاعر اللبناني جبران خليل جبران، ويتألف الفيلم من مجموعة فصول من إخراج عدد من أبرز فناني الرسوم المتحركة في العالم، وكتب سيناريو الفيلم وأشرف على إخراجه كوحدة واحدة مخرج فيلم "الأسد الملك" روجر ألرز، والتزم الفيلم بجوهر الكتاب الأصلي، وذلك من خلال حبك قصة جميلة وساحرة تحافظ على روح النص الأصلي. ومع استحضار حكم جبران الملهمة عن حقيقة الحب والعمل والحرية والزواج، ويرتكز الفيلم على قصة صداقة غير متوقعة تجمع صبية مشاكسة بشاعر سجين، حيث يروي الفيلم قصة رجل حكيم اسمه مصطفى تثير كلماته الحكيمة خوف السلطات السياسية منها فتجبره على الإقامة الجبرية في جزيرة "أورفليس" الخيالية لسنوات عديدة قبل أن تطلب منه الرحيل على سفينة راسية على شاطئ الجزيرة. فيطلب الأهالي منه خلال توجهه إليها أن يشركهم في علمه ومعرفته فيحدثهم عن الموت والحياة والزواج والعمل والمحبة. وها هي " المترا" الفتاة الصغيرة ابنة "كاملة" التي تلعب دورها الممثلة سلمى حايك، ترافقه في رحلته فتعيش مرحلة التحول في حياتها من خلال تأثرها بكلماته وقصائده. خلال مشاهدة الفيلم يعيش المشاهد في عالم من الإبداع من خلال رسومات ساحرة تترافق مع موسيقى تخطف الأنفاس وتنتقل بالمشاهد إلى عالم لا يوصف من النغمات الساحرة الآتية من الشرق وتحمل توقيع الموسيقار العالمي - اللبناني غابريال يارد واضع موسيقى فيلم "المريض الإنكليزي" ، وغيرها من الأعمال السينمائية العالمية، ويأتي هذا الفيلم في ظل ظروف صعبة ومعقدة تعيشها المنطقة العربية ولا سيما لبنان وقد يكون رسالة ودعوة إلى الحب والسلام والابتعاد عن العنف والكراهية.أفلام عربية تعطي صورة رمزية للكفاح والحرية السينما العربية كان لها نصيب من خلال عدد من الأفلام التي تعطي صورة رمزية للكفاح من أجل الحرية وتحقيق الطموحات والأحلام، وأبرز هذه الأفلام "ياطير الطاير" ، الذي صور في كل من قطاع غزة وجنين في فلسطين، وعمان والبحر الميت في الأردن مستوحى من قصة طموح وصعود ونجاح شاب فلسطيني استثنائي، أو ما سمي بـ "ظاهرة محمد عسّاف"، انطلاقا من المحلية الضيقة والصعوبات داخل المخيمات، وصولاً إلى النجومية الإقليمية عبر برنامج "أراب آيدول"، ثم الشهرة العالمية. وهناك أيضا الفيلم اللبناني "كثير كبير" وهو كوميديا سوداء، يجمع بين الضحك والفكاهة والإثارة، وتسلط أحداثه الضوء على الجريمة المنظمة، والفساد السياسي، من خلال متابعته لقصة ثلاثة أشقاء هم: جاد الذي يقضي عقوبة خمس سنوات خلف القضبان بسبب جريمة ارتكبها شقيقه الأكبر، وزياد وشقيقه الأوسط جو، الفيلم لا يبتعد كثيرا عن قصص السينما اللبنانية لفترة ما بعد الحرب، واكتسب الفيلم أهمية كبيرة في وسائل الإعلام اللبنانية، التي وصفته بكونه يمثل جيل المنتجين السينمائيين الذين يتناولون القضايا الحساسة في المجتمع، بدون خطوط حمراء.الذهب الأسود.. يكشف أطماع الغرب في النفط الخليجي الذهب الأسود هو أول فيلم عالمي بميزانية تبلغ 55 مليون دولار، تقوم مؤسسة الدوحة للأفلام بتمويله، تم إنتاجه عام 2010، وتصويره في كل من قطر، وتونس، لذلك يمكن اعتباره فيلماً عربياً قلباً وقالباً وإنتاجاً، وهو من بطولة أنطونيو بانديراس وفريدا بينتو وطاهر رحيم وغيرهم من نجوم العالميين والعرب، والفيلم الذي يرتكز على رواية "العطش الأسود" للكاتب السويسري هانز روش، يتناول صراعاً بين مملكتين عربيتين وهميتين على النفط الذي يكتشفه رجل أعمال أمريكي في أرض متنازع عليها. تروي تفاصيل الفيلم قصصاً مستمدة من الواقع الذي عايشه العرب خلال حقبة من الزمن، حيث يستعرض الفيلم أهداف الغرب الطامحة في البلاد العربية خلال مشاهد تُفصل الإغراءات التي عرضت على حكام عرب من أجل التنقيب عن الثروة الهائلة التي تختزنها الصحراء القاحلة، وتختصر جملة قيلت في الفيلم عن أمريكا والغرب وبحثهم عن النفط والأموال الطائلة المتأتية جراء استخراجه من باطن الأرض حينما وجه أحدهما الحديث لآخر بالقول يشكون من عطش هائل ، هذا العطش لن يرتوى إلا بتحقيق أهداف السيطرة السياسية والاقتصادية والتحكم بكافة المشهد في المجتمعات العربية، وذلك بعد وسائل الترغيب التي عرضها الغرب على العرب، راسمين صورة الثراء والطفرة الاقتصادية التي ستطال بلدانهم إن هم وافقوا على الغوص إلى أعماق الفكر الغربي.الأصولي المتردد.. قصة إنسانية ذات أبعاد سياسية يعد فيلم «الأصولي المتردد» الذي قام بمعالجته سينمائيا بيل ويلر، ومحسن حميد، وإيمي بوجاني، هو ثاني إنتاج عالمي ضخم قامت مؤسسة الدوحة للأفلام بتمويله بع فيلم "الذهب الأسود"، وأول تمويل لفيلم مستقل، ويروي الفيلم الذي تم طرحه في عام 2012 قصة شاب باكستاني اسمه جنكيز خان سافر في عمر الثامنة عشرة إلى أمريكا بحثا عن الحلم الأمريكي الذي تحول إلى كابوس بعد أحداث 11 سبتمبر 2011 ليقرر بعدها العودة والتخلي عن حلمه والعودة إلى باكستان التي سيتهم فيها بعلاقته مع جماعات إرهابية مع أنه يسعى إلى بناء عالم يسع الجميع وهو ما سيتأكد من خلال أحداث الفيلم الذي يحمل رسائل متعددة. وكان من أهم أسباب مشاركة مؤسسة الدوحة للأفلام في هذا العمل الفني، إيمانها بفكرة الفيلم وقدرته على التغيير، من خلال تقديم عمل في وقت يشهد شقاقاً يزداد يوماً بعد يوم ما بين الإسلام والغرب، من خلال قصة انسانية بفيلم ذات أبعاد سياسية متعددة في ذلك الوقت، وسعى إلى إضفاء طابع إنساني على الصورة النمطية للعلاقة ما بين الثقافات المختلفة، كما أنه حاول تحطيم الجدران التي تفصل بينا الغرب والعالم الإسلامي، وزيادة مشاعر التعاطف، من أجل إعادة التواصل بين الجميع.
مشاركة :