يستند نزار إلى عكازه ليسير بين أنقاض ما تبقى من مبنى رئاسة جامعة الموصل الواقعة في الجزء الشرقي من المدينة الذي استعادته القوات الحكومية من أيدي تنظيم داعش قبل نحو ثلاثة أشهر. نزار، الذي اخترقت وركه شظية قذيفة أصابت منزله خلال معارك الموصل، واحد من أربعة شبان نذروا أنفسهم بشكل تطوعي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مستندات أتت عليها المعارك بين القوات الأمنية والمتطرفين الذين كانوا متمركزين داخل الحرم الجامعي في حي المجموعة الثقافية ويستخدمونه كمركز للعمليات واجتماع القيادات. داخل المبنى الذي يحتاج دخوله إلى عمليات أقرب إلى التسلق، يقول الشاب العشريني: «هذا ما تبقى هنا»، مشيرا إلى الدمار الهائل داخل غرفة كانت سابقا مخصصة لطباعة بطاقات الطلاب. ويتنقل نزار ورفاقه بين الركام من طابق إلى آخر ومن غرفة إلى أخرى، يرفعون الحجارة لسحب وثائق إدارية وأوراق رسمية، منها موافقات حكومية يصعب تحصيلها مجددا ومستندات تثبت ملكية آليات أحرقها المتطرفون داخل الجامعة. وتمتد جامعة الموصل على مساحة نحو 251 كيلومترا مربعا، وتضم 124 مبنى، وكانت تستقبل سنويا ما يقارب 22 ألف طالب، وفق ما يشير لوكالة الصحافة الفرنسية مدير قسم الإعمار والمشاريع في الجامعة أسامة أحمد حمدون. ويقول حمدون: «بعد التحرير أتينا وقمنا بتقييم أولي للأضرار. هناك 12 مبنى مدمرا بالكامل، أما باقي المباني فنسبة الدمار تتراوح بين خمسة و20 في المائة، غالبيتها جراء الحرق المتعمد. بعض المباني كانت مفخخة وتم تنظيفها بمعية القوى الأمنية». على الجدران الخارجية لمباني الكليات، يمكن قراءة عبارة «آمن» أو «غير آمن» مطلية باللون الأحمر، أو عبارة «كانت مفخخة بالكامل». وأمام تلك المباني مقاعد دراسية محطمة فوق جبال من الركام. ويقول حمدون: «لنا مع كل مبنى قصة وتاريخ. عندما رأينا الدمار، شعرنا بالغصة والألم. ولكنني أقول إنها ستعود (...) لتكون في طليعة الجامعات العراقية». ويبذل المتطوعون أقصى جهودهم لتمكين الجامعة من استقبال الطلبة في أقرب وقت ممكن. ويؤكد حمدون أن «العام الدراسي المقبل يجب أن يكون في جامعة الموصل. والعمل جار على هذا الأساس». ويصل قطر الجامعة إلى سبعة كيلومترات، ما يجعلها قريبة من الجزء الغربي من مدينة الموصل حيث تخوض القوات العراقية معركة استعادته من أيدي المتطرفين، وبالتالي، فإن الخطر لا يزال قائما حيال إمكانية تعرضها للقذائف. لكن ذلك لم يثن للحظة نزار وزملاءه عن مواصلة العمل. ويقول نزار «هذه مدينتنا وجامعتنا. للجامعة فضل علينا»، مضيفا: «نحن موظفون أصلا في الجامعة، ولبينا نداء الرئاسة لتشكيل فرق تطوعية. نأمل أن ننجز شيئا». لكن بحسب نزار، فإن الأمر «يحتاج إلى وقت غير محدد. يحتاج إلى دعم دولي ودعم الحكومة المركزية، إذ أن هناك مشكلة في صرف الرواتب حتى الآن». ويضيف: «نحن في حاجة إلى دعم مالي، ندعو المنظمات الدولية والحكومية للنظر إلينا». وتوضب المستندات التي يتم إنقاذها في صناديق كرتونية وتنقل إلى غرفة مخصصة للتخزين يمنع على أحد دخولها. وبعد ذلك تقوم إدارة الجامعة بمراجعتها لتصنيفها. ويشير أحد المسؤولين الإداريين في الصرح العلمي طالبا عدم كشف هويته، إلى أن «هناك فرقا عدة موزعة على الكليات كافة للقيام بالعمل نفسه». ويضيف: «العمل مثمر جداً، وجدنا وثائق ومستندات وكتبا نعتبرها كنوزا. ولكن للأسف داعش أحرق مراجع تاريخية كثيرة. هذا أمر يدعو إلى الحزن». وتستقبل الجامعة طلابا من الجانبين الشرقي والغربي، وهناك بعض الطلاب، وفق المسؤول نفسه، ما زالوا موجودين في الجزء الغربي من المدينة، أو الساحل الأيمن كما يسميه العراقيون، بحسب مجرى نهر دجلة. ويقصد عدد كبير من الطلاب والأساتذة الذين كانوا في جامعة الموصل في الوقت الحالي «كلية النور الجامعة» في بلدة برطلة شرق الموصل حرصا على عدم إضاعة عام دراسي جديد. ويقول الطالب أشرف غالي: «خسرنا عامين ونصف العام، وسنخسر عاما ثالثا إذا لم يتح لنا إكمال العام الدراسي». ويقول الدكتور في الطب في قاعة من جامعة برطلة بينما طلاب طب من جامعة الموصل يقدمون امتحانا، «برطلة موقع بديل، لكن الأمر صعب على الطلاب والأساتذة الذين يحتاجون إلى أكثر من ساعة للوصول من الموصل». ورغم العقبات الكثيرة، يؤكد حمدون أن هناك وعودا ببدء عمليات الإعمار خلال أسابيع. ويضيف: «الجامعة هي القلب النابض للموصل. لقد كانت الجامعة الأم والسباقة في دعم الجامعات الوليدة، واليوم هي في حاجة إلى الدعم».
مشاركة :