أثارت الندوة التي أقيمت بقاعة المؤتمرات بجامعة نيويورك أبوظبي لكتاب القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية 2017 وأدارها مساعد للدراسات العربية بالجامعة الأميركية ببيروت بلال أورفالي، نقاشات مهمة حول علاقة الأدب والسلطة سواء كانت سياسية أو دينية أو إجتماعية أو جمالية وفكرية، ودور الأدب في خلخلتها وإحداث نوع من التنوير والوعي داخل المجتمعات، هذا فضلا عن القضايا التي طرحتها الروايات الستة على القائمة القصيرة وهي قضايا تثير أسئلة جوهرية واقعية وجمالية، تشتبك مع الواقع. أكدت الكاتب الروائي اللبناني إلياس خوري أن المجتمعات العربية اليوم تمر بحالة من الفوضى، وأن المشرق يحمل الحالة المتفجرة، وأن هناك صراعا بين السلطات المركزية المختلفة داخلها وهو صراع يتخذ أشكالا متعددة منها صراع القيم، وصراع المعارف، وقال "السلطات تتكلم عن معان وتدمر معانيَ في الوقت نفسه، وعندما نحكي عن المعاني نجد تهجيرا عرقيا في سوريا اليوم، ويصير الخطاب الذي يقع خلف هذا التهجير بلا معنى لأن التهجير هو الحقيقي، فنحن نعيش عمليا في عالم عربي بلا نص على كل المستويات بما فيها المستوى الثقافي، والسؤال العميق الذي يوجه إلى الرواية أو إلى الكاتب أو إلى الأدب: هو ماذا تفعل في ظل غياب النص؟ طبعا هناك أجوبة متعددة". وأضاف أن الثقافة العربية تعبر عن نفسها وهي تتحشرج وأوضح أن "هناك أزمة عميقة تتجسد في أشكال متعددة، لننظر إلى فترة الستينيات عندما كتب جمال الغيطاني الرواية التراثية مستوحاة من ابن إياس "الزيني بركات"، وصنع الله ابراهيم عندما حول مقتطفات الصحف إلى قص روائي مواز للرواية، وعندما ذهب محمد شكري إلى أعماق وقعر المجتمع المهمش في المغرب ليكتب سيرته أو روايته أو سمها ما شئت، أما اليوم فنحن نعيش أزمة في الأفكار، لذا ربما يكون الأدب العربي المعاصر هو المكان الذي تطرح فيه الأفكار، هناك كثير من الأفكار تعرض وكثير منها يموت لحظة ولادته، نحن نشهد موت رموز ثقافية كبرى، كما نشهد موت معان ثقافية كبرى، لكن في الوقت نفسه نشهد مقاومة ثقافية كونها أصبحت أحد أشكال الصراع من أجل البقاء". ولفت إلى أن العرب اليوم يحتاجون إلى الكتابة والثقافة كشكل من أشكال التعبير عن تمسكهم بالبقاء، لأن العرب اليوم مهددون بكل نواحي حياتهم بالدمار والانهيار. وأشار خورى إلى أن الأدب العربي مر بمرحلة امتهان لكرامته كان فيها دكتاتور يعتقد أنه يستطيع أن يجلب الكتاب كـ "....." وكذا شخص معه أموال، أو يستطيع تخويف الناس، وأعتقد أننا قد خرجنا من هذه التجربة نتيجة الانفجارات التي حدثت في العديد من البلدان ونحن الآن بانفجار قد يدمر بنية النص. وقال "هناك أدب السلطة وسلطة الأدب، والسؤال اليوم هل هناك في هذا التمزق مكان لسلطة الأدب، شخصيا ليس لدي جواب". أيضا أكدت الكاتبة الليبية نشوى بن شتوان أنه لم يبق غير الثقافة وسيلة للبقاء وبعد أن انهارت الأنظمة السياسية والاجتماعية، ولقد كنا نعتقد أنه بسقوط الأنظمة سوف تتغير الأوضاع لكن مازال لدينا مشاكل، فالأنظمة الاجتماعية لم تقدر على أن تحل محل الأنظمة السياسية، فقد ضاعت قيم اجتماعية وإنسانية وانهارت قيم اقتصادية، لذا فإن الشخصية العربية تواجه الفوضى والتشتت، إننا الآن نحاول من خلال الكتابة الحفاظ على ما تبقى. وقالت: "إنني كاتبة ومواطنة ليبية تعيش في حالة تشظي وتمزق، وأرى في الكتابة نوعا من الانقاذ، وأعول على ثقافتي أن ترمم ما تبقى من الهوية الكبرى التي هي هوية المنطقة التاريخية والمستقبلية، وهذا الترميم ليس مسئولية الرواية والقصة وحدهما، لكن لهما دورا بالتأكيد". ورأى الروائي محمد عبدالنبي دور الأدب كنافذه بديلة في مجتمعات مستقرة أو مضطربة أو في حالة حراك أو في مجتمعات تبدو ساكنة على السطح وكل شيء هادئ لكن في أعماقها هناك غليان وتيارات عنيفة وشديدة، طوال الوقت يحاول الأدب تقديم هذه النافذة البديلة التي تأخذ مسافة من الوعي السائد والخطاب السائد سواء كان خطاب السلطة أو خطاب المؤسسة الدينية أو الاجتماعية.. إلخ. وأضاف أن أهم ما في النافذة البديلة التي يقدمها الأدب هي أن تكون إنسانية أولا وثانيا أن تكون جميلة، فما أسهل أن نكتب كلاما مع الإنسان يبدو كبيانات منظمات حقوق الانسان، لكن الصعب هو أن نكون مع الإنسان ونقدم منتجا جميلا، وهذا رهان معادلة الفن وهو كيف نصنع شيئا جميلا. وحول كون الرواية تقدم خطابا مناهضا للسلطة أم تكرس لها، أشار عبدالنبي إلى أنه طوال الوقت يأخذ الفن هذين الاتجاهين، اتجاه أن هناك فنا يكرس بالفعل للسلطة ويمدحها أحيانا ويؤكدها حتى لو بدا أنه ضدها أو يأخذ موقفا على يسارها، أحيانا يكون مجرد زي مناهض، زي مختلف لكن في عمق الخطاب هناك تماهي شبه كامل مع خطاب السلطة السياسية والاجتماعية، والاتجاه الآخر من الفن هو ذلك الذي يخلخل السلطة ليست السياسية، ولكن السلطة بمعناها الأعمق، السلطة الجمالية والفنية، طوال الوقت المدارس الأدبية والفنية الجديدة تولد من الخروج على مؤسسة الجمال نفسها. الحراك السياسي هم مجتمع بكامله أحزاب سياسية والناس في الشارع وجمعيات حقوق الإنسان.. إلخ، ولعبة الفن ليست هنا، ولكن لعبته أن يناهض داخل سلطته الجمالية. بمعنى أنني يمكن أن أكتب رواية كل أبطالها ثوار ونشطاء سياسيين وعلى يسار المجتمع، لكنها رواية مطمئنة تقول كلاما جميا ومطمئنا ولا تحدث خلخلة أو اضطراب في نفس قارئها، ويمكن أن أكتب قصة حب بسيطة كل سطر وحدث فيها ضد الخطاب المستقر والسائد في الوعي المجتمعي من غير أن يكون فيها كلام كبير في السياسة والفعل الثوري إلى آخره ولكنها تقدم للقارئ اضطرابا وتجعله بنهايتها بالرواية ويجري في الشوارع رافضا كل شيء، أعتقد أن هذا جزءا مهما من دور الأدب. ورأى الروائي العراقي سعد محمد رحيم أن أمر السلطة والثقافة والأدب شائك، وهل يمكن للأدب أن يكون معبرا في الحياة الاجتماعية؟ هل يمكن للأدب أن يكون بديلا عن المعارك الأخرى في تحليل المجتمع العربي؟ وقال أعتقد أن الأزمات التي نعيشها منذ عقدين أجرت تحولا في خريطة السلطة في معظم البلاد العربية، ففي بعض البلدان العربية لم تعد السلطة السياسية هي السلطة الأقوى، حيث توجد سلطات أخرى، الثقافة لها سلطة لكن ليس من خلال الأدب بشكل كبير، في الانتاج الأدبي هناك نوع من الانقطاع بين الانتاج الثقافي والأدبي المكتوب وبين جمهور المتلقين أي المستهلكين المفترضين الذين هم مجموع الشرائح المتعلمة في العالم العربي، في أفضل الأحوال هناك من ألف نسخة إلى ثلاثة آلاف من كل رواية تصدر لجمهور عدده 350 مليون شخص، فأعتقد أن هذه هي الأزمة القائمة، يفترض للإنتاج الأدبي الروائي والقصصي أن يكون له دور تنويري، يفترض هكذا، فنحن نعرف من التاريخ الدور التنويري للأدب الانجليزي والروسي والفرنسي، حيث لعب دورا كبيرا في تنمية الوعي الاجتماعي وتحرك الواقع السيلسي، لكن يبقى الأدب يثير الأسئلة أكثر مما يقدم إجابات، الأدب هو ميدان لإثارة الأسئلة والدخول في المناطق التي لا تستطيع بقية المعارف والعلوم الدخول إليها، وبالتالي هنا تأتي أهمية الأدب. ورأى رحيم أن الواقع الثقافي العربي الآن هو واقع إعدامي أكثر مما هو واقع فكري، لكن إن الأدب العربي السردي بخاصة بدأ في تأليف خطاب مناهض لكل شبكة علاقات السلطة لكن السؤال هو إلى أي مدى هذا الأدب يصل إلى الجمهور ويكون مؤثرا حقا وله دور تنويري ويثير الأسئلة الوجودية الكبرى مثل أسئلة الجياة والحرية؟ وتحدث الكاتب الروائي السعودي محمد حسن علوان في نقطتين أولها حالة الصراع مع السلطة مشيرا إلى أن الأدب في فترة من الفترات كان الصخرة التي يمتطيها اليسار تحديدا في أوروبا من أجل تحقيق ثورات ثقافية وفكرية معينة وهذه حالة مرحلية لها ظروف وسياقات تاريخية معينة، ولكن الأدب اكتسب هذا الشكل، وللأسف أصبح الكاتب أو الأديب يتنكر في هذا الزي معتقدا أن هذا ما يجب يظهر فيه، وهذا منافي للتلقائية التي من المفترض أن يكون عليها ككاتب. النقطة الثانية عملية التعامل مع السلطة وفيها رأى علوان أن الكاتب الذي يحاول أن يؤثر ويسيطر على أفكار قرائه هو نوع آخر من السلطة، وفي كثير من الروايات والكتب نجد أنفسنا في صراع مع الكاتب الذي يحاول أن يزرع في داخلنا فكرة معينة، ولكن حسب مدى إيماننا بالفكرة يحاول أن يناكفها أو يناقضها نجد أنفسنا في حالة من الصراع والتوتر، ومن ثم أبدأ في استشعار محاولة هذا الكاتب فرض رؤيته وهي سلطة بشكل أو بآخر. محمد الحمامصي
مشاركة :