التعليم والإرهاب وبناء المستقبل بقلم: سالم الكتبي

  • 4/25/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

التعليم في معظم الدول العربية يعتمد على فكرة الاختبارات في نهاية العام، في حين أن تجارب الدول المتطورة تعليميا ليس لديها مثل هذه الاختبارات سوى في نهاية المرحلة الثانوية.العرب سالم الكتبي [نُشر في 2017/04/25، العدد: 10613، ص(17)] ليس لدي شك في أن أحد أهم المداخل الأساسية في مكافحة الإرهاب وبناء مجتمع أفضل يتمثل في تطوير التعليم، فالتعليم الجيد يؤسس لذهنية نقدية قادرة على النقاش والفهم والاقتناع وليست قابلة للحشو والتلقين والسمع والطاعة، وهذه إحدى مشاكلنا مع الإرهاب، أنه “يلتقط” شبابا مهيئين لتقبّل أفكاره وتجنيدهم وحشدهم وشحن طاقاتهم وتوجيهها نحو التخريب والتدمير بدعاوى غيبية مختلفة. ليس بالتعليم وحده يمكن أن نقهر الإرهاب، بل بالتأسيس لثقافة مجتمعية شاملة، ولكني أركز هنا على التعليم، باعتباره الحلقة الغائبة في الكثير من دولنا العربية، التي تخصص ميزانيات للتعليم هي الأضعف بين دول العالم، بل إن التعليم يكاد يغيب تماماً عن أجندة التنمية ويحتل ذيل قائمة الأولويات في أحيان أخرى، والنتيجة أن هناك شكاوي من أن خريجي الجامعات غير قادرين على الكتابة والقراءة بلغتهم الأم ناهيك عن تعلم لغات أخرى، فكيف لمثل هؤلاء نبذ أي فكر شاذ أو متطرف أو التعرف على الأغراض المريضة لتنظيمات الشر والإرهاب! حلقات العمليات التعليمية معروفة ومتصلة أهمها وأخطرها المعلم؛ فدوره في العملية التعليمية ليس بخاف على أحد، وبوابة تطوير التعليم لإحداث نهضة تعليمية في الدول المتقدمة تعليمياً لم تقتصر على تطوير المناهج، بل شملت روزنامة متكاملة أهم نقاطها المعلم ذاته، باعتباره جوهر العملية التعليمية، والقناة أو الممر الحتمي للعبور نحو هدف تطوير التعليم. في دولة مثل فنلندا، هناك مجال بحثي واسع ومهم يتعلق ببحوث التعليم، وهو مجال غائب تماماً في الكثير من دول العالم، وهناك اهتمام رئيسي بالمعلم، حيث يحصل المعلمون هناك على تدريب متواصل، كما يحصلون على درجات عليا في التخصص التربوي، إلى درجة أن المدارس يمكن أن تسند إلى المدرسين تصميم المناهج الخاصة بهم على غرار ما يحدث في الجامعات والتعليم العالي. المعلم هناك قادر على تقييم الطلاب من دون الخوض في تجارب امتحانية مؤذية نفسياً للتلاميذ في مراحل التعليم الأولى، ولا يجب أن ننسى أن التعليم الأساسي يبدأ في فنلندا من عمر السابعة وما قبل ذلك مجرد لعب وإشباع لاحتياجات مرحلة الطفولة، وغرس القيم وثقافة المجتمع في وجدان الصغار. وهناك أيضاً مناهج تفاعلية في التدريس وليست مجرد مناهج معدة للاختبار والامتحانات، وتعتمد بشكل أساسي على الطلاب. الاستثمار في التعليم يحتاج إلى وقت وجهد وليس فقط أموال، ودولنا العربية في صراعها مع الثقافات البالية والظواهر الخبيثة مثل الإرهاب والطائفية وغير ذلك تحتاج إلى صبر كبير من أجل حصد ثمار خطط تطوير التعليم شريطة أن تبدأ مرحلة النهضة وتتوافر لديها إرادة قوية لذلك. وقد أعجبني تشبيه خبير غربي حين قال إن من الظلم مقارنة تجربة تعليمية في دولة شرق أوسطية بتجارب غربية متقدمة، وأن ذلك يشبه وضع محرك سيارة صغيرة داخل سيارة سباق ومطالبة السائق بأن يحقق ترتيباً تنافسياً بها! التعليم في معظم الدول العربية يعتمد على فكرة الاختبارات والامتحانات في نهاية كل عام، في حين أن تجارب الدول المتطورة تعليمياً ليس لديها مثل هذه الاختبارات سوى في نهاية المرحلة الثانوية، حيث يقضي الطلاب سنوات دراستهم في تعلم المهارات والبحث والدراسة وليس في تلقي معلومات للمرور من الامتحانات ثم نسيانها! نحن بحاجة إلى تطوير أفكارنا حول التعليم، وخصوصاً فيما يتعلق بإدارة العملية التعليمية، حيث يرى بعض الخبراء الغربيين أن الأنظمة التعليمية في عالمنا العربي تعاني إشكاليات صعبة مثل غياب النظام التعليمي الموحد، وسيطرة القطاع الخاص والفكر التجاري على العملية التعليمية في بعض الأحيان، في حين أن المطلوب هو مخرجات تعليمية واحدة متساوية في المستوى والكفاءة التعليمية، ولا يكون هناك تفاوت بحسب “مصروفات” أو تكلفة التعليم، بمعنى “تسليع” التعليم أي تحويله إلى سلعة ينتفع بها البعض فيما لا يحصل عليها آخرون نتيجة لعدم مقدرتهم المالية. أعجبني كلام خبير فنلندي في حوار أُجرِيَ معه ونُشِرَ، حيث قال إن من الضروري أن يعرف المجتمع الهدف من التعليم: وهل هو بناء اقتصاد جيد والمساهمة في سوق العمل؟ أم الحفاظ على القيم والتقاليد؟ أم هما معاً بحيث يكون الهدف مشتركا بين أفراد المجتمع كافة؟ علماً بأنه لا توجد إجابة صحيحة للسؤال بل هناك إجابة مشتركة. ضرب الخبير لكلامه مثالاً بأن قال إن الهدف الأساسي للتعليم في فنلندا على سبيل المثال هو بناء الديمقراطية، وكل مردود آخر مثل رفد سوق العمل بما يحتاج من خريجين رفيعي المستوى هو ناتج ثانوي، أي الهدف من التعليم بناء مواطن نشط مجتمعياً. وبداهة، قد يكون هذا الهدف غير مناسب لدول أخرى، وبالتالي فمن حقها أن تضع أهدافا مغايرة، أو تحدد تعريفاً مختلفاً للنشاط المجتمعي، ولكن المهم أن يكون هناك هدف تتبلور حوله استراتيجيات التعليم في هذا البلد أو ذاك. في ضوء ما سبق، شعرت بحماس لجائزة “أفضل معلم خليجي” التي أطلقها منذ أيام الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فقوله “إننا نريد معلماً مبادراً وصاحب فكر مستنير” ينطوي على أهمية بالغة، فالمعلم المبدع هو الرهان الحقيقي لبناء أجيال قادرة على البناء، وتخصيص الجائزة لدول الخليج يعكس إحساساً عالياً بالمسؤولية من جانبه، فنحن نريد نهضة شاملة في منطقتنا، ولا نريد أن تقتصر ثمار التطوير على دولة الإمارات فقط. كاتب من الإماراتسالم الكتبي

مشاركة :