غاريت مارتن* يمثل قرار تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا، بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة في الثامن من يونيو/حزيران المقبل انعكاساً مذهلاً في الاتجاه، وقد فاجأ العديد من الناس في حكومتها، وفي الخارج. وكانت ماي نفت مراراً أنها ستتخذ مثل هذا القرار بالغ الأهمية.في الولايات المتحدة، نحن معتادون على تقويم انتخابي ثابت. غير أن سلطة حل البرلمان موجودة في العديد من النظم السياسية، كما هي الحال في جمهورية إيرلندا، وفي كندا، واليابان.وتستخدم هذه السلطة مراراً وتكراراً في بعض البلدان مثل إيطاليا، ونادراً في بلدان أخرى مثل ألمانيا. ويمكن أن تكون في يد البرلمان نفسه، أو أن يحتفظ بها رئيس الدولة. وهي سلطة يمكن استخدامها بشكل حرّ، أو في ظروف محددة فقط.وفي الحالة التي نحن بصددها، تراهن ماي على أن هذه الخطوة ستؤدي إلى أغلبية محافظة أكبر في البرلمان، وتعزز يدها في المفاوضات القادمة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.وهي تعني أيضاً، إجراء انتخابات حاسمة أخرى في أوروبا الغربية في عام 2017، حيث تُجري فرنسا وألمانيا بالفعل، انتخابات رئاسية وتشريعية.وتعود سلطة حل البرلمان إلى العصور الوسطى، وهي متأصلة بعمق في سياسة المملكة المتحدة. وقد منحت الملك القدرة على إقالة السلطة التشريعية في أي وقت، ما يحدّ من نفوذ المشرّعين. ومع تحول السلطة بمرور الوقت من الملوك إلى البرلمان ورئيس الوزراء، ظلت هذه السلطة قائمة.وعلى مدى قرون، كان على رؤساء الوزراء أن يطلبوا من الملك حل البرلمان. وفي القرن الماضي استخدموا هذا الامتياز لتعزيز أغلبية حزبهم في البرلمان، أو الحصول على ولاية شخصية.وعلى الورق، تغير ذلك مع «قانون البرلمانات محددة المدة لعام 2011»، الذي بدا أنه يحدّ من سلطة رئيس الوزراء. وقد حدّد القانون جدولاً زمنياً واضحاً للانتخابات، وأزال قدرة الملك على حلّ البرلمان رسمياً، عقب القرار الذي يتخذه رئيس الوزراء. ولكنه تضمن أيضاً استثناءين، إذ يمكن إجراء انتخابات مبكرة:1- إذا تم الاتفاق على اقتراح بإجراء انتخابات عامة مبكرة إما من قِبل 434 عضواً على الأقل، من البرلمان من أصل 650 عضواً، كما حدث في بريطانيا مؤخراً.2-وإما إذا تم إقرار اقتراح بعدم الثقة ولم يتم اعتماد أي حكومة بديلة من قبل مجلس العموم في غضون 14 يوماً.في ذلك الوقت، رأى مسؤولون حكوميّون محافظون بقيادة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، أن «قانون البرلمانات ذات المدة المحددة» سوف يكبح سلطة رئيس الوزراء، ويمنعه من بدء الانتخابات سعياً للحصول على مكاسب سياسية. ويُظهر سعي ماي الناجح لإجراء انتخابات مبكرة، مدى سهولة الالتفاف على مشروع القانون.كانت ماي بالدرجة الأولى، وليس البرلمان، هي التي قررت حلّ الهيئة التشريعية. وهكذا، فإن «قانون البرلمانات ذات الأجل المحدد»، كما كتب ألان رينويك أستاذ السياسة المقارنة، «لم يغير سوى الترتيبات التي يتم بها الأمر، وليس النمط الأساسي للسلطة».إن ماي تقوم بمقامرة محسوبة. وعلى الرغم من عدم إمكانية التنبؤ بالانتخابات، فقد رأت على الأرجح كثيراً من المكافآت المحتملة، وقليلاً من المخاطر في إجراء انتخاب مبكر. فالمعارضة الرئيسية، وهي حزب العمل، لا تزال متخلفة كثيراً في استطلاعات الرأي. ويملك حزب المحافظين بزعامة ماي، فرصة للحصول على زيادة كبيرة في أغلبيته الضئيلة المكونة من 17 صوتاً.ومن شأن الفوز في الانتخابات أن يمنح ماي تفويضاً مباشراً من جانب الجمهور في المملكة المتحدة، حيث إنها لم تُنتخبْ انتخاباً، بل تسلمتْ زمام الأمور، فقط بعد استقالة كاميرون فى يونيو/حزيران الماضي. ومن شأن ذلك تعزيز موقفها مع نظرائها في الاتحاد الأوروبي، ومع المتشددين في حزبها أيضاً، في المحادثات المعقدة القادمة الخاصة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كما يمكن لأغلبية أكبر أن تساعد على تعطيل إجراء استفتاء ثانٍ على الاستقلال الإسكتلندي. *أستاذ محاضر، في كلية الخدمة الدولية بالجامعة الأمريكية. موقع: «ذي كنفرسيشن»
مشاركة :