ليس غريباً أن يقوم أسطورة السينما الهندية أميتاب باتشان بتبني قضيةٍ اجتماعية، ولكن الغريب أن يُبدي النجم الهندي دعمه لحملةٍ "نسوية" تدافع عن حقوق المرأة، والأدهى أن يبرز باتشان وقوفه إلى جانب المرأة في حياته الحقيقة وأعماله السينمائية. الدور الجديد الذي يلعبه الأسطورة باتشان بدأ منذ العام 2014 عندما أُختير سفيرا للأمم المتحدة للأطفال والفتيات، وهو المنصب الذي تعامل معه أميتاب بصورةٍ جديةٍ من دون أي استهانة. وجاء اختيار باتشان خلال العامين الماضيين لأفلامه متطابقاً مع ما يشعر به من قلقٍ بشأن القضايا الاجتماعية كمواطنٍ ونجمٍ يتمتع بشهرةٍ طاغيةٍ تجعل الجميع يُنصت إليه بإهتمامٍ كبيرٍ عندما يتحدث. وهذا ما حدث عندما جذب انتباه كافة أبناء الهند برسالته التي وجهها لحفيدتيه "نافيا نافيلي وارادهيا" في سبتمبر/ أيلول الماضي طالباً منهما أن يصدّقا قلبيهما من دون الإلتفات لإملاءات الآخرين. ومع إقرار أميتاب باتشان بأن حفيدتيه تنحدران من عائلات لها ثقلٌ كبيرٌ في الوسط الهندي، فإحداهما إبنة "نادا" رجل الصناعة الكبير وصاحب شركة HP، والأخرى إبنة الأديب "هاريفانش راي باتشان"، إلا أنه حذر كلتيهما من أن الأمور لن تكون باليسيرة عليهما لأنهما مهما كانتا من أُسرٍ عريقةٍ، إلا أنهما قد يتعرضا للتمييز على أساس الجنس بسبب كونهما إناثاً. وبين سطور خطابه لحفيدتيه، كتب باتشان أن كلامه ليس موجهاً لهما فقط، ولكن لكافة الفتيات الصغيرات اللاتي في نفس عمرهن: "لأنكن فتيات، فإن الناس سيفرضن طريقة تفكيرهم عليكن، وسيقولون لكم ما يجب أن ترتدون، وكيف تتصرفون، ومن يمكن أن تتقابلون، وأين تذهبون... لكن لا تلقيا لذلك الهراء بالاً، وأتخذن قراراتكن في ضوء ما تشعرن أنتن به أنه الصواب". ويأتي خطاب باتشان ليؤكد على حقيقةٍ هامةٍ ألا وهي تغطية وسائل الإعلام للقضايا المتعلقة بسلامة المرأة، لكي لا تكون العنصر الأكثر ضعفاً في الهند. المرأة في المجتمع الهندي ويطرح أميتاب باتشان حال المرأة المتردي في المجتمع الهندي قائلاً: "لم يساهم التعليم والحرية في تغير ما تتعرض له المرأة، حيث استمرت ظاهرة التحرش الجنسي والعنف في التفاقم، وأستمر الأمر على هذا الحال إلى أن وقعت جريمة بشعة مثل الاغتصاب الجماعي الذي تعرضت له نيربهايا، الأمر الذي أحدث تغييراً في القانون". لذا شدد باتشان على ضرورة المساواة بين الرجل والمرأة فهو أمرٌ لابد منه، حيث قال: "لقد بدأت النساء في الهند في إدراك قدراتهن وإمكاناتهن الحقيقية، والآن يرغبن في أن يتم الإعتراف بهن كأفراد يجب أن يتمتعن بالمساواة مع الرجال فيما يتعلق بالحقوق القانونية والدستورية". دور السينما الهندية ضمن حفل افتتاح الدورة الثانية والعشرين لمهرجان مدينة كولكاتا السينمائي الدولي السنوي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وجه سؤالٌ خاطف لأميتاب باتشان (74 عاماً) عن الدور الملقى على عاتق السينما الهندية في التعبير عن تطلعات النساء اللاتي يمثلن نصف المجتمع الهندي، وهل تساهم الأعمال الفنية في خلق المناخ الذي يمكن أن تشعر فيه النساء بالأمان؟ وأجاب أسطورة السينما الهندية على ذلك السؤال قائلاً: "تشير التقديرات إلى أنه بحلول العام 2020 سيصبح متوسط عمر أبناء الهند 29 عاماً... إذا كنا نريد حقا أن نجني ثمار التنوع السكاني، بمعنى آخر، إذا أرادت الهند أن تصبح قوة اقتصادية عظمى بحلول العام 2030، فمن المهم تحقيق المساواة بين الجنسين في العمل". كما يضيف أميتاب: "إن المرأة الهندية اليوم مختلفةٌ تماماُ، فهي متعلمةٌ ومتحررةٌ ومستقلةٌ وتمتلك عقليةً مهنيةً في التفكير. ولقد أظهرت الثقافة الهندية الرجال على أنهم المسئولين عن كسب العيش والإنفاق على الأسرة، بينما حصرت النساء في دور إعداد الطعام والعناية بالمنزل، ولكن هذه الصورة بدأت تتغير الآن". وسلط باتشان الضوء على كبار السن من الرجال، خلال فيلميه الجديدين "بيكو" و"بينك"، موضحاً التحديات العاطفية والجسدية والنفسية التي يعانون منها، والدور المحوري والهام الذي تلعبه النساء في حياتهم. ففي الفيلم الأول "بيكو" يجسد باتشان دور الأب الذي يعتمد على إبنته للحفاظ على صحته، وحجم اهتمامها به على مدار الساعة. وفي الفيلم الآخر، يلعب باتشان دور محامٍ متمرسٍ يرصد المواقف الجائرة في المجتمع الذي ينظر إلى المرأة المستقلة -غير المتزوجة- على أنها مجرد كائناتٍ يمكن العبث بها، ليقوم برفع قضايا نيابةً عن ثلاثة نساءٍ عاملاتٍ في دلهي، يدخلن في صراعٍ مع رجلٍ له علاقةٌ وثيقةٌ بالسياسيين الكبار، ويتم اتهامه بالإعتداء الجنسي على إحداهن. يلعب الممثل الهندي الكبير أميتاب باتشان في فيلم بينك دور محامٍ كبيرٍ في السن يعيش في نيودلهي، وتسيطر عليه حالةً انعزاليةً إلا أن الظروف تضطره إلى الدفاع عن قضية سلامة المرأة في مناطق الحضر في الهند، حيث يعد الفيلم مستوى جديد لمعالجة موضوع العنف ضد المرأة وحق الفتاة الكامل في رفض أي نوع من أنواع التحرش بها، ليقدم هذا العمل الفني المرأة بوصفها إنسانة تمتلك قدراتٍ استثنائيةٍ من حيث الذكاء والحصافة. مسئولية صناع السينما الهندية يتفق أميتاب باتشان مع الرأي القائل بأن العديد من صناع السينما الهندية أهملوا مسئوليتهم في إظهار النساء بشكلٍ حضاري، وأصروا على تقديمها كسلعةٍ جنسيةٍ فقط في الأعمال الفنية. في حين يجب أن نقر كذلك بأن السينما في الهند بصورةٍ عامةٍ قامت بالدور المنوط بها لدعم حقوق المرأة. ولكن لم يغفل باتشان عن قيام رواد صناعة السينما في الهند أمثال المخرج بيمال روي، ساتياجيت راي، شيام بينيجال، ياش شوبرا وغيرهم من المخرجين الذين قدموا المرأة بكافة صورها ومن مختلف الطبقات الاجتماعية بالصورة المثلى، ولم يحصروها في دور الأم والابنة والزوجة فقط. وعلى رغم مواجهة المرأة لوضعيةٍ صعبةٍ على مستويين في هذه الأفلام بوصفها امرأة، وكذلك بوصفها أحد أفراد طبقة اجتماعية متدنية المستوى، فإن الشخصيات النسائية التي قامت ببطولة هذه الأفلام أكدن على قدرة المرأة في الوقوف أمام هذه الظروف، وهذا ما يشير إليه باتشان بقوله: "بدايةً من فيلم اشهوت كانيا وصولاً إلى فيلم سوجاتا، نجد أن صناع السينما الهندية تناولوا موضوع الانقسام الطبقي، وكيف أنه يلعب دوراً في تشكيل حياة المرأة". وما يزال على صناع السينما مهمة التوصل إلى لغةٍ يمكن أن تلخص التحول الاجتماعي الذي بدأ يحدث في حياة المرأة، الأمر الذي يؤكد عليه باتشان "كلمة مارداني مشتقة من كلمة مارد. وبالمثل يجب أن تكون هناك كلمة واحدة في اللغة تشير إلى ما تتمتع به النساء من شجاعة" في إشارةٍ إلى الممثلة راني موخرجي التي لعبت دور شرطية تضيق الخناق على مافيا الإتجار بالأطفال. لقد بدأ عددٌ كبيرٌ من الأعمال الفنية في السينما الهندية محاولة إزالة الصورة المشوشة عن المرأة، وذلك من خلال إثارة تساؤلاتٍ حول الطريقة الجائرة التي تُعامل بها المرأة في المجتمع الهندي. وفي ظل إهتمام أميتاب باتشان بقضية المرأة وحقوقها، يبدو أن الحملة ستكتسب زحماً كبيراً من حيث التأثير والانتشار، جاء ذلك حسب تقرير نشرته مجلة "آفاف الهند" الصادرة من مجموعة ماكسبوزر ميديا الهندية الخاصة وبالتعاون مع وزارة الشئون الخارجية في الهند.
مشاركة :