الأسواق الأسبوعية في السودان ملاذ الفقراء من غلاء الأسعار

  • 4/27/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الأسواق المتنقلة في السودان ازدهرت بعد الصدمة الاقتصادية التي حلت بالبلاد، وأصبحت ملاذ المواطنين من ذوي الدخل المتوسط والمحدود.العرب  [نُشر في 2017/04/27، العدد: 10615، ص(20)]عرض قبل البيع الخرطوم - وجد الكثير من السودانيين في الأسواق الأسبوعية في العاصمة الخرطوم وداخل المحافظات والبلدات الصغيرة، فرصا لشراء الاحتياجات الأساسية بأسعار تنافسية، مع اشتداد الضائقة المعيشية وارتفاع الأسعار، وخطط التقشف الحكومية المستمرة منذ سنوات. والأسواق الأسبوعية هي أسواق متنقلة من مكان إلى آخر، يقيمها تجار التجزئة بمنطقة ما، مرة أو مرتين في الأسبوع، وتشهد إقبالا من ذوي الدخل المتوسط والمحدود خاصة وهي تعرض كل مستلزمات الحياة الأساسية. وفكرة الأسواق الشعبية الأسبوعية معمول بها في معظم المدن والعواصم العربية والعالمية ويتم اختيار مناطق تكون وسط المدينة وتشهد حركة كبيرة من المواطنين.اطلب ما تشاء ورغم أن هذا النوع من الأسواق منتشر منذ عقود طويلة في السودان، إلا أنه ازدهر أكثر بعد الصدمة الاقتصادية التي حلت بالبلاد، إثر انفصال جنوب السودان في 2011، مستحوذا على 75 بالمئة من حقول النفط، كانت تدر 50 بالمئة من الإيرادات العامة. ورغم ما يسود هذه الأسواق من ازدحام متواصل وارتفاع أصوات المكبرات العالية للفت انتباه الناس للإقبال على شراء المنتجات المختلفة إلا أنها ذات قاعدة عريضة بين المواطنين من ذوي الدخل المتوسط والمحدود. وتحرص المتسوقة فوزية ميرغني أسبوعيا على شراء كل احتياجاتها من السوق، الذي تتنوع سلعه من خضروات ولحوم وبيض وملابس جديدة ومستعملة وأثاث منزلي. وما يشجع ميرغني أن أسعار السوق الأسبوعي أرخص بنسبة 30 بالمئة عن المتاجر الأخرى، “وقد تصل إلى 50 بالمئة مقارنة ببقية الأسواق والمتاجر في المنطقة”. ويؤكد التاجر محمد بسوق الأحد والأربعاء أنه بالنظر إلى العوائق المادية والظروف الاقتصادية الصعبة أصبح الناس يعانون كثيرا، فلجأوا إلى الأسواق الشعبية أو البديلة وابتعدوا عن المحلات الثابتة لما يعرف عنها من غلاء في الأسعار يثقل كاهل السودانيين خاصة من ذوي الدخل المتواضع. واضطرت الحكومة إلى تطبيق حزم تقشفية على دفعات، كان آخرها في نوفمبر، عندما زادت أسعار الوقود بنحو 30 بالمئة، وألغت كليا دعمها للأدوية وجزئيا للكهرباء. أسعار منخفضة وفي العادة تحمل هذه الأسواق اسم اليوم الذي تنظم فيه، مثل سوق الجمعة الواقع في منطقة “الحاج يوسف”، أحد أكبر الأحياء الشعبية، شرقي الخرطوم. وفي هذا السوق يبدأ التجار عادة التحضير لعملهم منذ مساء الخميس، لاستقبال زبائنهم في اليوم التالي، حيث يجيئون من مختلف الأحياء المحيطة. ويرتاد هذا السوق معظم الشباب حتى إن لم يكن بنية الشراء وإنما بغرض الفرجة وملاحظة الأسعار، فهناك تتوفر الأواني المنزلية والأثاث الخشبي وصالونات للحلاقة في الهواء الطلق حيث يكثر عدد الحلاقين على امتداد السوق في مساحة معينة. وتقول الشابة أمال إن متعة التسوق لا ترتبط بالشراء فقط، بل بمعرفة الأسعار ومقارنتها بالأسواق الأخرى لتحديد قرار الشراء أيضا، معلقة بالقول “حتى إذا ما أردنا الشراء فإننا نلجأ إلى هذه الأسواق لانخفاض أسعارها وتوافقها ودخلنا المحدود”.رواد سوق الخيمة الشعبي ليسوا من محدودي الدخل فقط، بل يلجأ له قسم كبير من سكان الأحياء الراقية المتاخمة له ويعمل في الأسواق الشعبية الأسبوعية إلى جانب الرجال الكثير من النساء والشابات اللاتي يعملن في بيع الملابس والكريمات والعطور “الدلاليات” ويتنقلن ببضائعهن من سوق إلى سوق بعيدا عن المحلات وسط العاصمة. وتأتي البضائع من تجار سوق الجملة بأم درمان ويضع تجار الأسواق عليها هامشا بسيطا من الأرباح للتخفيف عن المواطن أعباء المعيشة. وفي سوق الثلاثاء يجد السودانيون إلى جانب الخضار والفواكه واللحوم، الملابس والكماليات والمستلزمات المنزلية، ورغم أن السوق يدوم يوما واحدا فقط ، إلا أن له أجواء خاصا ونكهة متفردة حيث يكثر مرتادو السوق في هذا اليوم ويكون أشبه بمهرجان. ومقابل الإجراءات التقشفية، اكتفت الحكومة بزيادة الرواتب بنسبة 20 بالمئة التي لا تغطي تكاليف المعيشة وفقا لدراسة أعدتها نقابة العمال، وخلصت إلى أن الحد الأدنى للأجور يعادل في المتوسط 22 بالمئة من احتياجات الأسرة. ومن الأسواق المعروفة أيضا بأسعارها التنافسية، سوق “الخيمة” الواقع في منطقة تربط أحياء شعبية بأخرى راقية، شمالي الخرطوم. وكان العمل في هذه السوق، الذي يعود تأسيسه إلى العام 1983، يقتصر على يومين في الأسبوع، لكن مع ازدهاره بات يعمل منذ أعوام يوميا. والمفارقة في سوق “الخيمة”، أن رواده ليسوا من محدودي الدخل فقط، بل يلجأ إليه قسم كبير من سكان الأحياء الراقية، متحاشين المتاجر الحديثة التي تضج بها شوارعهم. ومن أمام طاولة يعرض عليها الخضروات، قال التاجر بشير أحمد إن تخفيضاتهم متفاوتة وقد تصل إلى 50 بالمئة. ويشير أحمد إلى أنه وزملاؤه يقلصون الفائدة على المنتج الواحد، لكن هذا لا يعني تناقص أرباحهم الإجمالية، لأنها تصبح مجزية باستقطاب زبائن أكثر.أسعار في المتناول وللتأكيد على أسعارهم التنافسية، استشهد أحمد باتساع حركة السوق بعد الإجراءات الاقتصادية التي أعلنتها الحكومة في نوفمبر الماضي. وقالت الموظفة الحكومية زينب إبراهيم إن ميزة السوق ليست أسعارها المنخفضة فحسب، بل احتواؤها على كل مستلزمات الأسرة. ويقول عبدالحفيظ تاجر الأواني المنزلية، إن الغلاء في المولات والمركبات التجارية أفضى إلى ضعف القوة الشرائية لدى المواطن السوداني، منتقدا جشع التجار واستغلالهم لحاجة الناس. الملابس المستعملة في الأسواق الشعبية في الخرطوم والتي تتعدد بتعدد أيام الأسبوع يجد السودانيون كل ما يبحثون عنه، وعادة ما تبدأ رحلة التسوق بالنسبة للرجال بشراء الخضر واللحم لما يكفي العائلة طيلة الأسبوع لينتقلوا بعدها إلى بائعي الملابس إن كانوا مضطرين إلى ذلك خاصة في المناسبات والأعياد. أما النساء والشباب فتبدأ جولتهم عند باعة الملابس والأثاث والأواني، ويقبل في الآونة الأخيرة الكثير من طلبة الجامعات والموظفين على الملابس المستعملة ليس من باب العوز بل بحثا عن قطعة نادرة من الماركات العالمية التي تواكب الموضة. تقول بتول ربة عائلة “إن السوق الأسبوعي يوفر لهم الكثير من المتطلبات التي تفتقدها منطقتهم، موضحة أن أكثر ما يترددون على شرائه البقوليات والبهارات والسلع الاستهلاكية، والتي في أحيان كثيرة قد تكون صلاحيتها على وشك الانتهاء إلا أنها تجد الإقبال منا كثيرا لرخص أسعارها”. وتشير إلى أن الملابس أيضا تكتسب ذات الاهتمام منهم رغم أن بعضها يغلب عليه سوء الخامة والتصنيع إلا أنها تتناسب وما في جيوبهم من مال. وتؤكد أن غالبية العائلات محدودة الدخل تلجأ إلى الملابس المستعملة التي تجد لها أجنحة في الأسواق الأسبوعية لأنها تفي بغرضهم خاصة في فصل الشتاء وحتى في أيام الأعياد. ويمر عامة السودانيين الذين يرتادون الأسواق الأسبوعية على تجار الملابس المستعملة لأن معظم المعروض فيها من الماركات العالمية التي يفضلها الشباب خاصة من بعض العاملين في الدولة من ذوي الدخل المحدود وطلاب الجامعات. وتأتي الملابس المستعملة من دول أوروبية وعربية في حاويات كبيرة يروج لها البعض قائلين إنها في الأصل غير مستعملة وإنما يتم غسلها حتى يوحي شكلها الخارجي بأنها مستعملة تهربا من الضرائب. ويؤكد البعض الآخر أنها ملابس مستعملة في السودان بدرجات متفاوتة يتم جمعها بعدة طرق منها تبديل الملابس الجديدة بالمستعملة بعد دفع مبلغ مالي بسيط كفرق سعر وتبديل الملابس بالأواني المنزلية. تتوزع تجارة الملابس المستعملة في كل الأسواق الموجودة، فقلما تجد سوق ملابس جديدة دون سوق موازٍ له من الملابس المستعلمة خاصة الأسواق الأسبوعية كسوق الأحد والأربعاء والثلاثاء.كل المستلزمات موجودة ويقول ياسر فاروق التاجر المتجول بين أسواق الخرطوم الشعبية، إن رواج سوق الملابس المستعلمة مرده ارتفاع أسعار الملابس الجديدة. ويشرح ياسر طريقة بيع الملابس المستعملة قائلا إن أسعار ملابس الأطفال ذات النوعية الجيدة تتفاوت ما بين 350 و450 جنيها، بينما تباع بقية الملابس المستعملة العادية بأسعار تتراوح بين 200 و250 جنيها. وأشار إلى أن “ارتفاع الأسعار يعود إلى ارتفاع سعر الدستة المستوردة من المملكة العربية السعودية حيث يصل إلى 1200 ريال، لذا تباع بهذا السعر بعد تحديد المكسب في كل دستة”. وأشار تاجر آخر إلى وجود عدد من التجار المتخصصين في استيراد الملابس المستعملة من أوروبا، قائلا “نشتري الملابس المستعملة من تجار معروفين، ومن ثم نقوم بغسلها قبل أن نعرضها للناس الذين يقبلون على هذه الملابس بانتظام خاصة الماركات العالمية”. وقالت سيدة تعمل في هذا المجال وبعض النسوة يتحلقن حولها “نشتري هذه الملابس المستعملة من نساء في الأحياء الراقية بأسعار زهيدة، ومن ثم نعرضها في السوق لبيعها”، مضيفة “مؤخرا انتعشت تجارة بيع الملابس المستعملة بعد ارتفاع أسعار الأزياء الجديدة في الأسواق”. ودفعت خطط الحكومة التقشفية إلى تناقص القوة الشرائية لأغلبية السكان، الذين يرزح 46 بالمئة منهم تحت خط الفقر، وفقا لأرقام رسمية، وصارت الأسواق الأسبوعية وجهتهم الرئيسة للتبضع.

مشاركة :