في مقاله* لـ DW عربية يرى الكاتب الصحفي عماد الدين حسين أن قدرة الإخوان على الحشد الجماهيري قد ضعفت تماما داخل مصر وخارجها بعد أن تعرضت صورتها للاهتزاز في عدة عواصم عالمية، إذ بات كثيرون يربطون بينها وبين العنف والإرهاب. يرى الكاتب الصحفي عماد الدين حسين في مقاله إذا كانت قدرة جماعة الإخوان على الحشد الجماهيري قد ضعفت تماماً في داخل مصر، فإنها تضاءلت إلى حد كبير في الخارج. منذ إخراج الإخوان من السلطة في 30 يونيو/ حزيران 2013، لجأت الجماعة إلى تجييش أنصارها والمتعاطفين معها من مصريين وعرب ومسلمين، للتظاهر في العديد من العواصم خصوصاً الغربية. في خريف وشتاء 2013 و2014 شهدت بعيني نماذج لهذه المظاهرات. الأولى في العاصمة الدانماركية في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، تزامناً مع بدء أول جلسة لمحاكمة الرئيس الأسبق محمد مرسي، وذلك أمام السفارة المصرية في كوبنهاغن في إطار سلسلة مظاهرات مماثلة في العديد من العواصم الأوروبية. والثانية بعدها بأسابيع قليلة، وكنت استقل مترو الأنفاق في العاصمة الألمانية برلين، حينما وجدت شاباً ذو ملامح عربية يقوم بتوزيع مواد دعائية باللغتين الألمانية والإنجليزية تتحدث عما اسمته المظالم التي تتعرض لها الجماعة في مصر خصوصاً بعد فض اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس/ آب 2013. في سبتمبر/ أيلول 2014 كنت شاهد عيان أيضاً على قيام عشرات المتظاهرين المتعاطفين مع الإخوان، بالاعتداء على الوفد الصحفي المصري أمام مطار ج اف كنيدى في نيويورك الذي كان يقوم بتغطية زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للأمم المتحدة، وبعدها بيومين حاولت نفس المجموعة الاعتداء على شخصياً أنا والزميل ياسر رزق رئيس تحرير جريدة الأخبار في أحد شوارع برونكس خارج نيويورك. وخلال زيارات مماثلة للرئيس السيسي إلى كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا ونيويورك أيضاً، تكررت المشاهد نفسها، سواء كانت محاولات للتظاهر أو الاعتداء على إعلاميين ومرافقين للرئيس. والهدف الجوهري كان التقاط صور وفيديوهات لهذه الأنشطة أو الاعتداءات وبثها على اليوتيوب بهدف رفع الروح المعنوية لأنصار الجماعة، للإيحاء بأن قدرتها على الحشد ما تزال مستمرة. لكن الملاحظة الجوهرية أن هذه القدرة على أرض الواقع كانت تتراجع بصورة منتظمة. أسباب هذا التراجع كثيرة، لكن أهمها يكمن في أن صورة الجماعة تعرضت للاهتزاز في العديد من العواصم الأوروبية والسبب الجوهري في ذلك أن كثيرين بدأوا يربطون بينها وبين العنف والإرهاب، خصوصاً بعد موجة التفجيرات التي بثتها داعش في مدن غربية مثل باريس وبروكسل وبرلين ومدن أمريكية مختلفة. لم تستطيع الجماعة أن تقنع الرأي العام العربي بأنها جماعة سلمية فعلاً، خصوصاً أنها - أو على الأقل بعض أجنحتها - اعترفت بارتكاب أعمال عنف وإرهاب، تمثلت في اغتيال ضباط شرطة وجيش وقضاة، إضافة إلى تدمير العديد من أبراج ومحطات ومحولات الكهرباء، ومنشآت حيوية أخرى. ومع صعود اليمين المتطرف في العديد من العواصم الغربية، لم يكن ممكناً للجماعة أن تتحرك بسهولة هناك. أما الضربة الكبرى فكانت مع انتخاب دونالد ترامب رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، قبل أشهر، حيث أنه لا يرى فارقاً كبيراً بين الإخوان وداعش، وقال وزير خارجيته ريكس تيلرسون، خلال عملية تثبيته أمام الكونغرس،أنه يجب اقتلاع كل جذور جماعات التطرف من داعش إلى الإخوان. هذا التغيير المهم في البيئة الدولية منع الجماعة وأنصارها من التحرك بحرية هناك. بعد فترة من النشاط وصلت إلى حد التباهي بأنهم أقاموا الصلاة في ردهات الكونغرس وبعض مراكز الأبحاث المهمة في الولايات المتحدة! وهكذا انتهى الأمر إلى مجرد فرقعات إعلامية لمجموعات متعاطفة مع جماعة الإخوان لا تزيد أعدادها عن العشرات، بهدف التقاط صورة أو مشهد فيديو لا يتجاوز الدقيقة، يكون مفيداً من وجهة نظرهم لـ«جمهور الدرجة التالثة أو الترسو» أو الأنصار الذين يبحثون عن نصر حتى لو كان شكلياً ومحدوداً! ضعف قدرة الجماعة على الحشد لم يكن بسبب صعود اليمين عالمياً فقط، لكن أحد الأسباب الجوهرية أيضاً هي الانقسامات الحادة داخل الجماعة نفسها. رأينا في الشهور الأخيرة صراعات علنية بين مجموعتين إحداها تسمى نفسها «القيادة التاريخية» ويقودها محمود عزت وسلاحها الرئيسي هو تحكمها في الأموال التي تُصرف للأسر والمسجونين، وجماعة أخرى تسمى نفسها «الجناح الشبابي» وتتبنى العنف ضد الدولة وسائر أجهزة الحكومة، وتعرضت لضربات أمنية موجعة كان أخطرها قتل زعيمها محمد كمال في اشتباك مع الشرطة المصرية في ضاحية المعادي شرق القاهرة، إضافة إلى اعتقال العديد من قيادة هذا التيار خلال العام الماضي. الغريب أنه بعد كل ما سبق على أرض الواقع، فإن بعض المؤيدين للحكومة ما يزالون يخشون مظاهرات وتحركات الإخوان بالخارج، خصوصاً مع زيارات الرئيس عبد الفتاح السيسي الخارجية. * المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.
مشاركة :