جاء في وثيقة الرؤية ما يعزز علاقتها بالمجتمع وأنها انطلقت منه، وثمارها ستصب فيه، ويعد الفرد عماد المجتمع، لذلك أولت الرؤية اهتماماً كبيرا بالفرد، حيث أفردت الكثير من المبادرات لتطوير الإِنسان ببرنامج التحول الوطني الذي يعد أول خطوات الانتقال لتحقيق أهداف الرؤية، ولم تقتصر المبادرات على التعليم والتأهيل، بل اعتنت بالصحة العامة البدنية والنفسية، وكذلك التثقيفية، وعززت من دور الفرد في بناء الاقتصاد، ومع الركائز الأخرى التي تم اعتبارها أساساً في الوصول إلى أهداف الرؤية تكون منظومة التخطيط شملت بشكل أساسي الفرد وتحرير الاقتصاد وتطوير أسواق التمويل لتغذية الاقتصاد بالسيولة اللازمة لرفع حجم الاستثمارات فيه. الفرد ركيزة الرؤية مع اكتمال انتشار الجامعات والكليات التقنية بكافة مناطق المملكة ومدنها، باتت القدرة على رفع مستوى التأهيل لأفراد المجتمع أمراً يسيراً وهو ما يبرز حالياً، حيث يتخطى عدد المسجلين بكافة جامعات المملكة حاجز 1.1 مليون طالبا وطالبة، وهو ما يعادل قرابة 5 في المئة من عدد سكان المملكة من المواطنين، أما الكليات التقنية والمعاهد الفنية فعدد منسوبيها يتخطى 125 ألفاً مع السعي مستقبلا إلى رفع نسبة القبول فيها بعد ربطها باحتياجات سوق العمل من العمالة المهنية المؤهلة، فالمجتمع السعودي يعد فتياً ونسبة من هم دون 30 عاماً قرابة 68 في المئة، مما يعد دافعا كبيرا لتحقيق نهضة تنموية مع تغذية سوق العمل سنوياً بحوالي 300 ألف شاب وشابة سنوياً فهم مورد بشري كبير ومهم لإنجاح الاستثمارات مستقبلا بالقطاعات الصناعية والخدمية عموماً وتقليل الاعتماد على استقدام العمالة الوافدة، أما الجانب الآخر الذي ركزت عليه الرؤية فهو رفع مستوى متوسط الأعمار لقرابة 80 عاماً للفرد من حوالي 74 عاماً حالياً، وذلك عبر تطوير الخدمات الصحية وانتشارها بذات الجودة بكافة المدن بالإضافة للاهتمام بالجانب الوقائي برفع مستوى الوعي الصحي بالمخاطر من زيادة السمنة ورفع نسبة ممارسة الرياضة لتقليل انتشار الأمراض المزمنة، وهو ما يعد من الطرق الوقائية وكذلك تطوير أجهزة الرقابة على السلع الغذائية لرفع جودة وسلامة ما يعرض بالسوق، أما في الجانب النفسي فإنَّ إنشاء هيئة للترفيه وكذلك للثقافة وانتشار الخدمات السياحية والمراكز الثقافية وتغيير دور المدارس والجامعات لتلعب دورا بزيادة الأنشطة الاجتماعية والرياضية سيصب كل ذلك بزيادة حيوية المجتمع ونشاطه وينعكس على رفع مستوى الإنتاجية بالاقتصاد. تحرير الاقتصاد يعد ذلك أبرز الركائز لأن الدولة ستنتقل عبر أجهزتها الحكومية إلى الإشراف والرقابة وتترك للقطاع الخاص إدارة المشروعات والخدمات وتيسير العجلة الإنتاجية من خلال برامج عديدة منها الخصخصة، وكذلك فتح الاستثمار في قطاعات جديدة كالتعدين، وإدخال صناعات جديدة كالسيارات، وكذلك الصناعات النهائية لكثير من السلع من خلال توفير الحاضنات الصناعية المناسبة، وذلك عبر عشرات المدن الصناعية التي جهزت لذلك، إضافة إلى استثمار الموقع الجغرافي للمملكة بربط طرفيها الشرقي والغربي بسكك حديدية وشمالها مع جنوبها، كذلك لزيادة النشاط بنقل السلع والبضائع والركاب مع مزايا تمويلية عديدة وتوسع بزيادة المحتوى المحلي بالصناعة والخدمات، مما يعزز الطاقة الإنتاجية ويقلل من الواردات التي فاقت 650 مليار ريال سنوياً، وهي تمثل فرص كبيرة للاستثمار محليا وإنتاج السلع بدل استيرادها والتوجه مستقبلا إلى التصدير غير النفطي بنسب عالية تصل إلى 50 في المئة من حجم صادرات المملكة، مع تعميق لشراكات عالمية تم تمهيد الأرضية لها بشراكات مع الصين واليابان والولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية وكذلك دول الاقتصادات الناشئة القوية، يضاف إلى لك زيادة التنافسية محليا برفع مستوى كفاءة التشغيل للقطاع الخاص وتقليل اعتماده على الدعم والتحفيز، لكن ذلك سيواجه تحديات بأهمية وضع خطط تأهيل ومساندة دقيقة للقطاع الخاص ليتجاوز المرحلة الانتقالية، حتى يتمكن من تقليل أثر ارتفاع أسعار الطاقة والخدمات عليه، وهو ما يمثل التحدي الأبرز أمام القطاع الخاص والوزارات المعنية بكل قطاع اقتصادي وعلى رأسها وزارة التجارة والاستثمار والهيئات التابعة لها هيئة الاستثمار، وكذلك المنشآت الصَّغيرة والمتوسطة، فالانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج ليس بالأمر البسيط بل يعد رحلة شاقة ومعقدة، لكن لا بُدَّ من اجتيازها للوصول لاقتصاد يتحرر من تبعات تقلبات أسعار النفط وتأثيرها عليه، وزيادة فتح فرص الاستثمار والوظائف ورفع التنافسية مع العالم لتحسين مركز المملكة وترتيبها بين الاقتصادات الكبرى كأحد أهداف الرؤية المعلنة، ويتطلب هذا التحول أيضاً دورا كبيرا من القطاع الخاص لاستيعاب آثار التحول وتبعاته والاستعداد له مع ضرورة قيام وزارة التجارة والغرف التجارية بتجهيز إدارات مساندة متكاملة لتقديم النصح والاستشارات المطلوبة للقطاع الخاص لتحسين أدائه وتجاوز المرحة الانتقالية مع ضرورة وجود مرونة كافية بالمبادرات الرسمية لتغيير مراحل رفع أسعار الطاقة والخدمات حسب قدرة تجاوز القطاع الخاص للمراحل التشغيلية الأولى بعد رفع الدعم. التوازن المالي يأتي من بين أهم البرامج الداعمة لتحسين استقرار النمو الاقتصادي برنامج التوازن المالي الذي يعد منطلقا رئيسيا نحو تحقيق عدة أهداف أولها زيادة الإيرادات غير النفطية، بما يقلل من تأثير تقلب أسعار النفط على الإنفاق العام وتمويل الاقتصاد وتقليص العجز والتحول إلى فائض، مما يحافظ على مستوى عال من الاحتياطيات المالية للدولة ويدعم استقرار الاقتصاد والعملة، إضافة إلى رفع كفاء الإنفاق، مما يقلل من الهدر وتحسين جودة مخرجات الميزانيات، بما يصب في اتجاه تنشيط أفضل للاقتصاد، حيث إن انعكاس كل ريال ينفق في الاقتصاد لا يتعدى 55 في المئة منه وهو رقم متدن قياسا بالمعايير العالمية التي تتعدى ضعفين، حيث يهدر الكثير من المال، إما بارتفاع تكاليف المشروعات أو ما يندرج تحت الفساد سواء كان خللاً أو إهمالاً بالتنفيذ أو استغلال نفوذ، إضافة للحوالات للخارج من العمالة الوافدة التي مثلت تحويلاتها 13 في المئة من كل ريال ينفق بالميزانية نظير حجمها الذي ارتفع لأكثر من عشرة ملايين عامل وافد حالياً بخلاف العمالة المخالفة غير النظامية، أما على الجانب الآخر فقد قدر برنامج التوازن المالي أن يصل حجم الدين العام لمستوى 30 في المئة كحد أقصى من الناتج المحلي، وهي نسبة تعد مناسبة ومثالية بالمعايير العالمية، مما ينوع مصادر التمويل للاقتصاد وكذلك يخفض السحب من الاحتياطيات ويسهم بجذب استثمارات خارجية للاقتصاد بتمويل الصكوك والسندات الحكومية عموماً، كما يوضح البرنامج طرق رفع الإيرادات بتفصيل جيد يكشف السياسات والتوجهات المالية القادمة لعدة سنوات، لكن البرنامج يواجه أيضاً تحديات عديدة خصوصا فيما يتعلق بتنمية الإيرادات التي تعد تقديرية، فمثلا قد ينخفض عدد العمالة الوافدة ومرافقيهم مستقبلا، وهذا يقلص الإيرادات المتوقعة من الرسوم التي ستضاف عليهم، وأيضاً قد يحدث تغيير في مراحل رفع الدعم عن أسعار الطاقة والمياه لأسباب تقنية أو اقتصادية، إضافة إلى أن الإيرادات من ضريبة القيمة المضافة قد لا تكون بالمستوى المأمول، نظراً إلى الحاجة لتطوير النظام الضريبي عموماً، وكذلك يمكن أن تتأثر العديد من الإيرادات المتوقعة لأسباب مختلفة، وهو ما يعد تحديا أمام البرنامج للوصول بهدفه لتحقيق إيرادات حددها حتى العام 2020 م، ذلك فإنَّ البرنامج يبقى رغم كل هذه التحديات سياسة مناسبة وواضحة يمكن تعبئتها بالعديد من السياسات والتغيير بما يكل سلامة الاقتصاد بنهاية المطاف. أسواق المال يلاحظ أن الرؤية تنتظر حجم استثمارات يتجاوز العشرة تريليونات ريال على الأقل خلال 15 عاماً قادمة بمختلف القطاعات الاقتصادية خصوصا الصناعية والخدمية، مما يعني أن التحديات لتحقيق تلك الأرقام تعد كبيرة جدا، وتتطلب سرعة تطوير السوق المالية والتي حققت الكثير من المتطلبات للنهوض بسوق التمويل عبرها، لكنها تحتاج أيضاً إلى مزيد من التركيز على طرح الصكوك والسندات فيها، وذلك عبر برامج تحفيزية لجذب الطروحات للسوق وفتحها للأفراد بمتطلبات استثمار لا تزيد على عشرة آلاف كحد أدنى لاكتتاب الفرد بهذه المنتجات التمويلية، وكذلك الدور المطلوب من كافة الجهات والشركات بطرح السندات والصكوك محلياً كطرح البلديات لصكوك تمول مشروعاتها مثلاً وغيرها من الأساليب والأدوات المستخدمة عالميا، كما يتطلب السوق دورا أكبر للمؤسسات المالية، وهنا لا بُدَّ من معرفة كافة العوائق التي تواجه المؤسسات القائمة حالياً وإزالتها وتيسير تراخيص أنواع عديدة من المنتجات الجديدة لتوفير فرص استثمار واسعة أمام المواطنين والمنشآت عموماً والعمل على إعادة استثمارات المواطنين بالخارج من خلال فرص جاذبة، بالإضافة للاستثمارات الأجنبية المطلوبة أيضاً، وتركيز الجهات المخططة للاقتصاد بأن تذهب جل هذه الاستثمارات لتمويل شركات أو مشروعات في مجالات محددة، تكون في البداية صناعية أو بقطاع الطاقة المتجددة أو خدمات كبرى مهمة لتوظيف أمثل للمال وتشجيع الادخار الذي تهدف له الرؤية من خلال وجود فرص وقنوات للاستثمار تجذب أموال المدخرين. الرؤية باتت استراتيجية وطن وكل مواطن، ولا تقتصر على الجهاز الحكومي ونجاحها يتوقف على مدى تفاعل ودور كل طرف في المجتمع، لأن الركائز التي قامت عليها إذا تفاعلت بالشكل المطلوب فإنَّ النتائج ستكون كبيرة بإيجابيتها وتقلل من السلبيات التي ستنعكس بارتفاع تكاليف المعيشة بالبداية لكن مع تحسن الأداء التشغيلي وزيادة الإنتاج وارتفاع حجم الدخل للفرد فسيتم استيعاب كل هذه التكاليف والانتقال لاقتصاد منتج تنافسي يتيح الفرص للجميع بعدالة ومساواة تفرضها قواعد السوق وإشراف الدولة ورقابتها التي ستوفر من خلالها البيئة الصحية لاقتصاد مستدام وتنمية صحية.
مشاركة :