بالتزامن مع احتفاء العالم بـ«اليوم العالمي للكتاب»، دشن «منتدى البحرين للكتاب»، الذي انطلق تحت مظلة «مركز عيسى الثقافي»، أولى فعالياته لعام (2017)، بجلسة قرائية في كتاب «تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية، مدخل إلى إعادة فهم الواقع العربي»، للمفكر البحريني محمد جابر الأنصاري، قدمها المفكر والدبلوماسي الإماراتي، يوسف الحسن، مساء الاثنين (24 أبريل)، في «مركز عيسى».وانطلق الحسن بسرد علاقته بالمفكر الأنصاري، مؤكدا بأنه عرفه مفكرا، صاحب مشروع تنويري نهضوي، «يقدم من خلال مؤلفاته مزيجا من قوة التعبير، ورصانة العلوم وجمال الأدب، بلغة لا تطغى عليها التفرد بالرأي، مع التمسك بالتوجه الوطني والعروبي والإنساني»، مضيفًا بأن للأنصاري «دور في بلورة الثوابت الوطنية والقومية، وفي اتساع الأفق المعرفي عبر الانفتاح على عوامل النهوض الياباني والآسيوي، واستشرافه للمؤشرات والمتغيرات في عالمنا».نحو فهم الواقع عبر قراءة التاريخيلفت الحسن إلى أن الأنصاري في كتابه هذا، والذي صدر عام (1994)، «يقدم محاولة علمية لفهم الواقع العربي، خاصة في مسألتي الدولة الوطنية، والدولة القومية (دولة الوحدة العربية)»، مشيرًا إلى استخدامه لمصطلح «القطرية»، ما هو إلا مجارات لما كان سائدًا أبان ستينيات القرن الماضي، حيث «أن القطرية هي مصطلح إيديولوجي، استخدمته الأحزاب القومية العربية، إلا أنه تحول اليوم إلى مصطلح رديف هو (الوطنية)».ويورد الحسن، تساءل دفع الأنصاري للاهتمام بإعادة قراءة التاريخ العربي، هذا التساؤل هو «لماذا نمتلك أحسن المبادئ، في الوقت الذي نعيش أسوأ الأوضاع؟»، فعبر البحث عن إجابة أمن الأنصاري بأن «السياسة كعلم هي من أضعف نقاط الفكر العربي»، وهذا ما يظهر في كثير من كتب الأنصاري كما يقول الحسن، إذ «يعيد الأنصاري، أزمات الفكر السياسي العربي، المتكررة والمتلاحقة، إلى مرحلة صدر الإسلام، حتى المرحلة الراهنة، إذ يرى بأن هناك أزمات في النظم والنخب والايديولوجيات السياسية، سواء كانت تقليدية أو غير تقليدية، دينية أو قومية أو ليبرالية، فهذه النخب تعيد إنتاج ذاتها، بفعل عوامل وظروف مجتمعية وتاريخية وجغرافية».وعلى ذلك يبين الحسن بأن الأنصاري، ولكي يفهم الواقع الآني، حاول تفكيك الواقع التاريخي والمجتمعي، الممتد في الزمان والمكان، مما قاده إلى فهم الخصوصية التاريخية المجتمعية للأمة، ليسلط الضوء على تأثير ذلك في الأزمات المستفحلة التي تعيشها هذه الأمة. فقد أمن الأنصاري بأن «الصخوصية متأتية من خصائص الجغرافية العربية، والجوار الإقليمي، وموقعه العالمي»، كما أنه يعود في هذا الكتاب، إلى «مغزى حروب الردة، والفتنة الكبرى، مرورا بإجهاض عصر التنوير العباسي، حتى نهاية الحكم العثماني، وإجهاض النظام التجاري العربي الإسلامي، وإشكالية الدولة في الحياة العامة، والعجز في المجتمع المدني، وسيطرة القوى الأصولية على قوى المدينة العربية».نحو فهم أصل الإشكاليؤكد الحسن بأن الأنصاري أيقن بأن تأسيس الدولة القطرية هو شكل من أشكال تأسيس الدولة العربية الحديثة، إذ يخلص إلى أن الوعي السياسي العربي، من قبل الشعوب والأنظمة، مطالب بإدراك أبعاد إشكاليات الدولة الوطنية، من أجل تأسيس أفضل للدولة الحديثة، إلا أن الحسن يتساءل «بعد مرور نحو ربع قرن على صدور الكتاب، كم من الزمن نحتاج للبناء والترسيخ، قبل أن ندخل بوابة الإصلاح؟ وهل إشكالية الدولة الوطنية اليوم، هي إشكاليات الأمس، أم أن الأولويات تفرض الحيلولة دون تفسيخ الدولة الوطنية، في ظل كوميديا سوداء، وهويات صغرى متقاتلة، وفشل وإحباط وعنف غير مسبوق، يكبل خطى الأمة، ويصرف طاقاتها ومواردها في قنوات العدم؟».ويشير الحسن إلى ما ذهب إليه الأنصاري، حول خلاصة التجربة العربية الإسلامية في السياسة، إذ لاحظ الأخير بأنه ومنذ نشأة السلطة السياسية في الإسلام، كان السؤال الملح بين المسلمين هو «من يحكم؟ ومن أي قبيل؟» إلا أن السؤال الأهم الذي لم يطرح كما يقول الأنصاري هو: «كيف يكون الحكم؟ وما هو المنهاج والبرنامج»، وعليه، يؤكد الأنصاري بأن فقه السياسة ظل ضعيفا طوال تاريخ الحضارة العربية والإسلامية، على الرغم من الغنى في مختلف المجالات الروحية والإنسانية والعلمية، وأدى ذلك بالتالي إلى قطيعة، بين النخب، وبين الساسة، امتدت حتى العصور المتأخرة، لترتفع الأصوات كما يؤكد الحسن، قبل أكثر من عقدين «بتجسير الفجوة بين المثقف والأمير».التنظيم للعوامل المعطلةلفهم أكثر عمقا للعوامل الموضوعية التي عطلت قيام دولة عربية موحدة، رأى الأنصاري، أن هناك خمس عوامل معطلة، أوجزها الحسن بالشكل التالي: (1) الجواجز الصحراوية التي شكلت قطيعة مكانية وعزلة. (2) الهجرات والغزوات البدوية التي اجتاحت مراكز العمران والدول، وحسمت مصير المنطقة. (3) عدم نشوء وتطور قوة تماسك وتضامن اجتماعي مديني وحضري، تكون أساس لتوليد السلطة السياسية، مما جعلها في حاجة دائمة ل (قوة حماية) من الخارج. (4) ضعف مشاركة العرب في حكم الدولة وإدارتها، خلال الألف سنة الأخيرة، إذ ان العرب لم يمارسوا فن قيادة الدولة وإدارتها ونظمها ومؤسساتها. (5) غياب النظام الاقطاعي، بالمفهوم الأوروبي، في المنطقة العربية، باعتبار هذا النظام، يقود إلى تنامي وتفعيل النسيج المجتمعي الإقليمي، مما يؤدي إلى توحيد أجزائه المتواصلة في كيان واحد.إلا أن الحسن، أورد اعتراضا على حصر العوامل المعطلة في تلك العوامل، مبينا أن «أن حصر خصوصيات التاريخ المجتمعي السياسي العربي، في ضوء خصوصية الصحراء، والبادية، والقبيلة، وغياب الإقطاع، والهجرات، والجفاف، هي نظرية غير شمولية، فضلا عن بعض المبالغة في أوزان هذه العناصر، خاصة عنصر الصحراء»، مضيفا «لم تكن الصحراء معوقا للوحدة، وليست سببا في تفرخ التعدديات القبلية والمذهبية»، وحول الإقطاع، وغيابه، قال الحسن «حتى لو قبلنا نظرية الأنصاري، بشأن غياب دور الإقطاع، في التوحيد والوصل وتوفير فائض إنتاجي، قادر على بناء حضارة وتحقيق وحدة، فإن هذا الإقطاع (بالمفهوم الأوروبي)، لم يحل دون نشوء حروب دامية.وأشار الحسن إلى أن المفكر محمد عابد الجابري، حدد خصوصيات التاريخ المجتمعي السياسي العربي، بمصطلحات ثلاث أكثر شمولية من عناصر الأنصاري، وهي«العقيدة، والقبيلة، والغنيمة»، لافتًا إلى ان«قراءة الأنصاري جاءت شبه متماثلة، لتاريخ نشأة الدولة الوطنية، ولأفكار الاتحاد بين الأقطار أو الأقاليم العربية، رغم أن كل أقليم، له خبرة مختلفة لنشأة الدولة، وكذلك هناك اختلافات حول مفهوم الدولة، والنطاق الزمني لقيامها، كما أن الأنصاري أغفل الحديث عن دور العامل الخارجي في نشأة بعض الدول القطرية».واختتم الحسن بالإشارة إلى واقع اليوم، في ظل الدول العربية المتصدع بعضها، والمتفسخ نسيج بعضها الآخر، «بفعل الفشل في حسن تدبير الحكم وإدارة الاختلاف واحترام التنوع، والعجز التنموي والعلمي والإبداعي، وتنامي الفكر الظلامي والعنف، وارتفاع منسوب الولاء المزدوج، على حساب الولاء لهوية وطنية جامعة» في ظل كل ذلك، يدعو الحسن إلى مواجهة التصحر في الإدارة السياسة، وتطوير مشروع وطني قومي نهضوي وإنساني للدولة القطرية الناضجة والعصرية، والاستفادة من المقومات الحقيقية (دين، لغة، ثقافة، تاريخ، مصالح مشتركة)، التي توحدنا كعرب، دون أن نحملها أكثر مما تحتمل، ليختتم بسؤال مفتوح:«هل نستطيع كنخب مثقفة وسياسية أن نقدم صيغا أفضل مما هو مطروح على أرض الواقع اليوم؟».
مشاركة :