أكد أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، أهمية العمل على تنقية صورة الأديان مما علق بها من فهم مغلوط، وتدين كاذب، يؤجج الصراع ويبث الكراهية ويبعث على العنف. جاء ذلك في كلمته خلال الجلسة الختامية لمؤتمر الأزهر العالمي للسلام، بحضور قداسة البابا فرنسيس، ومشاركة أمل عبد الله القبيسي، رئيسة المجلس الوطني الاتحادي، ومعالي الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي، وزيرة دولة للتسامح، وعدد من القيادات الدينية حول العالم، من بينهم القس أولاف فيكس، الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، والقس الدكتور جيم وينكلر، الأمين العام للمجلس الوطني للكنائس بالولايات المتحدة، والأنبا بولا ممثلاً عن البابا تواضروس الثاني، والبطريريك برثلماوس الأول، رئيس أساقفة القسطنطينية، ومحمد العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.وشدد الطيب على أنه لا حل للمشكلات التي يعانيها العالم إلا من خلال إعادة الوعي برسالات السماوات، ونشر القيم الأخلاقية والإنسانية، وإبراز قيمة السلام والعدل والمساواة، واحترام الإنسان مهما كان دينه أو عرقه.وقال: «إن تجارة السلاح وتسويقه، وضمان تشغيل مصانع الموت، سبب غياب السلام في العالم»، مشيراً إلى أن السلام العالمي أصبح الفردوس المفقود، على الرغم من كل المتاجرات العالمية. وطالب في كلمته خلال مؤتمر الأزهر العالمي للسلام، بتنقية صور الأديان مما علق بها من أشياء تحث على العنف، والتأكيد على القيم الأخلاقية بالأديان، وإبعاد أية دعاوى للعنف أو الإرهاب، وقال: «ليس الإسلام أو المسيحية أو اليهودية دين إرهاب، وكل الأعمال التي يتم القيام بها باسم تلك الأديان، بعيدة عن قيم تلك الأديان، منتقداً ما يتعرض له الفلسطينيون من ممارسات، مشيراً إلى أهمية زيارة البابا فرنسيس لمصر، وعقد مؤتمر الأزهر العالمي للسلام في ظل ضياع السلام في العديد من الدول بسبب الصراعات».وانتقد الطيب تجاهل الحضارة الحديثة للقيم الدينية، وأهمها قيم الأخوة والتعارف بين الناس.وأكد ضرورة تنقية صورة الأديان مما علق بها من مفاهيم مغلوطة، وتطبيقات مغشوشة وتدين كاذب، يؤجج الصراع ويبث الكراهية، ويبعث على العنف، وألاَّ نحاكم الأديان بجرائم قلة عابثة من المؤمنين بهذا الدين أو ذاك، فليس الإسلام دين إرهاب بسبب أن طائفة من المؤمنين به سارعوا لاختطاف بعض نصوصه، وأولوها تأويلاً فاسداً، ثم راحوا يسفكون بها الدماء، ويقتلون الأبرياء، ويروعون الآمنين، ويجدون من يمدّهم بالمال والسلاح والتدريب.وأشار إلى أن المسيحية ليست دين إرهاب بسبب أن طائفة من المؤمنين بها حملوا الصليب وراحوا يحصدون الأرواح، لا يفرقون بها بين رجل وامرأة وطفل، ومقاتل وأسير، وليست اليهودية دين إرهاب، بسبب توظيف تعاليم موسى عليه السلام في احتلال أراضي راح ضحيتها الملايين من أصحاب الحقوق، من شعب فلسطين المغلوب على أمره.ولفت إلى أن الحضارة الأوروبية ليست حضارة إرهاب، بسبب حربين عالميتين اندلعتا في قلب أوروبا، وراح ضحيتهما أكثر من 70 مليون قتيل، ولا الحضارة الأمريكية حضارة إرهاب، بسبب ما اقترفته قنابلها من تدمير البشر والحجر في هروشيما ونجازاجي.. هذه كلها انحرافات عن نهج الأديان ونهج الحضارات، وهذا الباب من الاتهامات لو فتح كما هو مفتوح على الإسلام الآن، فلن يسلم دين أو نظام أو حضارة ولا تاريخ من تهمة العنف والإرهاب.وأعرب شيخ الأزهر عن تقديره لتصريحات البابا المنصفة، التي تدفع عن الإسلام والمسلمين تهمة الإرهاب، مشيراً إلى أنه التمس فيها الحرص على احترام العقائد والأديان ورموزها، والوقوف معاً في وجه من يسيء إليها، ومن يوظفها في إشعال الصراع بين المؤمنين.وشدد على حرص الأزهر للسعي من أجل التعاون في مجال الدعوة إلى ترسيخ فلسفة العيش المشترك، واحترام عقائد الآخرين، والعمل معاً في مجال متفق عليه بين المؤمنين بالأديان، ودعا إلى الحفاظ على الكيان الأسري، مما يتربص به من انحراف الأخلاق وكيانات البحث العلمي. وثمن قداسة البابا فرنسيس؛ بابا الفاتيكان، الدور الكبير الذي لعبه الأزهر الشريف وشيخه على التفكير في عقد مؤتمر دولي للسلام، يلتقي فيه علماء الإسلام ورجال الدين المسيحي، لبحث وسائل مواجهة العنف وثقافة الكراهية، مؤكداً أن مصر أرض التاريخ والحضارة، وشدد على أهمية تعليم الشباب وزيادة جرعة الوعي بالمستقبل لديهم، مؤكداً أنه لا سلام بدون تعليم جيد للأجيال الجديدة، لحمايتهم من العنف وثقافة الكراهية.وقال البابا فرنسيس، خلال كلمة ألقاها في المؤتمر الدولي للسلام الذي تنظمه مؤسسة الأزهر الشريف، ولجنة حكماء المسلمين، إن حكمة الأديان تظهر بوضوح في مساعدة الآخرين وإنقاذهم، وتشجيعهم على الحوار والتلاقي والتفاهم، مشيراً إلى أن التعليم والوعي يسعيان إلى المشاركة الحقيقية بين المختلفين، والجهل يقود دائماً إلى الصدام والصراع، مشدداً على أن مستقبل الشعوب التي تختلف عقائدها يتوقّف على الحوار والتفاهم.ولفت البابا إلى حرص الفاتيكان على الحوار مع الأزهر من خلال لجنة الحوار المشتركة بين المؤسستين الكبيرتين، مثمناً روح التسامح والمسؤولية التي تسود الحوار، وتهدف إلى الارتقاء بالعلاقة والتصدي لكل صور الخروج على قيم المسيحية والإسلام، وقال: «لا يمكن بناء حوار على الغموض، بل الحوار المفيد والمثمر يقوم على الصراحة والوضوح، فثقافة الحوار يجب أن تقوم على الصراحة والشجاعة في الاختلاف».وشدد بابا الفاتيكان على ضرورة رفض كل استراتيجية تقوم على العنف، مشيراً إلى أن ثقافة السلام تقوم على الإخلاص في النوايا، وتنقية الهواء من ثقافة الكراهية التي يروّج لها البعض، وقال: «نحن جميعاً مدعون للمساهمة في بناء الحوار وتشجيعه؛ لأننا أصحاب مصير واحد. تعيشون في مصر على أرض مشتركة».وأعرب عن أسفه لبروز «شعوبيات غوغائية لا تساعد بالطبع في تعزيز السلام والاستقرار». وأضاف: «ما من تحريض على العنف يضمن السلام، وأي عمل أحادي لا يولد عمليات بناء مشتركة، إنما هو في الواقع هدية لدعاة التطرّف والعنف».
مشاركة :