جيمس زغبي قبل يوم من بدء الإضراب، كتب القيادي الفلسطيني الذي يقود حركة الإضراب، مروان البرغوثي مقالاً في صحيفة «نيويورك تايمز» عرض فيه ظروف الاعتقال في السجون «الإسرائيلية» ومطالب المعتقلين. ولاحظ البرغوثي أنه معتقل منذ 15 سنة، وخلال هذه الفترة «كنت في آن واحد شاهداً على، وضحية لنظام الاعتقالات الجماعية «الإسرائيلي» غير المشروع ولسوء معاملة المعتقلين الفلسطينيين». واختتم مقاله بالقول: «بعد أن استنفدنا جميع الخيارات الأخرى، قررت أنه ليس هناك خيار آخر سوى مقاومة هذه الانتهاكات من خلال الإضراب عن الطعام».لكوني أحد مؤسسي منظمة «حملة الحقوق الفلسطينية»، كنت منذ زمن طويل مطلعاً على «النظام القضائي «الإسرائيلي». وحيث إن معظم الفلسطينيين يدانون استناداً إلى «اعترافات» تحت الإكراه، فإن منظمات حقوق الإنسان كانت دائماً تدين انتهاكات «إسرائيل» للقانون الدولي وعدم التزامها بالإجراءات القانونية حسب الأصول. وأكثر من 80% من جميع الموقوفين الفلسطينيين يحرمون من حق الاستشارة القانونية إلا بعد إخضاعهم لاستجوابات مطولة، وفي معظم الحالات متعسفة. ووصف البرغوثي في مقاله هذه الانتهاكات التي أرغم هو ومعتقلون آخرون على تكبدها، ولاحظ أن 40% من السكان الفلسطينيين الذكور تعرضوا للاعتقال على أيدي «إسرائيل». ورد الحكومة «الإسرائيلية» على الإضراب وعلى مقال البرغوثي يكشف أسلوب عملها. فبعد أن وصفت «نيويورك تايمز» في البداية البرغوثي بأنه قيادي فلسطيني وعضو في البرلمان الفلسطيني، أطلقت «إسرائيل» حملة ضغط أرغمت الصحيفة الأمريكية على تغيير تحديدها لمركز البرغوثي لتقول إنه «مدان بجريمة قتل وعضو في منظمة إرهابية». ولكن ما لم تذكره «إسرائيل» هو أن الاتحاد البرلماني الدولي وصف اعتقال ومحاكمة وإدانة البرغوثي ب «انتهاك للقانون الدولي»، وقال إن «إسرائيل» أخفقت في الالتزام بمعايير المحاكمة العادلة». واستخلص الاتحاد في بيانه أنه «لم يتم إثبات جرم البرغوثي». ولكن عندما تتبع «إسرائيل» مساراً عدائياً في محاولة للرد على الانتقادات التي تتعرض لها، فهي تتجاهل الوقائع، وتلجأ إلى أسلوب التهويل لإرغام شخص أو مؤسسة على قبول تفسيراتها. وهكذا وصفت تعليق «نيويورك تايمز» بأنه «إرهاب صحفي»، واتهمت الصحيفة بممارسة «إعلام إرهابي»، واعتبرت ما قالته الصحيفة عن البرغوثي «أنباء زائفة... وأكاذيب». ودعا السفير ««الإسرائيلي»» السابق لدى الولايات المتحدة مايكل أورين إلى فتح تحقيق لمعرفة المسؤول في صحيفة «نيويورك تايمز» الذي وافق على نشر التعليق. وذهب عضو في «الكنيست «الإسرائيلي» إلى حد الدعوة لإغلاق مكتب الصحيفة في «إسرائيل». وفي النهاية، رضخت «نيويورك تايمز» للضغط وغيرت توصيفها للبرغوثي بحيث أصبح يتطابق مع ما تريده «إسرائيل». وبموازاة ذلك، كثفت «إسرائيل» هجماتها على البرغوثي والمضربين الآخرين. فعلى الرغم من أن معظم الفلسطينيين يعتقلون استناداً إلى تهم سياسية ( وكثيرون يعتقلون من دون توجيه أي اتهامات إليهم )، إلا أن «إسرائيل» تصفهم بأنهم «قتلة بغيضون» و «إرهابيون خطرون». إضافة إلى ذلك، هددت «إسرائيل» برد قاس على المضربين عن الطعام وأكدت أنها لن تتفاوض معهم، وذهبت إلى حد وضع «البرغوثي وقادة العصابة الآخرين»كما تزعم في الحبس الانفرادي. وقال وزير «إسرائيلي» إن البرغوثي «يجب إعدامه»، في حين قال وزير الخارجية «الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان إن الحكومة يجب أن تستمر في موقفها الحازم حتى إذا كان ذلك يعني ترك معتقلين مضربين يموتون. ولكن ما يجب ملاحظته هو أن الإضراب الجماعي عن الطعام هو في جوهره احتجاج غير عنيف، مثله مثل حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. وهذا ما ترفض «إسرائيل» الإقرار به. وهي أصلاً لا تقر بأي إثم أو تصرف شائن ترتكبه، وتعتبر أي مقاومة بمثابة «تهديد»، وبالتالي «عمل إرهابي» يجب معاقبته. هذا السلوك «الإسرائيلي» بالذات هو الذي يحفز المقاومة. وهذه الدورة المأساوية والمهلكة سوف تستمر إلى أن تعترف «إسرائيل» بأن ضحاياها هم بشر حقيقيون لن يرضخوا وسوف يواصلون تأكيد حقوقهم. أكاديمي أمريكي عربي ومؤسس ورئيس المعهد العربي الأمريكي - موقع «لوب لوغ»
مشاركة :