ينسج الصيّادون حكايات تشبه شباكهم، مشبعةً بكنوز وموروثات غنية وفريدة، ومن هذه الموروثات الشعبية الملأى بالأصالة والمضامين يأتي «المالح» التي يعبّر في مضمونه واحدة من أبرز الصناعات الغذائية على المستوى الشعبي حيث اشتهرت هذه الحِرفة في السابقة على أنها «التمليح» وهي الطريقة التقليدية التي كان يتّبعها الإماراتيون في حفظ الأطعمة وتخزينها لا سيما في أيام فصل الصيف. واليوم تحتفي به بلدية دبا الحصن - بالتعاون مع المجلس البلدي وغرفة تجارة وصناعة الشارقة- في مهرجان «المالح والصيد البحري» الذي تختتم فعالياته اليوم، مستضيفة نخبة من أصحاب المحال والحرفيين الذين مارسوا المهنة، وورثوا تقاليدها عن الأجداد، ليسردوا من جديد حكاية الإماراتيين مع البحر، وسيرة عيشهم في ظروف الحر، والصحراء القاسية.وما بين رحلات الصيد، وتقطيع أنواع السمك المستخدم في صناعة «المالح» يروي الخمسيني محمد السلامي، أحد المشاركين، حكايات تنقلنا إلى عبق الماضي، حيث يؤكد التزامه بالتواجد في فعاليات المهرجان منذ انطلاقة أول مواسمه، قائلاً:«مهنة صيد السمك والتمليح إحدى أهم هوايات الطفولة، هذا الكلام يعود بي إلى منتصف القرن الماضي، وبعد سنوات طويلة وجدتني أكتشف أسرار البحر حتى بتّ واحداً منهم أروي لأحفادي تاريخاً يحمل في طيّاته الكثير من الحكايات». وأضاف:«اعتاد جدّي على التمليح، وتناقلنا هذه المهنة جيلاً بعد جيل كونها تعتبر واحدة من المهن الأساسية في حياة النواخذة، ولا يكاد يخلو بيت إماراتي منها. نفتخر بهذا الموروث، ونسعى إلى غرسه في نفوس الأجيال الصاعدة، ليسيروا بخطى ثابتة كما سار أجدادنا الأوائل». أما أحمد عبد الله، وهو واحد من الشخصيات المعروفة في هذا المجال حيث يعرّف نفسه ب«وارث المهنة»، فيقول: «جدّي ترك لنا ورثة لا تقدّر بثمن، هي هذه المهنة، وهو أمر يشعرني بالفخر كوني واحداً من أبناء هذا البحر، تعلّمت منه وتربيّت على ثقافته الملأى بالأسرار والحكايات، وأسعى من خلال تواجدي منذ انطلاق دورة المهرجان الأولى لأن أدلل على هذا المكوّن الأصيل من مكونات تراثنا». وعن الخيارات التي تعتمد عليها صناعة المالح وأنواعه، يقول راشد الرمسي، وهو أحد الصيّادين الذين يقدّمون ورشة عمل صناعة المالح، المخصصة ضمن فعاليات المهرجان: «تمرّ صناعة المالح بعدّة طرق أساسية، تشتمل على تقطيع السمك، وشقّها إلى نصفين بشكل طولي، ثم تقطّع إلى قطع متساوية الحجم تدفن في الملح».
مشاركة :