حينما يتحدث استشاري طبيب أسرة وعضو هيئة تدريس سابق ترقى حتى أعلى المراحل الأكاديمية، فإن المتوقع أن يكون منطوقة مبنياً على ما يطالب به تخصصه العلمي، ووفق المبادئ العلمية، لا أن ينسف كل ما تعلمه وما كان يعلمه وما بني عليه تخصصه ليخدم توجهه الأيديولوجي. لقد أشرت سابقاً إلى هؤلاء الذين يناقضون الفكر العلمي الحديث لأجل أفكار أيديولوجية جامدة، وأوضح أنها أيديولوجية وليس دينية كما يتظاهرون، لأن أصل الدين عدم إنكار العلم والشواهد العلمية، وإنما الاصطفاف خلف الفكرة والجماعة المؤدلجة هو الذي يتجاهل الحقائق العلمية. في نقاش مجلس الشورى فوجئنا بالأستاذ الجامعي والقيادي الصحي ينسف مشروع تأسيس كليات للتربية الرياضية للبنات بحجة جد واهية، وهي أن كليات التربية الرياضية للبنين فشلت، فلماذا نؤسس كليات للبنات. طبعاً يفترض به أن يكون أول الداعمين للرياضة للجنسين لأنه وهو طبيب الأسرة، أكثر الأطباء اهتماماً بالوقاية وأحد سبلها الرئيسة هو الرياضة ولكن موقفه هذا نسف كل النظريات الصحية التي تعلمها. ما قيمة التخصص العلمي إذا كنا نتجاهل مبادئه أمام أول مواجهة مع الأيديولوجيا التي تسيطر على فكرنا؟ هل يستطيع طبيب أسرة -أياً كان- أن ينكر أهمية الرياضة للرجل وللمرأة على حد سواء في مجال الوقاية والعلاج والتأهيل الطبي؟ هذا بالنسبة لقضية مبدأ ممارسة المرأة للرياضة، حيث إن رفض تأسيس برامج لتعليمها يعني عدم القناعة بها. أما الجانب الآخر فيتمثل في نسف كل ما قدمته كليات وأقسام التربية البدنية في المملكة.. هكذا بكل بساطة، وممن؟ من أستاذ جامعي يفترض أنه تعلم من أساليب البحث والتفكير أن يكون مالكاً للحقائق العلمية حين يتحدث عن موضوع ما، أو يصمت عن إصدار الأحكام الجزافية في قضايا ليس ملمًّا بحقائقها. عندما يقول سعادته إن أقسام التربية البدنية للبنين لم تقدم شيئاً، فلا أدري من كان يدرسه حصة التربية الرياضية هو وأبناءه؟ هل يتابع إنجازات الرياضة السعودية على مختلف الصعد، بما في الوصول لكأس العالم وتحقيق إنجازات أولمبية عالمية؟ هل يعلم كم مدرسة بالمملكة وكم ناد رياضي وكم مركز صحي ولياقي يعمل بها خريجو أقسام التربية البدنية؟ من يقود كل ذلك؟ أليس غالبيتهم خريجي أقسام التربية البدنية؟ أي تفكير علمي يحمله أستاذ الجامعة حينما ينسف جهود آلاف الخريجين في تخصصات التربية البدنية، لغرض تمرير الأدلجة التي يؤمن بها؟ يؤسفني أن أكتب -على غير ما هو معتاد مني- وكأنني أحرج شخصاً بذاته أو أبدل قناعاتي بأن لكل عضو حق قول رأيه. لكن هذا الموضوع يثيرني فكرياً كحالة تستحق الدراسة. هل الأيديولوجيا تقصي العلم وأساليب التفكير العلمي حتى لدى أكبر أساتذتنا الذين قضوا أعمارهم في أروقة الجامعات والعيادات الطبية؟ هل العلم مجرد شهادة ودرس في الكراس أم وسيلة تغيير لنمط التفكير وآلية إصدار الأحكام؟ هل يمكن القول إن العلم الذي نتعلمه لا يسهم في تطوير منطقنا ومنهجنا الفكري ليصبح منهجاً علمياً؟ الحمد لله أننا لم نطرح تعليم كل تخصص جامعي للسيدات على مجلس الشورى، وإلا توقفنا عن افتتاح عشرات التخصصات!
مشاركة :