الأزمة الكوريّة - الأميركيّة ومساعي العقلاء

  • 4/30/2017
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

شكل البرنامج النووي الكوري نقطة الثقل في النزاع مع الولايات المتحدة، في ضوء تأثيره المباشر في التوازنات في منطقة مهمة لمصالح الأخيرة وللسلم والاقتصاد العالميين. كانت بيونغ يانغ قد عرضت خلال المحادثات المتعددة الأطراف (الصين، روسيا الاتحادية، اليابان، كوريا الجنوبية بالإضافة إلى طرفي النزاع: كوريا الشمالية والولايات المتحدة) التي أجريت عام 2004 تعليق البرنامج مقابل معاهدة عدم اعتداء مع الولايات المتحدة وبعض المزايا الديبلوماسية والاقتصادية كشطبها من لائحة الدول المتهمة برعاية الإرهاب، ورفع العقوبات المفروضة عليها. رفضت الولايات المتحدة فكرة معاهدة عدم الاعتداء، وطالبت باستبدال مفاعلات الماء الخفيف بالمفاعلات الحالية بحيث تنتهي المخاوف من تصنيع أسلحة نووية في كوريا، وعرضت مساعدات اقتصادية (أغذية ووقوداً) مقابل ذلك. يرتكز الموقف الكوري الشمالي في النزاع على عوامل عدة أولها القوة العسكرية، فكوريا من أكثر دول العالم عسكرة إذ إن عدد قواتها المسلحة يناهز 1.2 مليون جندي، و4.5 مليون قوات احتياط، مع أن عدد سكانها لا يتجاوز الـ24 مليون نسمة، وهي تمتلك نحو 21 ألف صاروخ باليستي من طرازات رودونغ المختلفة والتي يراوح مداها بين 300 و5500 كلم، كما تمتلك مخزوناً كبيراً من الأسلحة البيولوجية والكيماوية، قُدر بما بين 2500 و5000 طن، بالإضافة إلى قوة بحرية كبيرة مكونة من قرابة 967 قطعة عسكرية، بينها 3 فرقاطات وسفينتان حربيتان و70 غواصة و211 زورقاً لخفر السواحل و23 زورقاً كاسحاً للألغام، وقوات برمائية تتكون من نحو 260 سفينة، بما في ذلك سفن برمائية عالية السرعة، وأسلحة تقليدية: طائرات هجومية، مروحيات، مدرعات، دبابات، أسلحة مضادة للطائرات والدبابات والدروع ناهيك بقنابل نووية عدة، بحدود 20 رأساً (أعلنت كوريا الشمالية، يوم 19/4/2017، نجاحها في تطوير رؤوس نووية خاصة بها، ما يعني تحوّلها من دولة ذات قدرة نووية محدودة إلى دولة ذات ترسانة نووية). باختصار، تستطيع كوريا الشمالية إطلاق مليون قذيفة على كوريا الجنوبية، بخاصة ضد العاصمة القريبة من الحدود المشتركة والتي يقطنها حوالى 25 مليون نسمة، خلال ساعة واحدة، كما تستطيع، باستخدام صواريخ رودونغ القصيرة والمتوسطة المدى، عزل شبه الجزيرة الكورية عن العالم ومنع وصول تعزيزات عسكرية أميركية إلى كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى استهداف اليابان. كذلك يمكنها استخدام الخبرات الصناعية العسكرية الكورية، في مجال الصواريخ بخاصة، في دعم خصوم الولايات المتحدة (بيع هذه التقنية لإيران لمساعدتها في تطوير صواريخ شهاب 3)، وهذا يخل بتوازن القوى في الشرق الأوسط ويضرّ بأمن إسرائيل، أو لباكستان (صورايخ رودونغ من طراز ام.ار.بي.ام) لدعم موقفها في سباق التسلح مع الهند، والذي يمكن أن يفجر أزمات لا قدرة لواشنطن على السيطرة عليها. ينطلق النظام الكوري من إحساسه بالخطر، وهذا دفعه إلى التصعيد والدخول في تحد مباشر مع الولايات المتحدة، في محاولة لإثارة القلق والرعب الإقليمي والدولي من انفجار حرب نووية للدفع إلى تحرك سياسي وفتح مفاوضات للاتفاق على مخرج يلبي تطلعاته السياسية والعسكرية: رفع العقوبات عنه والاحتفاظ بصواريخه وقنابله، والاعتراف به دولةً نوويةً، وإملاء شروطه الأمنية على كوريا الجنوبية، للحدّ من الحماية الأميركية التي تحظى بها، وشروطه المالية والاقتصادية للاستفادة من مواردها الكبيرة. أثار التصعيد الكلامي بين واشنطن وبيونغ يانغ قلق دول الجوار، كوريا الجنوبية واليابان في شكل خاص، خوفاً من انزلاق الوضع إلى حرب فعلية، في ضوء تقديرهما لطبيعة رئيسي الدولتين (ترامب وكيم) غير القابلة للتنبؤ بردود أفعالها وتصرفاتها، على خلفية تقديراتها للكلفة البشرية والمادية لحرب قد تستخدم فيها أسلحة دمار شامل، كيماوي وبيولوجي ونووي، وهذا جعل هذه الدول تتحفظ على اللجوء إلى الخيار العسكري في التعامل مع الملف. الصين وروسيا من طرفهما ترفضان استخدام القوة في حل الخلاف. فالصين، الجار الكبير والقوي، والذي تربطه بكوريا الشمالية اتفاقات سياسية وعسكرية واقتصادية، يخاف من إعطاء النزاع الولايات المتحدة حججاً لتكثيف حضورها على حدوده ونشر أسلحة متطورة، مثل شبكة صواريخ «ثاد» المضادة للصورايخ التي نصبتها في كوريا الجنوبية، وتحقيق تفوق كاسح في الإقليم ينعكس سلباً على خططه في بحري الصين الشرقي والجنوبي. كما تتخوف الصين من انهيار كوريا الشمالية وما سينتج منه من تدفق ملايين اللاجئين الكوريين إلى أرضها ووصول القوات الأميركية إلى نهر يالو الذي يفصل بين البلدين. وهذا دفعها إلى منع معاقبة كوريا الشمالية بمنع تصدير الوقود إليها بقرار من مجلس الأمن، والى إبلاغ الولايات المتحدة أنها تريد حلاً سياسياً للملف الكوري. صحيح أن الصين، وكذلك روسيا، لا تريد تصعيد سباق التسلح النووي في الإقليم، خوفاً من دخول اليابان النادي النووي، ولهذا فهي مع تجميد البرنامج النووي الكوري، لكنها سعت إلى استثمار الملف الكوري في تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من الولايات المتحدة مقابل مساهمتها في الحل، والى توظيف الملف الكوري في إقناع واشنطن بحدود القوة والسيطرة الأميركية على شؤون العالم. روسيا من جهتها تخشى تداعيات التصعيد الإعلامي واحتمالات تطور الموقف إلى حرب، ما يضعها في موقف حرج ويدفعها إلى مواجهة خيارات حساسة بين الوقوف في صف كوريا الشمالية والصين، لمنع الولايات المتحدة من السيطرة على الإقليم في شكل كامل (نقلت وسائل إعلام نبأ حشد روسيا قوات كبيرة شرق البلاد بالقرب من حدود كوريا الشمالية)، وبين استعداء الأخيرة وهي تسعى لعقد صفقة شاملة معها تعيدها إلى موقع القطب الثاني في النظام الدولي، بالإضافة إلى تحسبها من النتيجة العملية لوقوفها مع كوريا الشمالية والصين حيث ستصب محصلة صراع الإرادات في مصلحة الصين، لأنها الأقدر جغرافياً ومالياً على التعاطي مع الموقف هناك. فهل تنجح مساعي العقلاء في احتواء الأزمة أم سيشهد العالم حرباً مدمرة باستخدام أسلحة الدمار الشامل؟

مشاركة :