العظات الدينية وحدها لا تكفي لمواجهة التطرف

  • 4/30/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

حالة الجمود التي تطغى على تحركات القيادات الدينية إسلامية أو مسيحية أو يهودية تقف عائقا أمام تحديث الخطابات الدينية بما يتواكب مع متغيرات الحياة.العرب  [نُشر في 2017/04/30، العدد: 10618، ص(6)]بناء السلام العالمي القاهرة – طغت الدعوة إلى نبذ العنف والكراهية وتشجيع المحبة والسلام على كلمات بابا الفاتيكان فرنسيس الثاني، الذي انتهت زيارته لمصر السبت، وعلى خطاب شيخ الأزهر أحمد الطيب، ما أثار العديد من التساؤلات حول مدى تأثير تلك الخطب والصلوات الدينية على التعامل مع التطرف وقدرتها على اختراق الأفكار الإرهابية. جاءت دعوة البابا عن ضرورة نبذ العنف في ثلاث خطب ألقاها أمام شيخ الأزهر والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وبابا أقباط مصر تواضروس الثاني، وقال “نحن مدعوّون كمسؤولين دينيين إلى فضح العنف الذي يتنكّر بزيّ القدسيّة المزعومة، وكشف كلّ محاولة لتبرير أيّ شكل من أشكال الكراهية باسم الدين، وإدانتها على أنها تزييف”. ثم تكررت الكلمات، لكن بجمل مختلفة من قبل شيخ الأزهر أحمد الطيب، الذي شدد في ختام مؤتمر السلام العالمي على أن “الأرض الآن أصبحت ممهدة لأن تأخذ الأديان دورها في إبراز قيمة السلام والعدل والمساواة واحترام الإنسان أيا كان دينه وعرقه ولغته”. وبحسب البعض من المراقبين فإن الدور التقليدي للمؤسسات الدينية والمرتبط بوقاية الفئات المعتدلة من اعتناق الأفكار المتطرفة عن طريق الخطب والمحاضرات وتوجيه النصح والإرشاد مازال سائدا حتى الآن، وأن هذا الدور يكون دائما رد فعل على ما ينتهجه المتطرفون من أفكار، دون أن تعمل على تقديم مشاريع معالجة جذرية لتنقية التراث الديني من الغلو والآراء والأفكار المتشددة. وتقف حالة الجمود التي تطغى على تحركات القيادات الدينية، إسلامية أو مسيحية أو يهودية، عائقا أمام تحديث الخطابات الدينية بما يتواكب مع متغيرات الحياة، وإجراء قراءات ومراجعات لطبيعة وحاجات المجتمع المعاصر للتعامل مع الظروف السياسية والمجتمعية التي طرأت وأثرت بشكل مباشر على عادات الناس وطبائع معيشتهم ومستوى حضارتهم ووعيهم. والواضح حتى الآن أنه لا توجد استراتيجية عالمية تتعامل مع تنبي الأفراد والجماعات للتطرف والعنف كظاهرة مركبة تتصل بعوامل مختلفة، منها الدينية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية والسياسية، بالتالي فإن تعامل كل دولة ومؤسسة دينية مع الظروف الخاصة بها دون النظر إلى الأبعاد الأخرى لن يحقق نتائج واضحة على مستوى انتشار التطرف عالميا. وقال كمال حبيب، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، لـ”العرب”، إن مواجهة الأفكار المتطرفة تتخطى أدوار المؤسسات الدينية، فالمعالجة الأمنية والسياسية لا بد أن تتكامل مع التوجهات الفكرية الداعية للسلام، وإن أشار إلى أن الجانب الإيجابي في تلك الخطابات هي أنها وصفت المشكلة بشكل دقيق وسليم من الطرفين (الإسلامي والمسيحي) خلال زيارة بابا الفاتيكان. وأضاف أن هناك أهدافا رئيسية وراء تلك الخطب، أهمها خلق حالة من أجواء المحبة والتراحم بين الأديان من الممكن أن تؤدي إلى التوقف أو التريث من جانب بعض الراغبين في اعتناق الفكر المتطرف، والمؤسسات الدينية تدرك جيدا أن ليس من أدوارها ملاحقة التنظيمات المتطرفة لإثنائها عن أفعالها كما تدرك كذلك صعوبة أو استحالة اختراقها لتلك التنظيمات.مواجهة الأفكار المتطرفة تتخطى أدوار المؤسسات الدينية، فالمعالجة الأمنية والسياسية لا بد أن تتكامل مع التوجهات الفكرية الداعية للسلام، وإن أشار إلى أن الجانب الإيجابي في تلك الخطابات هي أنها وصفت المشكلة بشكل دقيق وسليم من الطرفين (الإسلامي والمسيحي) خلال زيارة بابا الفاتيكان بدا من الواضح أن هناك حالة من الاتفاق التي ظهرت بين مؤسستي الأزهر والفاتيكان على طبيعة أدوارهما في مواجهة الأفكار المتطرفة انعكست على كلمات رأسي المؤسستين، إذ تحدث البابا فرانسيس عن “العنف الأعمى” الذي يكون ناتجا عن الظلم الاجتماعي والفقر، ووجه رسالة غير مباشرة للسياسيين بأن يقوموا بأدوارهم تجاه تلك المسألة. ولفت شيخ الأزهر إلى أهمية وجود منفذين للسياسات العامة عليهم أن يقوموا بتشجيع الجانب الروحي والديني. وأشار هاني دانيال، الباحث في الشأن القبطي، إلى أن مواجهة الأفكار المتطرفة تحتاج إلى حزمة من القرارات تبدأ بتصحيح التفسيرات الخاطئة للنصوص الدينية من قبل المؤسسات الدينية، وأيضا اتخاذ خطوات قانونية تواجه انتشار هذه الأفكار، وإدخال تغييرات تسمح بتطبيق ما يتم التوصل إليه من خطابات متجددة. وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن التعامل مع التطرف باعتباره أمرا فكريا بالدرجة الأولى ينبغي أن يتم من خلال تكامل مؤسسات حكومية ومدنية متعددة بالتعاون مع المؤسسات الدينية، وتحديدا من قبل الهيئات الثقافية والإعلامية، إذ أن خطابات تلك المؤسسات لا بد أن تتماشي مع خطب المؤسسات الدينية والعمل على إبراز الهدف منها، على أن يكون هناك اهتمام متزايد بنشر القيم الإنسانية والروحية بدلا من التركيز على الأمور الفقهية للأديان المختلفة. وبحسب العديد من السياسيين فإن الخلط الحادث بين البحث عن نقاط التقاء للسلام بين الأديان وإحداث التقارب بينها، وهو ما ركز عليه كل من الأزهر والفاتيكان، ليست له علاقة مباشرة بمسألة انتشار الجماعات الإرهابية، كما أن مواجهة التطرف تتطلب رؤى سياسية واضحة لا تتدخل فيها تلك المؤسسات. ودعت الأبحاث الحديثة التي تتعاطى مع انتشار الأفكار المتطرفة إلى ضرورة وجود أربع وسائل مختلفة لمنع انتشارها، هي منع انضمام عناصر جديدة إلى معتنقي الفكر المتطرف، بالإضافة إلى التداخل فكريا مع الأفراد المتطرفين، والتعامل بشكل قانوني مع الذين شاركوا في تحويل تلك الأفكار إلى أفعال إجرامية، انتهاء بإعادة إدماج أولئك المخالفين في المجتمع. وتبرز تلك الأبحاث ضرورة تدشين ما يسمى بالشرطة المجتمعية والتي يكون دورها إقامة شراكات مع مسؤولي المدن والقرى الصغيرة لإشراكهم في حل المشاكل وتعزيز السلامة العامة، بالإضافة إلى الاستعانة ببرامج إعادة التأهيل المستخدمة في العديد من البلدان الغربية مثل “تشانل” ببريطانيا، و”حياة” في ألمانيا، والذي جرت تصميمه للتعامل مع المتطرفين اليمينيين. وغالبا ما تقف مشكلة وجود التمويل عائقا أمام التعامل مع انتشار الأفكار المتطرفة وفق نظم تكنولوجية وعلمية حديثة لدى البلدان العربية، وبالتالي فإن العديد من المراقبين يرون ضرورة أن تتم مواجهة ظاهرة التطرف عبر شراكة بين القطاعين العام والخاص ليشكلا نهجا جديدا للتعامل معها، على أن يتم إفساح المجال لمنظمات المجتمع المدني لتقوم بدورها دون تضييق على تحركاتها.

مشاركة :