محمد مباركي: الثورة الرقمية أسقطت عرش الرقابة بقلم: حنان عقيل

  • 4/30/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

محمد مباركي: الثورة الرقمية أسقطت عرش الرقابةفي واقع بات عصيًا على التفسير أو الفهم صار اللجوء إلى التاريخ والماضي لاستنطاقه عن الوضع الراهن أمرا لا مفر منه، فانبرى الكثير من المبدعين العرب في الآونة الأخيرة للاهتمام بالرواية التاريخية التي يطرحون من خلالها أسئلتهم عن واقعهم الغامض أو يبحثون عن جذور أزماتهم الراهنة. “العرب” حاورت الروائي المغربي حول ثلاثيته الروائية التاريخية الصادر منها جزآن مطلع هذا العام، وأمور ثقافية أخرى.العرب حنان عقيل [نُشر في 2017/04/30، العدد: 10618، ص(14)]محمد مباركي: كاتب سبر التاريخ بحثا عن حقيقة الاسترقاق محمد مباركي قاص وروائي مغربي صدرت له مؤخرًا رواية “شروق شمسين” كجزء ثانٍ من ثلاثية روائية بدأها بروايته “مُهجة” الصادرة في يناير 2017 بدعم من وزارة الثقافة المغربية والمتكونة من 40 فصلًا. أمّا الجزء الثّاني “شروق شمسين” فصدر عن منشورات “ديهيا” ومطبعة “جسور” في مارس 2017 ويتكون من 48 فصلا. فيما سيصدر الجزء الثالث المعنون بـ”هذا الرّطيب” في العام المقبل. جذور الاسترقاق يتحدث مباركي عن دوافع كتابته لتلك الثلاثية قائلًا “جاءت الثلاثية من سؤال كنت أطرحه دوما منذ وعيت نفسي؛ ‘لماذا الاسترقاق؟’. فما فجّر ينبوع أحداث الأجزاء الثلاثة في دواخلي هو قراءتي لبحث تاريخي قيّم لعبدالإله بنمليح حول ‘ظاهرة الرق في الغرب الإسلامي’ (منشورات الزمن). قرأته مرّتين متتاليتين وأنا أستاذ التاريخ والجغرافيا بالثّانوي التأهيلي، وبدأت كتابة الثلاثية في 2012 وأنهيتها في يونيو 2016، كتبتها كتابة متواصلة. وهي الطّريقة التي تعودت عليها في الكتابة. لا أترك عملا إبداعيا حتّى أنهيه مع إعادة كتابته عدّة مرّات”. في رواية “مُهجة” يتناول مباركي موضوع الاسترقاق في الأندلس خلال حقب تاريخية مازجًا بين التاريخي والواقعي.. ويوضح الكاتب هنا أن الجزء الأوّل تدور أحداثه حول موضوع الاسترقاق من خلال تتبّع حياة فتاة لا وجود لها في الواقع. أصلها من بلاد “الخزر” (شمال بحر قزوين) باعتها أمّها بدافع الخصاصة لأحد النّخاسين الذي قام بتربيتها وتصديرها كسلعة آدمية إلى “الأندلس” حيث عانت مرارة الاسترقاق والاستغلال البشع من قبل سيّدها “شعلان” صاحب دار فسق وفجور. تحرّرت الفتاة الأمة بعد مقتله ونعمت بالحريّة وتزوجت من إمام مسجد. عاشت معه قصّة حبّ أسطورية انتهت بطلبها الطّلاق لطارئ لم تتوقعه. وأثناء عودتها إلى أهلها اعترض القراصنة السّفينة التي كانت على متنها وعادت إلى الاسترقاق ثانية. يتابع مباركي “حاولت وأنا أكتب هذه الثلاثية ألاّ أحبس نفسي في الزّمن التّاريخي. تعاملت مع المصادر والمراجع التّاريخية والنّوازل الفقهية فقط لأحدّد الإطار العام للأحداث، لكن وجدت نفسي أسير الجغرافيا حيث كنت أضع دوما خارطة حوض بحر “الرّوم” وأحرّك أبطالي وفقها. أغوار التاريخ يؤكد مباركي أن الواقع الراهن دفعه لنبش تلك المناطق من التاريخ كمحاولة للتفسير خصوصا وأن قراءة التّاريخ وسبر أغواره هو ما دفعه للبحث في التاريخ عن جذور الاسترقاق منذ أن وجد الإنسان على هذه البسيطة وتتبع تطوّره. موضحًا “لم أستسغ فكرة الاسترقاق. استهوتني ثورات العبيد منذ ثورة عبيد روما إلى ثورة الزّنج في أهوار العراق، فاختلقت ثورة للعبيد في الأندلس وهي ثورة الزّنجي ‘فانوس” الذي أعلن ثورة على الأسياد بتحرير جميع العبيد بغضّ النظر عن مللهم وألوانهم. يبدو لي أنّ الاسترقاق مازال مستمرا بشكله التقليدي يندى له الجبين بدولٍ يناضل الأحرار من أجل القضاء عليه ومازال يظهر جليّا بأشكال مغايرة”. ويتابع “الذي ركّزت عليه في الجزء الأولّ الخصاء وحرمان العبيد من ذكوريتهم بإخصائهم وجبّهم. وهي لعمري جريمة إنسانية شارك فيها جميع من مارس تجارة النّخاسة. وحددت مواقفي من الاسترقاق واعتبرته جريمة في حقّ الإنسانية”.مباركي كتب القصة القصيرة فضلًا عن الرواية، ويلفت إلى أننا نعيش زمن الرّواية بامتياز ولكن هذا لا يعني أنّ القصّة القصيرة أصبحت متجاوزة الجوانب الخفية وبخصوص الصعاب التي واجهته أثناء كتابته للتاريخ في عمله التخييلي يلفت مباركي إلى أن الإشكالية التي تواجه المبدع أثناء الكتابة التّخييلية في التّاريخ هي تطويع اللّغة التاريخية التّقريرية الجافّة إلى لغة إبداعية ليّنة وتجاوز ما هو تاريخي بحت إلى ما هو إبداعي صرف، وليس من الضّروري الحفاظ على النّسق التّاريخي في تتبّع الأحداث والشّخوص. مستطردًا “كتبت الثلاثية على هامش التّاريخ أي أني لم أتقيّد بالأحداث أو الشخوص. كان همّي هو إيصال فكرة مفادها أنّ الاسترقاق جريمة في حق الإنسانية من خلال سبر أغوار هذه الجريمة لا لأصل إلى من اقترفها وشارك فيها، فهو معروف؛ الإنسان الذي أفسد العلاقات الإنسانية بدافع السّيطرة ورغبة امتلاك رقاب النّاس. حاولت أن أجعل من التاريخ وعاءً لمختلف الأحداث التي نسجتها من بنات أفكاري. أبطال ثلاثيتي لا وجود لهم في الواقع باستثناء بعضهم. جاء ذكرهم عرضا كبعض الخلفاء والمطربين والشعراء”. يرى مباركي أن أهم عنصر من العناصر الواجب توافرها في الكتابة الإبداعية التاريخية كي تصل بنجاح إلى القارئ هي الكتابة على الجوانب الخفيّة من حياة من نريد الكتابة عنهم أيّ الجوانب التي لم يتحدّث عنها المؤرخون لنخلق فضاءً أفسح للإبداع. إذا أردنا مثلا الكتابة عن شخصية تاريخية دموية لا نكتب عن بشاعة ما اقترفته من جرائم فالتاريخ تحدّث عنها. الجميل في الكتابة هو تعرية تلك الشخصيات من الدّاخل وإبراز حقيقة دواخلها أي كيف أنّها أجرمت كي تتجاوز رعبها من الآخرين. ينوّه مباركي بأن انشغال المبدع بالمنطقة الجغرافية التي ينتمي إليها لا ينفي أبدًا إمكانية وصول إبداعه إلى أقطار أخرى؛ فالمحليّة هي الطّريق إلى العالمية برأيه. فعندما يكتب المبدع عن مكان جغرافي عاش فيه عقودا سيكون صادقًا حتمًا لأنّه بكل بساطة يعرفه. هو الرّأسمال الذي يستثمره في عمله الإبداعي وينقله بصدق والصدق أهم عنصر في أيّ عمل إبداعي راق يوصل صاحبه إلى العالمية. ويُبيّن أن انحباس عمل في إطار محلي يعيق وصوله إلى أقطار أخرى. إمكانية الطبع أصبحت متوفّرة للجميع لكن النّشر هو العائق. فصار المبدع مستغَلا من قبل أغلب دور النشر التي لا علاقة لأصحابها بالثقافة. يسيطر عليهم هاجس الربح إلى درجة استغلال المبدعين أبشع استغلال حتّى صار المبدعون يطبعون أعمالهم وينشرونها على حسابهم الخاص.رواية تبحث في جذور الاسترقاق لغة المقص ثمّة معوقات تحول دون انطلاق يد الكاتب في أن يسطر كل ما يفكر فيه، بعضها يكون نتاج سلطة خارجية تفرض عليه وتحدّد الأطر التي يمكن له أن يتحرك داخلها، وبعضها داخلي يفرضه الكاتب على نفسه، هنا يقول مباركي “أكون مجانبا للحقيقة إذا قلت بعدم وجود تلك المعوقات، أنا أنتمي إلى جيل عاش الخوف من النظام الذي خلق فينا رقيبا داخليا. نحاول الآن مع الانفراج الديمقراطي الذي نعيشه اليوم -والذي ناضل من أجله الأحرار- التّحرّر من ذلك الرقيب الدّاخلي مساهمين بشكل أو بآخر في هذا الانفراج الذي لا رجعة فيه مع هذه الثورة الرّقمية التي هزّت كيانات وأسقطت عروشا عن طريق التواصل الاجتماعي. بالأمس كانت لغة المقص هي اللغة السائدة أما اليوم ما يعمله المقص في الورق ينشر عبر الشّبكة العنكبوتية ويراه العالم. أنا لا أسمح لنفسي بالتعدّي على الحرمات في كتاباتي”. يشير مباركي إلى أنه يكتب لجميع القرّاء؛ الكبير والصغير ولا يفكر إطلاقا في قارئ معيّن، لأنّ ذلك التحديد لن يقوده نحو إبداع حقيقي؛ وسيبدع إبداعا تحت الطّلب وهذا يخالف طبيعة المبدع الحقيقي. حتّى المواضيع التي يكتب فيها تحددها دوافع داخلية لا غير. مهمة الرواية كتب مباركي القصة القصيرة فضلًا عن الرواية، ويلفت إلى أننا نعيش زمن الرّواية بامتياز ولكن هذا لا يعني أنّ القصّة القصيرة أصبحت متجاوزة. فمازال يكتب في القصّة القصيرة التي استهوته ولا زالت تستهويه ولا يمكن أن يترك الكتابة فيها. متابعًا “بعض أعمالي بدأت قصّة وانتهت رواية كما روايتي الأولى ‘جدار’ الصادرة سنة 2011 ورواية ‘رائحة التراب المبلّل’ الصادرة 2014. كتبتهما قصّتين قصيرتين ومن طول التفكير فيهما حوّلتهما إلى روايتين”. يؤمن مباركي أن كلّ الأجناس الأدبية والفنية بصفة عامة لها دورها في إصلاح المجتمع إذا كانت صادقة. ويبقى السؤال المطروح هو هل المجتمع له ذلك الاستعداد القبْلي للإصلاح؟ موضحًا “إذا قرأنا التّاريخ نستخلص أن الاستعداد القبْلي للإصلاح يعدّ من أولى الأوليات لنجاح أيّ إصلاح. وأنا أتحدّث هنا عن مجتمعاتنا المتخلّفة التي نسبة القراءة فيها متواضعة في غياب دعم الكتاب وبرمجته في المقرّرات الدراسية. لماذا -عندنا نحن في المغرب مثلا- لا تقوم وزارة التربية الوطنية ببرمجة روايات ومجاميع قصصية ودواوين شعرية لمدّة معيّنة للتّلاميذ وطلاّب الجامعات المغربية؟”. كاتبة مصرية

مشاركة :