أجمع المتدخلون في اليوم الأول من مؤتمر «العرب والكرد: المصالح والمخاوف والمشتركات»، على أن جوهر الخلاف تاريخياً بين العرب والأكراد يصب في رفض التفاوض بشأن إعادة رسم حدود دولة «كردستان العراق»، لافتين إلى أن الاضطهاد الذي عانى منه الأكراد تريخياً من قبل «عرب العراق» شجعهم للتفكير في «حلم الانفصال»، واستغلوا سقوط بغداد، وظهور تنظيم الدولة، للتعجيل بتحقيق حلمهم. وانطلقت أمس أعمال مؤتمر «العرب والكرد: المصالح والمخاوف والمشتركات» الذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة على مدى ثلاثة أيام، وطرحت الأوراق المقدمة في اليوم الأول من المؤتمر وجهات نظر متعددة ومختلفة، وحتى متضاربة في بعض الجوانب، ولكنها كلها مستندة إلى تحليل علمي، ومقاربات نظرية رئيسة في العلوم السياسية والاجتماعية، حملها باحثون متخصصون ومؤرخون عرب من مختلف الدول العربية وكرد من العراق وسورية. تركزت الأوراق المقدمة في الجلسات الأربع لليوم الأول من مؤتمر «العرب والكرد: المصالح والمخاوف والمشتركات»، ضمن محورين رئيسين: أولهما في محاولة تبيان نشأة المسألة الكردية تاريخياً في نطاق الدول العربية الناشئة بعد الدولة العثمانية وبعد الانتداب الأجنبي، ثم التركيز في ثانيهما على التطور التاريخي للقضية الكردية في العراق. وتخصص لتطور المسألة الكردية في سورية جلسة خاصة أيضاً ضمن اليوم الثاني من برنامج أعمال المؤتمر. د. قبلان: فهم أعمق لإشكالية العلاقات العربية - الكردية أكد الدكتور مروان قبلان، رئيس وحدة تحليل السياسات في المركز العربي للأبحاث، أن مؤتمر «العرب والكرد: المصالح والمخاوف والمشتركات» الذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في إطار سلسلة مؤتمرات العرب والعالم التي تلتئم سنوياً، وتتناول عادة علاقات العرب مع جيرانهم في الإقليم وكذلك مع القوى الدولية الفاعلة على الساحة الدولية. ولأول مرة، سوف يدرس هذا المؤتمر مسألة «الآخر» ضمن الدولة العربية الحديثة؛ في محاولة لتقديم فهم أكثر عمقا للمسائل الإشكالية في العلاقات العربية – الكردية، في ضوء التطورات السياسية المتسارعة التي تعيشها دول المشرق العربي. كما تأتي أهميته المؤتمر، يضيف قبلان، من كونه أوسع تظاهرة أكاديمية في موضوع العلاقات العربية – الكردية، بمشاركة أكثر من أربعين باحثاً متخصصاً عرباً وكردياً لمناقشة قضايا إشكالية راهنة تفرض نفسها بقوة على الأجندات البحثية العربية والكردية معاً، تتوزع جلساته على اثنتي عشرة جلسة تتناول مختلف جوانب العلاقات العربية الكردية، بدءاً بالتكون التاريخي للمسألة الكردية في العراق وسورية، وانتهاء بمستقبل العلاقات العربية الكردية. ويختتم المؤتمر بمائدة مستديرة، تجمع حولها عدداً من الخبراء لمناقشة واقع العلاقات العربيّة - الصينية ومستقبلها. الباحث شيرزاد زكريا محمد عمر: «الكرد» حصلوا على الحكم الذاتي بالعراق 1970 يعتبر الباحث شيرزاد زكريا محمد عمر أن القضية الكردية دخلت مرحلةً جديدةً، بعد قيام ثورة 14 يوليو 1958، وأدى تدهور العلاقات بين الحكومة العراقية، وقيادة الثورة الكردية إلى قيام ثورة سبتمبر 1961، وبعد تولي الرئيس عبدالسلام محمد عارف (1963-1966) مقاليد السلطة، لم يشهد الوضع في كردستان استقراراً سياسياً، ولم يتم إيجاد حلّ جذري شامل للقضية الكردية؛ ولذلك استمر القتال في كردستان، رغم وجود فترات لوقف إطلاق النار. وبعد مصرع الرئيس عبدالسلام محمد عارف تولى الرئاسة شقيقه عبدالرحمن محمد عارف، وقد حاول رئيس الوزراء عبدالرحمن البزاز إيجاد حلّ سلمي للقضية الكردية؛ إذ كان يعتقد أنّ الكرد شعب له خصوصيته ويمتلك جميع مقومات الأمة، وكان ضد الحلّ العسكري للقضية الكردية، ومع إشراك الكرد في الحكم، إلّا أنّ القادة العسكريين ضغطوا على الرئيس عارف، ورئيس وزرائه البزاز في اتجاه الحل العسكري. وأضاف: أدّت هزيمة القوات الحكومية في معركة "هندرين" في مايو 1966، إلى فتح الباب أمام البزاز للدخول في محادثات مع قيادة الثورة الكردية، وتمّ التوصل إلى بيان 29 يونيو 1966، وقد كان خطوةً مهمّةً لإيقاف القتال في كردستان، وعُدَّ البيان إنجازاً مهمّاً للشعب الكردي؛ إذ اعترفت الحكومة، أوّلَ مرة، بالطابع القومي الثنائي للعراق، وعلى الرغم من التلكؤ وعدم تنفيذ بنود البيان، فإنّه كان الأساس الذي بُني عليه بيان 11 مارس 1970، والذي حصل الكرد بموجبه، أوّل مرة، على الحكم الذاتي في العراق. دريد: العامل القمعي السلطوي وراء الهوية الانفصالية يؤكد الباحث الناصر سعيد دريد في ورقة تحت عنوان: «دور القمع السلطوي في بروز الهوية الكردية في العراق (1921-1991)» أن الأكراد في العراق عانوا عملية تدريجية في القمع والاضطهاد؛ بدأت على نحو بسيط منذ تأسيس الدولة العراقية، واستمرت حتى انتهاء عهد سيطرة الحكومة العراقية على كردستان في عام 1991. ولفت إلى أن بداية أزمة كردستان في الدولة العراقية منذ التأسيس عام 1921، وكان الطرفان العراقي والبريطاني قد اعترفا عام 1922 بحق الأكراد في تشكيل حكومة محلية ضمن العراق، إلا أنهما تراجعا بحجة عدم اتفاق الأكراد على شكل الحكومة، وشكل علاقتها بالعراق. والواقع أن مشكلة الشعب الكردي كانت متمثلة في عدم اتفاقه على قيادة موحدة معترف بها، أما الإنكليز فقد تنبهوا مبكراً لإمكانية استخدام قضية الأكراد ورقةَ ضغطٍ على الحكومة العراقية، وهكذا بدأت مشكلة الموصل. وخلص الباحث إلى أن العامل القمعي السلطوي كان هو العامل الأساسي في بروز الهوية الانفصالية ونموها بالنسبة إلى الأكراد في العراق، وفي الرفض الكردي السياسي والمجتمعي للهوية الوطنية العراقية الجامعة. كرمانج: «الهوية» مفتاح تسوية النزاع المزمن طرح الباحث شيركو كرمانج مسألة «الهوية» عاملاً حاسماً في نشأة القضية الكردية عاداً إياه المفتاح لحلها، وأوضح في ورقة تحت عنوان: «الاعتراف بهوية الأرض: الحجر الأساسي لبناء جسر العلاقات بين الكرد والعرب في العراق» أن الإشكالیة الرئیسة في العلاقة بین الكرد والعرب، تاريخياً هي أن العرب بوجه عام، والعرب العراقيين على وجه الخصوص، قد اعترفوا نسبياً ببعض الحقوق السياسية والثقافية واللغوية والعرقية للکرد في العراق، إلا أنهم لم يعترفوا بالحقوق الوطنية الكردية في الأرض، إن لم نقُل إنهم رفضوها إلى حد بعيد، فلا تستوعب أکثریة المحللين السياسيين العرب مسألةَ الارتباط العاطفي بالوطن، لأنهم ينظرون إلى المسألة الكردية على أنها مجرد خلاف إداري بين المحافظات العراقية، بدلاً من النظر إليها على أساس أنها خلاف متعلّق بمسألة هوية الأرض بين قومیتین متنافستین، أو بين ثلاث قوميات في بعض الأحيان (القومية الكردية، والقومیة العربية، وما هو معروف بـ «الوطنية العراقية»). وأكد كرمانج أن هوية الأرض؛ وبعبارة أخرى ترسيم حدود إقليم كردستان، ظلّت نقطةَ الخلاف الرئيسة بين الكرد والعراقيين العرب، وكانت السبب الرئيس وراء انهيار كل المفاوضات الكردية - العراقية منذ عام 1963 حتى وقتنا الحاضر. وتبين الوثائق والبيانات التاريخية التي تمت دراستها في هذه الورقة أن الخلاف قد تعقد من خلال مسألتين رئيستين أخريين؛ هما اكتشاف النفط في کردستان، والسياسة والإستراتيجية المتعلّقتان بالتعريب والتطهير العرقي التي اتبعتها الحكومات العراقية المتوالية. ولخص الباحث فحوى ورقته بالقول إن جوهر القضية الكردية في العراق هو هوية الأرض، والاعتراف بهویة الأرض، وإعادة رسم حدود إقليم كردستان هو المفتاح الرئيس لتسوية هذا النزاع المزمن. سيكون من الصعب بناء الجسر الضروري لتأسيس العلاقة بين العرب والكرد وإبقائها ما لم یستوعب عرب العراقيين أهمية هوية الأرض، بوصفها جزءاً لا يتجزأ من المسألة الكردية في العراق. وأكد أن أي نظرة إلى المسألة الكردية على أنها مجرد قضية إدارية أو نزاع على النفط -مع إغفال الأهمية الرمزية والعاطفية للأرض بوصفها وطناً- إنما هي تبسيط للأمور.;
مشاركة :