علي حسين رجل أعمال هندي مسلم في مقتبل العمر يدير مشروعا ناجحا. وقد اشترى في الاونة الاخيرة سيارة مرسيدس ويعيش في مجتمع سكني مغلق تحيطه الأسوار لا يمكن دخوله إلا من خلال بوابات بل إن هذا المجتمع نفسه يقع داخل حي منعزل للأقلية المسلمة. ففي ولاية جوجارات يتعذر على المسلمين شراء العقارات في المناطق التي يهيمن عليها الهندوس وتعيش الطبقة المتوسطة سريعة النمو لطائفة المسلمين محصورة في مناطق مكتظة بالسكان بيوتها متداعية. ويجسد حسين المفارقة في جوجارات. فقد خلقت قيادات الولاية -التي تعمل على تهيئة المناخ لتطور القطاع الخاص- الفرص لرجال الأعمال من مختلف الأديان والطوائف ومع ذلك فالتحيز لديانة دون غيرها والفصل الديني متأصلان في المجتمع بل ويحظيان بغطاء قانوني. وقال حسين إنه إذا استفسر مسلم عن عقار في مشروع سكني جديد فالرد في الغالب "لماذا حتى تسأل؟" جرى الحديث مع حسين في منزله بحي جوهابورا الذي تملأ القاذورات شوارعه بمبانيها العشوائية التي تقف جنبا إلى جنب مع مباني سكنية حديثة أنيقة المظهر وبعض الجيوب المنعزلة. والفصل بين الطوائف أمر شائع في مختلف أنحاء الهند. لكنه ليس منظما بشكل منهجي في أي مكان بالهند مثلما هو في جوجارات. وهذا مهم لأن رئيس وزراء الولاية ناريندرا مودي قد يتولى قريبا إدارة شؤون البلاد. إذ تظهر استطلاعات الرأي لمن أدلوا بأصواتهم في الانتخابات العامة أنه عندما تعلن النتائج في 16 مايو ايار سيفوز حزب بهاراتيا جاناتا الذي ينتمي إليه مودي بأغلبية في البرلمان بما يجعله في حكم المؤكد رئيس الوزراء الهندي القادم. ويتولى مودي (63 عاما) وهو من القوميين الهندوس حكم ولاية جوجارات الغربية منذ عام 2001. وقد أحاط نفسه بالخبراء الفنيين وبوزراء ومستشارين ينادون كلهم بمبدأ "هندوتفا" أي السيادة الهندوسية. وإذا أصبح رئيسا للوزراء فلن يتولى مودي قيادة 975 مليون هندوسي فحسب بل 175 مليون مسلم أيضا يمثلون نحو 15 في المئة من سكان الهند وثالث أكبر تجمع للمسلمين في دولة واحدة على مستوى العالم. وسجل مودي في ولايته مشوب بأعمال شغب في عام 2002 لقي فيها 1000 شخص معظمهم من المسلمين مصرعهم في عنف محموم. ومازال مودي يكافح للتخلص من الصورة التي علقت بالأذهان أنه لم يبذل جهدا كافيا لحقن الدماء وذلك رغم أن تحقيقا أجرته المحكمة العليا في الولاية لم يجد شيئا ضده ورغم إصراره على أنه بذل كل ما في وسعه لحفظ السلام. بل إن بعض الهندوس يربطون بين مودي وأعمال الشغب. فقد قال براديب شوكلا وهو من كبار رجال الاعمال الهندوس وعضو سابق بحزب بهاراتيا جاناتا في بلدة بهافنجار في ولاية جوجارات إن الهندوس "يعتقدون أن مودي وبطريق غير مباشر له يد في الاحداث لانه يؤيد الهندوس. ولهذا يصوتون له." وخلال الحملة الانتخابية حاول مودي الظهور بمظهر المعتدل ببرنامج يخفف من القضايا الحساسة للهندوس ويركز على النمو والتنمية للجميع. لكن الناس في أحياء الولاية ومدنها يحكون قصة مختلفة. اريخ حافل بالعنف ويعد حسين واحدا من حوالي 400 ألف شخص يعيشون في جوهابورا وهو حي يعج بالمسلمين في أحمد أباد أكبر مدن ولاية جوجارات. وقد انتقل كثير منهم إلى الحي بعد أحداث عام 2002. ويصف الهندوس في المدينة الحي مازحين بباكستان الصغيرة. وتاريخ الهند حافل بأحداث مروعة من العنف بين الهندوس والمسلمين. فقد لقي ما لا يقل عن 200 ألف شخص مصرعهم في الشهور التي أعقبت تقسيم البلاد إلى الهند وباكستان عند الاستقلال عن بريطانيا عام 1947. كما أطلق تدمير مسجد أثري عام 1992 على أيدي متطرفين هندوس في مدينة أيوديا شرارة أعمال شغب دينية في مختلف أنحاء الهند. وزار مودي بلدة أيوديا الواقعة في الشمال في الخامس من مايو ايار واستشهد مرارا بالاله الهندوسي رام. ولم تندثر ذكريات شغب 2002 بعد لكثير من سكان جوهابورا الذين فقدوا أقاربهم وبيوتهم وأعمالهم. كما أدت هذه الأحداث وما تلاها إلى تزايد الفصل بين أصحاب الديانتين. وعمل قانون خاص بالعقارات في جوجارات على تكريس الفصل فأنشأ أحياء منفصلة للطوائف مثل جوهابورا كما خلق إحساسا بالعزل العنصري في بعض المناطق الحضرية. بدأ عام 1991 العمل بقانون "المناطق المضطربة" الذي يقيد بيع العقارات من وإلى المسلمين والهندوس في المناطق "الحساسة" لتجنب حدوث نزوح أو صفقات بيع قسرية في الأحياء التي تشهد اضطرابات بين الطوائف الدينية. وعدلت حكومة مودي القانون عام 2009 لتمنح المسؤولين المحليين سلطة أكبر في البت في بيع العقارات. كما أنها وسعت نطاق القانون أكثر من مرة كان آخرها عام 2013. وتقول حكومة الولاية إن الغرض من القانون هو حماية المسلمين الذين يمثلون أقل من عشرة في المئة من سكان الولاية البالغ عددهم 60 مليون نسمة. وقال مسؤول حكومي كبير لرويترز طالبا عدم نشر اسمه "القانون يمنع التطهير العرقي ويحول دون إرغام الناس على الرحيل." ويقول منتقدون إن استمرار تطبيق القانون وإضافة أحياء جديدة يشملها يعني أنه يستخدم فعليا كوسيلة للهندسة الاجتماعية. وقد أصبح نحو 40 في المئة من أحمد أباد خاضعا للقانون الان. وفي عام 2012 شككت محكمة جوجارات العليا في استخدام حكومة الولاية للقانون لمنع صفقة بيع عقارات من هندوس لمسلمين. وقالت صحيفة انديان اكسبرس في افتتاحية في الاونة الأخيرة "انتقلت أعداد أكبر من المسلمين والهندوس إلى أماكن منفصلة في جوجارات ليجدوا الثقة والطمأنينة بين جيران من نفس مذهبهم وأدى ذلك في نهاية الأمر إلى ترسيخ الفصل ومنع المسلمين من الاتجاه السائد." "ابصقوا عليه" ومن أشد المطالبين إلحاحا بالإبقاء على القانون بل وتوسيعه ليشمل مناطق أخرى في الولاية القوميون الهندوس مثل برافين توجاديا. فذات مساء في ابريل نيسان جلس توجاديا أمام مجموعة من الجيران في شارع سكني هاديء في بهافنجار وهي بلدة تعج بالحركة على مسافة ثلاث ساعات بالسيارة من أحمد أباد. وراح توجاديا يسب تاجر الخردة المسلم علي أصغر ظافري الذي تجرأ واشترى عقارا في البلدة بينما كان تصفيق الحاضرين يتخلل حديثه من آن لآخر. وقال توجاديا الذي لطخ جبهته باللون القرمزي علامة على التقوى موجها حديثه للحاضرين إن عليهم أن يحطموا بوابات جارهم الجديد ويستولوا على المنزلين الواقعين خلف البوابات قبل أن يتمكن ظافري من الانتقال إليهما. وقال للجمع "عندما يظهر في الشارع يجب أن تبصقوا عليه. اجمعوا عشرة أو 15 طفلا ... لالقاء الطماطم (البندورة) عليه." وأضاف توجاديا إنه إذا لم يتخل ظافري عن العقار الذي اشتراه بمبلغ تردد أنه 250 ألف دولار فعليهم أن يتوجهوا بالالاف إلى متجر الخردة الذي يملكه ويحاصرونه. وأضاف كما ورد في تسجيل بالفيديو للاجتماع نشر على موقع يوتيوب "خذوا حجارة معكم واحرقوا اطارات سيارات" واختتم الاجتماع بأنشودة هندوسية أنشدتها النساء الحاضرات في الجمع الذي بلغ عدده نحو 100 شخص. ورفعت الشرطة المحلية التي حصلت على نسخة من الفيديو دعوى تحريض على الكراهية ضد توجاديا. وتوجاديا هو رئيس جماعة فيشفا هندو باريشاد وهي جماعة مشاكسة في مجموعة من منظمات القوميين الهندوس تشمل حزب بهاراتيا جاناتا. ولم يرد توجاديا على أسئلة من رويترز. ونقلت تقارير اعلامية محلية عنه قوله إن التقارير الاخبارية عن الحادث "ملفقة ومكتوبة بنوايا خبيثة" للنيل منه ومن منظمته. ولم يعلق مودي بنفسه مباشرة على هذا الحادث. لكن في تغريدة فسرها كثيرون على أنها إدانة قال مودي إنه لا يقر التصريحات التافهة التي يدعي أصحابها أنهم مؤيدون لحزب بهاراتيا جاناتا. ولم يتسن الحصول على تعليق من مودي. تصاعد أسعار العقارات وبلدة بهافنجار لا يشملها قانون المناطق المضطربة. لكن الهندوس فرضوا بالفعل العمل به في أحد أحيائها ورفعوا لافتة في مدخل حارة ضيقة كتب عليها "في هذه المنطقة والحي ممنوع بيع العقارات أو تأجيرها لمن لا يعتنقون هذا الدين." وأجرت رويترز مقابلات مع اثنين من قادة جماعة فيشفا هندو باريشاد قالا إنهما طلبا مرارا منذ عام 2004 تطبيق قانون المناطق المضطربة على بهافنجار. وقال أحدهما ويدعى إس.دي. جاني إن الهندوس يعترضون على إقامة المسلمين بينهم لانهم ليسوا نباتيين ولان كثيرين منهم ارتكبوا أعمال ارهاب في الخارج. وشكا زميله كيريت ميستري من أن المسلمين يذبحون الأبقار المقدسة عند الهندوس وأن عدد السكان المسلمين يتزايد بمعدل يفوق زيادة السكان الهندوس لأنهم ينجبون أطفالا أكثر. وامتنع عدد من الهندوس عن ذكر اسمائهم للنشر في هذا التقرير وقالوا إنه إذا اشترى مسلمون عقارات في المناطق التي يعيشون فيها فإن قيمة عقاراتهم ستنخفض. وقال أحدهم إن وصمة العيش بجوار المسلمين يمكن أن تجعل الهندوس يواجهون صعوبات في تزويج بناتهم. وأحد النتائج التي ترتبت على الفصل الديني ارتفاع أسعار الاراضي والمنازل في جوهابورا وغيرها من مناطق المسلمين بوتيرة أسرع منها في مناطق الهندوس لأن قدرة المسلمين على التوسع في البناء محدودة. مسلمون يؤيدون مودي وفي الوقت نفسه تحسن وضع بعض المسلمين في جوجارات بفضل موجة الرخاء المتزايد إذ أن الولاية تعد نموذجا للنجاح الاقتصادي في الهند بفضل موقعها على الساحل وموانيها الكبيرة وانتشار الصناعات. وتوضح بيانات رسمية أن الولاية على سبيل المثال أفضل الولايات الهندية من حيث توظيف المسلمين. وكان معدل البطالة على مستوى الهند بين المسلمين يعادل مثلي المعدل الخاص بالولاية في 2009-2010. لكن الصورة أبعد ما يكون عن الوضوح. وأظهرت بيانات من المصدر نفسه أن ما يقرب من واحد من كل ثلاثة هندوس في جوجارات أنهى فترة التعليم الثانوي أو الجامعي مقابل واحد من كل خمسة مسلمين وهو ما يتفق تقريبيا مع المتوسط العام للمسلمين في مختلف أنحاء البلاد. وظفار ساريشوالا أحد الذين ازدهرت أحوالهم. فهو من أغنى أثرياء جوجارات من المسلمين إذ يملك سلسلة من قاعات عرض السيارات بي.إم دبليو. وهو يؤيد مودي رغم أن أسرته أصابها الخراب المالي في أحداث عام 2002. لكنه قال إن رأيه تغير بين عشية وضحاها في العام التالي بعد أن التقى مودي. واسترجع ساريشوالا ذكريات اللقاء وهو يقول "كان يشعر بألم عميق. وبدا وكأنه يعتذر عن حجم الأضرار. ووعد مودي بتحقيق العدالة وقال إنه لن يميز ضد المسلمين." وقدر ساريشوالا أن 30 في المئة من مسلمي جوجارات يؤيدون الان حزب بهاراتيا جاناتا بفضل التنمية العمرانية وتوفر الخدمات التي أتاحها مودي. وأضاف "الناس يصفونه بأنه دكتاتور. وأنا أقول إنه حاسم." بل إن مسلمين فقراء يؤيدونه. ففي أحد الأحياء العشوائية الفقيرة في أحمد أباد حيث تعيش 150 أسرة أغلبها من المسلمين قالت خمس نساء من ثماني نساء تحدثت معهن رويترز إنهن صوتن لصالح حزب بهاراتيا جاناتا رغم أن حكومة مودي أزالت بيوتهن المتداعية قبل عامين وأرغمتهن على إعادة بنائها بعيدا عن الواجهة المطلة على المياه. وقالت شابنام بانو (48 عاما) وهي تجلس مع صديقاتها في حجرة بسيطة لم تفلح مروحة تدور ببطء في سقفها في التخفيف من حدة حرارة الجو "مودي أنجز بعض الأعمال الطيبة. أولادنا يمكنهم الحصول على منح وعلى وجبات مدرسية. والنساء يشعرن بأنهم محميات والأرامل يحصلن على تعويضات." لكنها لم تستطع أن تمنحه صوتها واختارت ألا تعطي صوتها لاي من المرشحين. وقالت "خوفنا الأساسي أن يطردنا من البلاد. ماذا إذا جاء بعض رجاله وهاجمونا؟" الناس خائفون في جوهابورا كرس رجل الأعمال علي حسين نفسه لهدم الحواجز بين طوائف الولاية. وقبل عامين أقنع شركة كبرى للتطوير العقاري ببيع بيوت للمسلمين في تجمعات سكنية فاخرة على أطراف أحمد أباد وهو الان يعمل مع شركة هندوسية لانتاج أغذية حلال. وكان التخبط مصير مبادرات أخرى. ففي فبراير شباط نظم حسين لقاء لرجال الاعمال من الهندوس والمسلمين تحت رعاية حكومة الولاية وألقى فيه مودي كلمة. ولم يحضر سوى عدد قليل من المسلمين وقال حسين معلقا "أصدقك القول المسلمون لا يؤيدون مودي." واشترى حسين منزلا في منطقة هندوسية في أحمد أباد ويريد الانتقال من جوهابورا. لكن والديه يخافان من عواقب الانتقال. كما أنه يخشى رفع الغطاء عن سيارته المرسيدس خشية أن يحسب جيرانه أنه خانهم مقابل المال. وقال حسين "أنا أشجع المسلمين على الخروج من مناطق المسلمين والعيش في كل مكان لانهاء العيش في عزلة. لكن ... الناس يخشون أن يتكرر العنف مرة أخرى إذا خرجوا."
مشاركة :