فئة كانت تحلم بأن تكون هناك. تجلس على هذه المقاعد، وترتدي ملابس لائقة، وتطلب الكلمة ثم تقف تسأل سؤالاً ينقله الإعلام وتنشره الوكالات ويرد عليه الرئيس أو رئيس الوزراء، فإن لم يتيسر ذلك، فأي من الوزراء. وفئة ترصد وتتابع، تنتقد كل من يجلس على المقاعد، وترى أن الأمر لا يعدو كونه موجة تلميع أو فورة ترويج ولا تقرأ مما ينقله الإعلام إلا مقالات الرفض وأخبار الشجب وتميل إلى اتخاذ موقف الضد كلما تيسر ذلك، فهي معارضة عن ظهر قلب ولا تقبل الحكم ونظامه وتوجهاته، لكن أغلب الظن أنها لو دعيت إلى المحفل فستلبي الدعوة من دون تفكير، حتى وإن كان ذلك بغرض التعبير والتصريح بما يدور في القلب وما يأسر العقل من رفض وتنديد. ومجموعة ثالثة دأبت على رفض المطروح، ونبذ الموجود، والسخرية من كل مضمون، لذا فهي مشمرة سواعدها مستنفرة أفكارها متحفزة دائماً، فإن قالوا يميناً قالت إنه يسار، وإن أشاروا إلى أعلى لوحت إلى أسفل، وإن قرأوا إنه مؤتمر للتواصل مع الشباب أيقنت أن المؤتمر باطل والشباب الحاضر خائن. وتبقى فئة كبيرة إن سئلت عما دار في الإسماعيلية اهتزت الرؤوس قليلاً و «تبربشت» العيون كثيراً وارتفعت الأكتاف رفعة واحدة في إشارة إلى أن الأمر لا يعنيها. «لا يعنيني كثيراً إن كان الرئيس ينوي الترشح مجدداً في انتخابات الرئاسة المقبلة أو إن كان أعاد وضع مصر على خريطة العلاقات الخارجية أو قلص نسبة الاستيراد. ما يعنيني هو أنني كخريج جامعي أعمل سائق أجرة حيث لا ضمان أو أمان أو دخل يكفيني لأتزوج». السائق الشاب (28 عاماً) كان يستمع إلى فاعليات مؤتمر الشباب الثالث الذي انعقد في الإسماعيلية قبل أيام، لكن لم تبد عليه علامات الإعجاب كما لم تظهر على وجهه أمارات الاقتناع. «بصراحة طالما الشاب غارق في مشكلاته الشخصية من بطالة وإحباط وعوز وتشاؤم، فإن التفاعل مع إنجازات كبرى على شاكلة السياسات الخارجية والمواجهات الداخلية وإنجازات البنية التحتية يبقى قليلاً». الشباب في سن أقل من 30 عاماً يشكلون النسبة الأكبر من المصريين الموافقين على أداء الرئيس عبد الفتاح السيسي، مقارنة بمن هم أكبر سناً. ووفق «المركز المصري لبحوث الرأي العام» (بصيرة) فإن ملف البطالة يفرض نفسه بقوة على المواقف التي يتخذها الشباب في ما يختص بتقويم أداء كل من الرئيس والحكومة. ووفق استطلاع «بصيرة» قبل أسابيع، فإن الشباب لديهم مطالب لا يُستجاب لها، وبطبيعة الحال وبحكم السن الصغيرة، لهم تطلعات أكبر بكثير من كبار السن، ما يجعل صدمة الواقع غير المهيأ لتحقيقها أكبر وأعمق. سائق الأجرة يسعد قليلاً حين ينمو إلى مسامعه أن الرئيس انتقد أداء الحكومة في ما يختص بضعف الجهد المبذول لتحقيق التنمية، وعدم تنفيذ مشروع المليون ونصف فدان، والتقاعس عن إيجاد حلول لمشكلة النمو السكاني. لكن إحباطه عاد ليسيطر عليه طارحاً سؤالاً مشروعاً: «ولما الرئيس ينتقد الحكومة أنا كمواطن ماذا أعمل؟!». الـ1200 شاب وشابة الذين يمثلون محافظات القناة (الإسماعيلية والسويس وبور سعيد)، بالإضافة إلى شباب من محافظتي شمال وجنوب سيناء وبعض المحافظات الأخرى الذين شاركوا في مؤتمر الشباب الثالث الذي انعقد في مدينة الإسماعيلية، يمثلون فئة من الشباب المصري. لا يؤيدون جميعهم بالضرورة الرئيس السيسي في كل خطوة يخطوها، أو كل قرار يصدره، أو كل توجه يميل إليه، لكن وجودهم في قاعة المؤتمرات جنباً إلى جنب مع أولي الأمر في البلاد وضعهم في خانة المؤيدين. تقول إحدى المشاركات في فاعليات «البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة» إنها لم تكن من مؤيدي الرئيس، لكن وجودها في البرنامج واطلاعها على ما يتم اتخاذه من خطوات من أجل النهوض بالبلاد جعلاها تغير موقفها، ما يراه أصدقاء لها «مداهنة» أو «مداجنة». تدجين الشباب وإدخالهم في دائرة التأييد للرئيس اتهام يطلقه معارضون للحكم من الشباب على أقرانهم ممن يشاركون في هذه الفاعليات، لكنه يبقى اتهاماً غير قابل للتحقق من صحته أو عدمها. «عدم توجيه الدعوة لأطياف مختلفة من الشباب يزعجني. مشهد الشباب الجالس في القاعة والكل تبدو على وجهه علامات الرضا والسعادة يستفزني. ولو كان الجميع سعداء هكذا لما كانت وجوه الشباب في الشوارع تنضح بهذا الكم من البؤس». معيار البؤس الذي استخدمه كامل مصطفى (22 عاماً، طالب جامعي) يستند في رأيه إلى عوامل اقتصادية في المقام الأول والأخير. «الجميع مضغوط ومرهق اقتصادياً، بدءاً بالطبقة الدنيا مروراً بالوسطى وانتهاء بجانب من الأغنياء الذي شعروا باختلاف في مستوى معيشتهم، بالإضافة إلى مشاعر الخوف والقلق من تنامي ظواهر إجرامية تعكس حاجات اقتصادية وغياب تطبيق القانون». وعلى رغم سيطرة ملف الاقتصاد والأسعار على مناقشات دارت بين الرئيس والوزراء والشباب في مؤتمر الشباب، إلا أن الفئة الشبابية الرافضة من الأصل للرئيس أو النظام أو الوضع برمته لم تتوقف عند التحليل أو التنقيب أو التدقيق في ما دار. وحتى المداخلات والأسئلة التي وجهها حاضرون من الشباب والتي عكست مواقف رافضة وغاضبة من الأوضاع الاقتصادية يقول بعضهم إنها «اعترضات بس مش أوي» (ليست اعتراضات قوية)! قوة الاعترضات أو ضعفها، سخونة النقاشات أو جمودها، ما حصل في مؤتمرات الشباب وما لم يحصل لا يشغلان الشباب غير المشارك في الفاعليات كثيراً، بل الأعجب والأغرب من ذلك أنهما يشغلان الأكبر سناً الذين ينقسمون بدورهم بين مؤكد ومبرهن على أداء الرئيس الممتاز وسياسته الراجحة في ما يختص بإدماج الشباب والتواصل معهم، ومؤكد ومبرهن على أداء الرئيس السيئ وسياساته الفاشلة، وذلك وفق التوجه الأيديولوجي ودرجة الانتماء للإسلام السياسي. التغريدات التي تم إطلاقها على صفحة الرئيس خلال المؤتمر وفي أعقابه عكست الكثير. «الدعم وصل الى 350 بليون جنيه ولا يمكن المساس به»، «معدل زيادة الموارد لا يتناسب وزيادة الصرف»، «الحكومات السابقة تخوفت من اتخاذ قرارت تطبيق الإصلاح الاقتصادي»، «الهدف من المشروعات الحالية بالإضافة إلى التنمية توفير فرص عمل للشباب»، «لدينا إرادة حقيقية لمكافحة الفساد والتصدي له» وعشرات من التغريدات على صفحتي الرئيس و«اسال الرئيس». ويبقى رد الفعل منقسماً بين هاشتاغ «هنتحب السيسي تاني» و«مش عايزين السيسي» على «تويتر». أما في المقهى، فالشباب بين رافض لفاعليات الرئاسة في شأن الشباب سواء من باب المعارضة أم لأنه لم يدع، ومؤيد ولكن دون تمحيص أو تدقيق، وغير مهتم إما لأن لا وقت لديه ليهتم أو لا حافز يدفعه للانخراط. اللافت أن الاهتمام الأكبر على صعيدي المؤيدين السعداء المفاخرين بأداء الرئيس والمعترضين البؤساء المنددين بأدائه هو تغول الاقتصاد على مطالبات حقوق الإنسان، وهيمنة الأسعار والإسكان والبطالة والفساد على حساب باب الحريات.
مشاركة :