لكل أجل كتاب، والموت حق، وكل نفس ذائقة الموت، كبرت أو صغرت {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}، وكلنا إلى المصير ذاته، لكن المحظوظ من المسلمين من يُدعى له بالرحمة والمغفرة والذكر الطيب. وشهادتي في والدي -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- قد تكون مجروحة، ولكن واقعه في حياته التي حياها وعاشها تشهد على ذلك؛ فوالدي أولاً وقبل كل شيء حافظ على طاعة ربه سبحانه وتعالى الذي تسبِّح له النجوم والأجرام في السماء والمخلوقات في الأرض من بشر وحيوان وشجر وحجر وطير يطير.. ثم خدم وطنه الذي هو عزته؛ إذ التحق بخدمة هذه الدولة في معية الملك فيصل بن عبدالعزيز عليه سحائب الرحمة والمغفرة، وقبل هذا سبقه والده (عبدالرحمن بن محمد بن قباع) الملقب بـ(مندل)؛ إذ كان يعمل في معية الأمير محمد بن عبدالرحمن بن فيصل أخو الملك عبدالعزيز - عليهما الرحمة والمغفرة -. والأمير محمد هو الذي أطلق عليه اسم (مندل) لمكانته عنده؛ إذ استشهد والد والدي (عبدالرحمن) (مندل) في حرب (الرغامة) عام (1344هـ) القريبة من بحرة في محافظة (جدة) خدمة لدينه ووطنه، وكان والدي - رحمه الله - آنذاك (جنينًا في بطن أمه). وبحكم أنني أكبر أبنائه الذكور فقد لازمته منذ صغري في تحركاته. فقد ربانا ذكوراً وإناثاً بالتعاون مع والدتي (لطيفة محمد الموسى) - عليها سحائب الرحمة والعفو والمغفرة - على طاعة الله واتباع سُنة نبيه عليه أفضل الصلاة والتسليم، وكان - رحمه الله - لا يهدأ له بال إلا حين نرافقه في الذهاب إلى المسجد في جميع أوقات الصلوات الخمس وصلاة الجمعة، وقد نشأنا وتربينا على هذه السنة الحميدة حتى بعد أن كبرنا واستقللنا في بيوت خاصة، وهكذا الأخوات. وكان تعامله مع الآخرين من معارفه الكثر من أقارب وأرحام وزملاء وأصدقاء، الذين هم في عمره أو أقل، حتى مع الأطفال، ليِّن الجانب، حسن الخلق، قليل الكلام، لا يرفع صوته، ولا يحنق، ولا يغضب إلا في أمور خارجة عن طاعة الله أو ممارسة بعض العادات والتقاليد الخارجة على عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة.. وكان واصلاً أرحامه وأقاربه وجميع من يعرفهم، يصلهم بالزيارات والسؤال - رحمه الله -، والكل يثني عليه، ويدعو له بالرحمة والمغفرة رجالاً ونساءً وشباباً وشيوخاً؛ والدليل على ذلك كثرة المصلين عليه والمعزين في وفاته. اللهم ارحم واغفر لوالدتي ووالدي وجميع موتى المسلمين، وأسكنهم الفردوس الأعلى من الجنة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
مشاركة :