توفير الخدمات الأساسية لسكان المناطق "المحررة" غرب الموصل شبه مستحيل

  • 5/1/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تحت شمس حارقة في مستديرة بغداد غرب الموصل، يقف عشرات من السكان في طابورين طويلين، واحد للرجال وآخر للنساء والأطفال ينتظرون بدون تأفف متى يحين دورهم للصعود إلى شاحنة بيضاء بداخلها طبيب يعاينهم ويصف لهم الدواء وصيدلاني يعطيهم إياه مجاناً.هذه العيادة المتنقلة التي تقف على بعد عشرات الأمتار منها عيادة أخرى مماثلة مخصصة للنساء الحوامل، هي الحل الذي وجدته المنظمات الإغاثية بدعم من منظمة الصحة العالمية ودولة الكويت لتوفير الرعاية الصحية الأساسية لسكان الأحياء التي استعادتها القوات الحكومية أخيراً من ايدي الجهاديين في غرب الموصل.وكانت المعارك الشرسة بين الطرفين أدت إلى تدمير البنى التحتية بالكامل. وما يزيد من الحاجة الى هذه العيادات النقالة هو الحظر الذي فرضته القوات الحكومية على سير العربات المدنية في هذه "المنطقة العسكرية"، وذلك بسبب خشيتها من السيارات المفخخة التي يقودها انتحاريو تنظيم الدولة الاسلامية، الأمر الذي جعل انتقال المرضى إلى العيادات الثابتة، إن وجدت، أمراً صعباً إذا ما كانت بعيدة عن منازلهم.ويقول إيهاب عامر (31 عاماً) الذي يعمل مع منظمة داري الإنسانية غير الحكومية "نحن في منظمة داري لدينا مركز صحي ثابت في حمام العليل وست عيادات متنقلة إحداها عيادة نسائية تضم جهاز تصوير بالسونار وأجهزة متكاملة للكشف على النساء الحوامل، وتعمل فيها طبيبة".ويضيف أن "الكادر الذي يشغل هذه العيادات محلي ويتكون من عشرة أطباء وعشرة معاونين إضافة إلى كاتب وسائق لكل عيادة نقالة. نحن ننشر هذه العيادات الست يوميا من الثامنة صباحا وحتى الثانية بعد الظهر في العديد من الاحياء مثل الموصل الجديدة ووادي حجر وحي المنصور، وذلك وفقاً لمناطق النزوح والأحياء المحررة"، مؤكداً أن "الأطباء في هذه العيادات الست يجرون 1250 مراجعة يومياً".وفي داخل العيادة النقالة المقسمة على صغر حجمها إلى أقسام متعددة، يجلس الطبيب مصطفى محمود إلى كرسي وأمامه تجلس عجوز سبعينية، يفحصها ويصف لها الدواء ثم يعطي الورقة للصيدلاني الواقف خلفه الذي يسلم الحاجة دواءها بعدما يكون الطبيب قد شرح لها كيف تتناوله.ويقول الطبيب "أكثر الحالات التي نواجهها إضافة إلى الأمراض المزمنة هي أمراض ناجمة عن سوء التغذية لدى النساء وكذلك لدى الأطفال".ومن هؤلاء الأطفال الرضيعة رقية التي لا تكف عن البكاء بينما تحاول والدتها المراهقة إسكاتها بمصاصة، من دون جدوى.تقف الأم بعباءتها السوداء تحت لهيب الشمس حائرة بماذا تفعل بابنتها الشقراء التي تبكي من دون توقف. تقول "ليس لدي حليب لإطعمها، قبل أن يتدخل أحد الصحافيين الأجانب ليناولها قارورة ماء ويطلب منها ـن تسقي ابنتها "لـنها قد تكون مصابة بالجفاف" كما يقول.بضع قطرات من الماء تشربها الرضيعة فتتوقف عن البكاء وسط فرحة الأم.الماء أصبحت في هذه الأحياء المنكوبة عملة نادرة والسكان يدفعون ثمن "الجريكان" أي القارورة الكبيرة (17 لتراً) 2500 دينار (دولاران)، كما يقول راعي المحمد الصالح (21 عاماً). ويضيف الشاب القصير القامة ببنيته الهزيلة "لا توجد لدينا أي قطرة ماء، منذ شهرين والمياه مقطوعة والمؤن نفدت".أما رفيقه عمر فيقول "أنا بلاط وراعي هو معلم أجهزة تبريد ونحن اليوم عاطلان عن العمل وليس معنا أي مال بعدما كان كل منا يكسب مليون دينار شهرياً" (800 دولار) قبل بدء الهجوم على غرب الموصل في 19 فبراير.وليس بعيداً عن العيادتين النقالتين يجر الفتى سفيان (10 أعوام) عربة صغيرة عليها بضع حاجيات، في حين يجر شاب خلفه عربة مماثلة تجلس عليها امرأة مسنة لا تقوى على المشي، وذلك وسط مئات العابرين الذين يتنقلون سيراً على القدمين لعدم توفر سيارات.أما المحظوظ من بين هؤلاء فهو من توفرت لديه دراجة هوائية أو عربة تجرها دابة، فعندها يمكنه أن ينقل قطعة أثاث أو كميات كبيرة من المواد الغذائية والمياه، كما هي حال أبوصلاح الخمسيني وحماره المربوط إلى عربة خشبية قديمة قبل أن تستعيد اليوم مجدها الضائع. ولكن الحكومة العراقية تحاول التخفيف من هذه المعاناة عبر توفير مياه الشرب للسكان بواسطة صهاريج، وتوزيع المساعدات الغذائية عليهم بالتعاون مع منظمات إغاثية، وفتح مراكز صحية وعيادات ثابتة، إضافة إلى توفير حافلات أو شاحنات عسكرية تنقلهم الى مراكز العبور حيث يصبح بإمكانهم أن يستقلوا سيارة أجرة مدنية.وعلى الرغم من كل هذه الجهود إلا أن الحاجات تبقى أكبر بكثير في هذه الأحياء المنكوبة التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، مما سيجعل معركة ما بعد "التحرير" أصعب بكثير من المعركة ضد الجهاديين، بحسب ما يؤكد الكثير من سكان هذه الأحياء. بم

مشاركة :