عن خَلَلٍ عَقلِي يُسمّونه الحُب

  • 5/1/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

"إذا صاحَبْتَ عاشقاً فلَيْسَ لك أنْ تَبْدأَهُ كُلَّما لَقِيتَه إلَّا بأحد سؤالين: ما هي خُرافَتُك اليوم؟ أو ما هي حماقَتُكَ اليوم..؟" مصطفى صادق الرافعي. سمِعتُ عن الحبِّ كثيراً، وقرأتُ عن أحوالِ المُحبينَ أكثر، ولمستُ في جميعِ المُحبينَ شيئاً مشتركاً؛ الكثير من الجنون والتصرفات غير المنضبطة الخارجة عن سجِيّتهم الأصلية، فأنت ترى حالهم مع الناسِ شيئاً، وحالهم مع سُكّان قلوبهم شيئاً آخر، وترى حزمهم وعزّهم قبل الحب، ثم انكسارهم وهوانهم من بعده ما يدعوك للعجب. "الحب أعمى، والمحبون لا يستطيعون أن يروا الحماقات الصارخة التي يرتكبونها هم أنفسهم". ويليام شكسبير. في ظل انتشار ثقافة "السّبكي" في عالم الأدب وجدتُ تعريفاً للحب يقول إن الحب اكتمال روح، حسناً، لا أستطيع أن أقف عند هذا كثيراً، لكني أستطيع أن أجزم أنّ الحب ما هو إلا نقصان عقل، وذلك من فرطِ ما رأيتُ من جنون العاشقين. منذ سنين ليست بعيدة رأيتُ تغيرَ حالِ صديقي، فعلمتُ أنه مُحب، ثم رأيتُه وقد دخل المشفى بعد أن كاد أن يُردِيه حبّه.. ورأيتُ بكاءه عندما رفضَ أبوها الزواج.. ورأيتُ انكسارَه وهو يسألني الدعاء أن يجمع الله بينهما.. ورأيتُه وهو يكاد يلامس السّماءَ عندما قال أبوها على مضضٍ: نعم.. وتزوجها.. ولم يمضِ كثير من الوقتِ حتى رأيتُه يلعن الحب والنساء! ما هذا الجنون؟ كيف يحدث كل هذا التحول سريعاً؟! لم يدم تساؤلي طويلاً حتى شاهدتُ ذاتَ يومٍ فيلماً وثائقياً كان يتحدث عن الحب من وجهة نظر العلم، والفيلم يحاول تفسير الحب من وجهة نظر علمية. في البداية أتى الفيلم بخرافة أفلاطون الذي قال إن الرجل والمرأة كانا جسداً واحداً ملتصقاً، بأربع أيادٍ وأربعة أقدام ورأسين، فلما غضبت الآلهة على هذا الكائن شقته إلى جسدين، ومن ساعتها يحن كل منهما إلى الآخر (في الحقيقة أنا أريد أن أفهم كيف يسمون هؤلاء فلاسفة؟) وطبعاً سخر العلماء من تلك الفكرة، وهم علماء غربيون بالمناسبة. ويقول العلماء إن الدماغ أصغر من المعطيات التي يقابلها المرء في حياته، وعنده قصور في تركيب الصور التي تراها العين؛ لأن الصور أكثر بكثير من قدرة الدماغ على تحليلها وتركيبها، ولهذا يأخذ الدماغ بعض الصور، ثم يقوم بإكمالها من تلقاء نفسه، فينسج العقل معطيات وقصصاً تُشعره بالحب. وأثبت العلماء - في الفيلم - أن الحب كحب لا يستمر أكثر من ثلاث سنين من المعاشرة الدائمة، ثم يخبو، ولكن تتكون مشاعر أخرى مثل الاطمئنان للشريك، والاحترام والثقة وغيره. ومن الطريف في الأمر قول العلماء: إن الهرمون الذي يُفرزه الدماغ في لحظات الحب، هو نفسه الهرمون الذي يفرزه دماغ مريض الوسواس، وبناءً عليه فقد أكد الفيلم نظريتي القديمة، وهي أن الحب خلل عقلي بالأساس. إنّ العُيُونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ ** قَتَلننا ثمَّ لمْ يُحيينَ قَتلانا يَصرَعنَ ذا اللُّبّ حتى لا حَرَاكَ بهِ ** وهُنَّ أضعفُ خَلقِ اللهِ أركانَا جرير. وبرغم يقيني بأن الحب خلل عقلي، فإني لا أنكر أنني كثيراً ما تمنيتُ أن يصيبني ذاك الخلل، وأجرب لذته التي يحكون عنها، وأجمحُ به كما يجمح العشّاقُ في سماواتِ الحبّ الفسيحة، أن أكون أسيراً في سجن سجّانه محبوب وزَنَازِينه بلا قضبان، غير أني لا أهوى الفرار. آهٍ، كم تمنيتُ ذلك، لكني سريعاً ما أعود فأتذكر حال العاشقين من نُحولٍ للجسدِ وشرودٍ للفكرِ، والروح التي تفرّ وتهرع إلى محبوبها حيث كان، وتذكرتُ أيضاً أن الحبّ بغير وصلٍ هو من أبأسِ الأشياءِ في تلك الحياة، وأن هناك مُسلّمة تقول: أغلبُ الحبِّ في دنيانا لا يُفضي إلى وِصال. تباً! كم أصبحتُ مشتتاً فيما يخص ذاك الحاء وتلك الباء، أذكر لذته وتحليقَ المحبين فأقول: اللهم هب لي من لدنك حبيباً، ثم أذكر كيف يُجندل الأبطال ويكسر أنف كلّ عزيز، فأقول: اللهمّ عافِنا من سطوته وجبروته. احترتُ فيك يا مُعذبَ العشّاق، وصار حالي معك كحالِ الناسِ قُبَيل قيام الساعة، أصبح بك مؤمناً فأقول: طُوبَى لمن أحب، وأمسي كافراً فأقول: طُوبَى لمن نجا. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :