كانت تصريحات وزراء منظمة أوبك في فترة السبعينات والثمانينات قليلة ومدروسة، الا انها كانت ذات مفعول سحري تزلزل أسواق النفط وتربك حسابات دول عظمى وشركات نفطية عملاقة. كان ذلك وصف خصت به الصحافة العالمية آنذاك تصريحات للشيخ احمد زكي اليماني والشيخ علي الخليفة الصباح وزيري النفط السابقين للسعودية والكويت، أما اليوم فاننا نشهد بشكل شبه اسبوعي تصريحات لوزراء نفط تتكلم عن الاتفاق التاريخي ونسب الالتزام العالية، حتى اصبحت تلك التصريحات مكررة ومستهلكة فقدت مفعولها الذي بدأت به. بالطبع، فإن الصناعة النفطية العالمية تغيرت كثيرا من ذلك الوقت، وتغيرت معها العوامل المؤثرة عما كانت عليه في السبعينات والثمانينات، ودخلت الخيارات البديلة مثل الطاقة المتجددة والوقود العضوي، كما دخلت التكنولوجيا كعامل مؤثر، أدى الى استخراج النفط الصخري. كل هذه العوامل لها تأثير على أسعار النفط وتمثل تحديات كبيرة، ولكن تظل اساسيات السوق هي العامل الاول الذي تبنى عليه الاستراتيجيات للمديين القصير والطويل. ويبدو ان اوبك تعي تماما ان اوبك السبعينات والثمانينات التي تحكمت بانتاج %55 من النفط العالمي كانت قدرتها أكبر على استعادة التوازن، فالقدرة الحالية ما عادت كما كانت في السابق، بل انخفضت اليوم الى حوالي %35. لذا ليس بالغريب ان نرى مساعي اعضاء اوبك لتوسيع نطاق الاتفاق مع دول اخرى منتجة، وان كان لنا رأي آخر. ففي الحسابات النفطية ثمة فارق كبير بين الاتفاق الملزم والاتفاق التطوعي لخفض انتاج النفط، وقد بينا ذلك في مقالات سابقة حول اتفاق اوبك منذ بدايته. وان قامت اوبك بجهود عظيمة ومازالت الا ان ثمار جهودها تجنيه شركات ودول اخرى. على سبيل المثال الدولة الاكثر استفادة من اتفاق خفض الانتاج هي ايران احدى الدول المؤسسة لمنظمة اوبك التي أبدت التزاما تاما، ولكن دون مشاركة فاعلة في خفض الانتاج، فهي لم تخفض برميلا واحدا! بالاضافة الى استثناء ليبيا ونيجيريا وتعليق عضوية أندونيسيا. كما ان جهود اوبك في توسعة نطاق الاتفاق مع دول منتجة للنفط من خارج المنظمة كانت واضحة، حيث توصلت الى اتفاق مع 11 دولة من بينها روسيا والمكسيك، وكان واضحا ان الهدف سياسي ولم يكن له دور فعال في نطاق اساسيات السوق، ومن بينها عامل العرض والطلب، كون ذلك الاتفاق طوعيا وغير ملزم لتلك الاطراف. أضف الى ذلك ان هناك دولاً من داخل وخارج اوبك فتحت أراضيها لشركات نفطية دولية للاستثمار في نشاط الاستكشاف والانتاج. ومعلوم ان هذه الشركات تستهدف رفع الانتاج لزيادة الارباح مما يجعلها تنتهج سياسة مغايرة لسياسة اوبك لخلق التوازن في السوق وتطبيق الاتفاق لفترة طويلة. بالنظر الى الجدول المرفق نجد ان انتاج الكويت قبل تنفيذ الاتفاق كان في شهر ديسمبر 2016 حوالي 2.844 مليون برميل يومياً، وكان معدل سعر نفط خام الكويت للتصدير KEC لنفس الشهر 50.93 دولاراً للبرميل مقارنة بارقام شهر ابريل، حيث معدل السعر 50.60 دولاراً أي أقل بنحو 33 سنتا للبرميل من شهر ديسمبر. بمعنى أنه بعد مضي اربعة اشهر تعود اسعار النفط الى ما كانت عليه واقل قليلا! بينما حققت زيادة حوالي 23 سنتا فقط كمعدل لاربعة اشهر! وبشكل تقديري فان اجمالي ما خسرته الكويت بسبب عدم تماسك الاسعار من بداية شهر يناير2017 وحتى شهر ابريل 2017 بالمقارنة مع شهر ديسمبر2017 هو حوالي 1.362 مليار دولار بمعدل شهري حوالي 341 مليون دولار. ويجرنا هذا إلى سؤال منطقي: ما هو التقدم الذي حققته اوبك بعد مضي 4 أشهر على تنفيذ الاتفاق بعيدا عن نسب الالتزام؟ بل السؤال المحوري هو: لماذا لم تتجاوب اسعار النفط مع اتفاق خفض الانتاج، وقد عادت اسعار النفط الى مستوى المربع الاول قبل تنفيذ الاتفاق؟ فهل هذه النتيجة تعبر عن اتفاق تاريخي حقا؟ ام تعبر عن هشاشة في مكان ما في الاتفاق؟ ام كانت الحسابات النفطية غير دقيقة واثرت في آلية لجنة مراقبة الانتاج لتصرّح أن هناك طلبا موسميا في الفترة القادمة ونموا على الطلب العالمي للنفط ومن ثم دعما للاسعار؟ فنقول أليس هذا الطلب سوف تغطيه دول من خارج اوبك في حال تمديد الاتفاق التاريخي؟ عبدالحميد العوضي خبير متخصص في تكرير وتسويق النفط
مشاركة :