إيزابيلا كامينسكا نحن - معشر البشر- مخلوقات ضعيفة عرضة لارتكاب الأخطاء، وأحكامنا متسرعة، لذلك نبدع التقنيات كي نتكل عليها في الكثير من أمور حياتنا.تأملوا معي مثلا إطلاق أساطيل السيارات ذاتية الحركة. الفكرة من وراء تطويرها تحسين مستويات السلامة، لكن هذه الفرضية جريئة جدا على الأقل في المرحلة الحالية من تطوير المشروع.أولاً ليس هناك دليل على صحة وجهة النظر هذه حتى الآن. وأفضل البيانات التي لدينا تم جمعها من اختبارات أجريت عام 2016 في كاليفورنيا، وهي الولاية المعروفة بطقسها المعتدل الذي لا يصلح أن يكون بيئة لاختبارات قيادة السيارات العالمية.وقد سجلت سيارة «وايمو» من «جوجل» أفضل النتائج بتدخل العنصر البشري فيها مرة واحدة كل 5127 ميلاً. وهذا لا شك إنجاز مقارنة مع العام الذي سبقه، لكنه لا يزال بعيداً جداً عن الكمال. وقد قطعت سيارات «وايمو» الستون التي خضعت للاختبار 10597 ميلاً عام 2016 أي أقل بثلاثة آلاف ميل عن المعدل الوسطي لما تقطعه السيارة عادة في الولايات المتحدة، وخلال ذلك المشوار تطلبت كل سيارة تدخلاً بشرياً مرتين.أما سيارات «تيسلا» فكان أداؤها أسوأ. فقد تطلبت السيارات الكهربائية الأربع التي شاركت في الاختبارات وقطعت 137 ميلا، تدخلاً بشرياً كل ثلاثة أميال وسجلت 45 حالة عدم توافق. وبما أن معظم المحللين المختصين يعتقدون أن الجمهور لن يتسامح إطلاقاً مع هذا النوع من الأخطاء، فإن أياً من هذه النتائج لا تبدو مشجعة. من المؤكد أن تقنية السيارات ذاتية الحركة تتطور، لكن يجب ألا ننسى أن تجربة السيارات هذه قائمة منذ عقد التسعينات وقد حققت واحدة منها نسبة تناغم في القيادة بلغت 98.2%.ولكن حتى في حال أمكن تجنب المشاكل التقنية، فمن غير الممكن التغلب على المعوقات الخارجية.وهنا نعيد للأذهان حادث سيارة شركة «أوبر» في ولاية أريزونا الذي نتج عن خطأ ارتكبه سائق الطرف الآخر. وهذا يعني أن العنصر البشري فشل في الالتزام بقواعد السير ما يستدعي التركيز على أن التحدي الأكبر الذي يواجه السيارات ذاتية الحركة، هو أنها ستعمل في بيئة تتفاعل فيها مع طرف آخر، والطرفان مطالبان بالتفاعل فيما بينهما في تلك البيئة بأمان.وما يحفز العنصر البشري على التحرك يختلف عما يحرض التقنية الرقمية. فمن حيث المبدأ يحرص السائقون، عدا المخمورين منهم، على سلامة أنفسهم وسلامة الآخرين وهو ما لا يمكنهم ضمانه من التقنيات المعقدة. ولا شك أن إلغاء دور العنصر البشري في القيادة لن يحل المشكلة.وتجدر الإشارة هنا إلى أن تعاطي الكحول تسبب في موت ثلاثة أضعاف ما تسببت به الحوادث في الولايات المتحدة عام 2014. فهل يشجع عن غير قصد زيادة استهلاك الكحول عندما نعفي السائقين من مسؤوليات القيادة.ثم هناك الثقة التي ينبغي أن نمنحها للمبرمجين. ففي عالم الشركات يتم إعداد برامج مكافآت وعقوبات لتحفيز العاملين لكن في القطاعات التي يترك فيها تكاسل العنصر البشري آثاراً سلبية في الآخرين مثل القطاع المصرفي أو التحكم بحركة المرور، تكتسب تلك الحوافز أهمية أكبر.وستتم برمجة وصيانة السيارات ذاتية الحركة على يد جيوش المبرمجين. فهل نضمن بأن يتم تحفيزهم بشكل دائم؟وأخيراً في الوقت الذي تبدو فكرة تحفيز التقنية مهارات القيادة عند السائقين من البشر فكرة معقولة، تبرز مخاطر تراجع كفاءتهم في ظل غزو التقنية سوق نقل الركاب بالسيارات ذاتية الحركة. * فاينانشل تايمز
مشاركة :