مظلومية المواطن العراقي بغض النظر عن الانتماء الديني والقومي والطائفي. بغض النظر عن تفاوت المظلومية الطائفية والعرقية بين الفئات والهويات الطائفية والعرقية فهي تبقى متبناة من قبل النخبة السياسية وبعض الرموز الثقافية التي لم تخرج من اطار التاريخ بعد. أما حكاية مظلومية المواطن العراقي فلا يستطيع أن يتبناها سوى المواطن العراقي البسيط نفسه وهو الذي يعيش تبعات الإرهاب والفساد وفقدان الخدمات والقمع الذي يتعرض له عندما يعبر عن مواقفه السياسية. مظلومية المواطن العراقي هي مظلومية الكردي المهمش والسني المهجر والشيعي القابع في الفقر والعوز. كل الدول والمجتمعات تحرص على خلق ودعم قصة المواطن لترسيخ فكرة المواطنة من خلال تفعيل القوانين بشكل عادل وبدون تحيز، ومن خلال النشيد الوطني والعلم الواحد وفريق كرة القدم الوطني. الحكاية المشتركة ليست مجرد افكار مشتركة، هي التجربة المشتركة بين الأفراد والمجموعات. تخيل انك تجلس بجانب شخص لا تعرفه وشاهدتم سوية حادثا مروعا او حدثا لطيفا، فحين تلتقون مرة أخرى بعد مدة طويلة سوف تعرفون بعض بشكل مباشر وتتحدثون بلا مقدمات عما جمعكم سوية وما شاهدتم سوية من ذلك الحدث، فقط لأنكم تمتلكون حكاية مشتركة. لخلق حكاية مشتركة، حكاية المواطن والوطنية والمواطنة، لابد من وعي مشترك ومكان مشترك. فلا يمكن خلق وعي مشترك من دون وجود مكان مشترك يتبادل به الأفراد تجاربهم وأفكارهم ورغباتهم وهمومهم والذي يسميه هابيرماس الفضاء العام. وبما أن الفضاء العام تسيطر عليه القوى الدينية والعرقية المحافظة وتشكل محتواه الثقافي وبنيته الاجتماعية والسياسية على أساس الهوية الطائفية والعرقية فلا بد من مكان مشترك، لا أريد أن أسميه فضاء مضادا، بل فضاء مشتركا موازيا كما تسميه نانسي فريزر يطرح به الأفراد همومهم وتجاربهم ويعبرون به عن هوياتهم الفردية والجمعية ويتداولون به الأفكار والحكاية البديلة بعيدا عن أفكار ورواية الدولة الرسمية التي تطرح في الفضاء العام الرئيسي والذي تتبناه الدولة وخطابها الرسمي. يمكن أن يكون هذا الفضاء الموازي مقهى أو شارعا أو مؤتمرا أو جامعة أو قناة فضائية أو محطة إذاعية أو صفحة من صفحات التواصل الاجتماعي أو أي مكان بعيدا عن الفضاء العام. فيما يحتل الفضاء العام الأروقة السياسية يكون مكان الفضاء الموازي هو حيز المجتمع المدني. هذا على مستوى خلق الوعي القائم على قصة الوطن الواحد لكن تحوله لحراك جماهيري فهو بحاجة لخطاب معنون لذلك المكان، يركز علي المشتركات الوطنية ويحث على التغيير فيقوم بإدارة الحوارات وتنظيم الصفوف وترتيب الأولويات حسب الزمان والمكان من خلال خلق شبكة للتواصل بين الأفراد. حينها نصل للخطوة الأخيرة وهي الفعل الجمعي حين يتحرك هؤلاء الأفراد على شكل جماعات يقصدون التغيير متحديين بنية الفضاء العام الثقافية والاجتماعية والسياسية. ليس بالضرورة أن يكون هذا الفعل سياسيا حسب التعريف الاكاديمي الضيق بل سياسيا بطريقة غير مباشرة وذلك من خلال منظمات المجتمع المدني، كالمنظمات الخدمية والمنظمات التوعوية ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة والطفل ويمكن أن يكون عن طريق النقابات العمالية أو نقايات باقي الوظائف. كل ذلك لا بد أن يكون ضمن الإطار الوطني ومفاهيم المجتمع المدني القائم على حقوق وواجبات المواطنة لا غيرها. أن الحكاية الطائفية والعرقية لا يمكن أن تصنع وطنا إن لم تذر للريح ما بقى منه لأنها في أصلها تصطدم مع فكرة المواطنة القائمة على المساواة والتمييز. أن الوعي الديني والعرقي السياسي المبني على حكاية المظلومية الطائفية والعرقية، وهنا أركز على الوعي السياسي وليس الوعي الديني أو القومي الثقافي، والذي يؤسس لفكرة الإسلام السياسي والدولة القومية في العراق قد نتج عنه حراك طائفي وعرقي وفعل جمعي طائفي وعرقي أدى إلى ما أدى من كوارث أضاعت الوطن وما فيه. فلا بد من أحد أن يحدثنا عن قصة المظلومية للمواطن بغض النظر عن عرقه ودينه وطائفته، وسوف لن يكون ذلك بلا وعي وطني، وحراك وطني، وفعل جمعي وطني يرتكز على خطاب وطني مسؤول. عماد رسن Imad_rasan@hotmail.com
مشاركة :