الفلاحون ينتقدون سكان التجمع الخامس

  • 5/2/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

صديقي من التجمع الخامس، إنه لشيء محرج في عالمنا، أتعرف لماذا؟! لأنه من ذلك المكان الفقير الموبوء متدني الثقافة والعلم والرقي، أصحاب السراويل المُقطعة من الركبتين والفخذ، لكنه طيب، وأنا أحبه منذ ما جاء يدرس في قريتنا الهندسة في جامعة الإبراهيمية. وأخته كذلك التي تتشابه معه في السراويل المقطوعة من الركبتين، لكن تختلف عنه بوضع حلق صغير في أنفها، وقص شعرها؛ لتصبح أشبه بالرجال، لكن أكثر ما يضايقني منها - تلقائياً دون قصد - هي تلك اللهجة القاهرية اللزجة المتدنية في ألفاظها ومعانيها، تحاول كثيراً أن تقلد اللهجة الفلاحي العريقة حتى تندمج مع زميلاتها في الكلية، لكنها تفشل غالباً. كنت قد وصلت مبكراً قبل صديقي ذلك فجلاليبنا دائماً ما تكون نظيفة ناصعة البياض جاهزة للارتداء، عكس السروال الجينز والتيشيرت، وقفتُ مع بعض الزملاء تمشية للوقت، فكان الحديث - كالعادة - والنقد اللاذع لكل ما هو قاهري، حتى أصبحت كلمة قاهري أو من المدن سُبة لأي شخص. قال إسماعيل - المتباهي دائماً بمعلوماته - زاعماً في صوته بعض الوقار: "أتعرفون لِمَ هم يلبسون البناطيل المُقطعة"، رأى في أعيننا انتظاراً للإجابة، فأكمل "لأن الله غاضب عليهم؛ لأنهم كانوا يسخرون منا في زمن حظوتهم للسلطة والاقتصاد، فألبسهم لباس المشردين والشحاذين ". هراء كالعادة، محورة الكون حول الذات والقبلية، وكأن كل شيء يحدث يحدث لأجل مصلحتك فقط، لكني كنت أسمع عن الفترة التي كانوا يسخرون فيها منا، لكن الآن مصر اكتشفت خطأها، وعلمت أن الزراعة أساس بنائها على مر التاريخ؛ لذلك الحظوة والعلم والثقافة في يدنا، وتلك المدن التي لا تعتمد على الزراعة بشكل شبه كامل مثل القاهرة تجدها كذلك . ها هو صديق قادم هناك مُطرق الرأس في حالة ذعر، دائماً يخاف على كرامته مثلما يخاف القط على أبنائه من أي اقتراب من أي كائن كان، لعله يوم يصبح منا ولا تجد السخرية له طريقاً . ********** في هذه القصة القصيرة أستعرض فكرة كثيراً ما راودتني على غرار "ماذا لو؟!" ماذا لو كان الفلاحون هم من يملكون الاقتصاد والسلطة والثقافة والعلم؟ هل ستكون مرادفات ذكرهم مثل الآن إشارة إلى التدني والجهل؟ وهذا ليس رأيي وليس في نظر الجميع، وماذا عن الآخرين المدنيين الذين يملكون هذه الأشياء الآن كيف سيكون حالهم، وهم يحلمون بالذهاب للريف؛ ليكونوا في مكان أعلى منزلة ليتلقوا العلم والثقافة ويحققوا أحلام النجاح والثراء هناك؟في المسلسل الديستوبي الرائع " the man in the high castle " الذي يتخيل انتصار دول المحور - ألمانيا واليابان - في الحرب العالمية الثانية، وتقسيم الولايات المتحدة الأميركية إلى منطقة نفوذ نازي ونفوذ ياباني ومنطقة محايدة، نرى هنا كيف تأثر الشعب الأميركي بالثقافتين - النازية واليابانية - تأثراً واضحاً وانتشار الأفكار والعادات وحتى الرياضات في كلا الشعبين حسب طبيعة المُحتل، الكل يريد أن تسود ثقافته العالم؛ لأنه يراها الأصلح . هذا التخيل بديع في قلب الأمور، تلك الثقافة الأميركية التي تحكم العالم وتسوقه بما تريد يُتحكم بها وتتشكل على رؤية المُحتل. عودة للواقع هناك من يتلذذون بتحقير غيرهم، والحط من قدرهم؛ لأنهم لم يحظوا بالفرصة التي أتيحت لهم، أو لمجرد أنهم هم، هناك تلك الاتهامات الجاهزة لمن يبدر منه عدم الفهم أو المواكبة لما هو جديد "أنت فلاح"، "كفاية فلح". في كل صيف هناك الشجار السرمدي بين الفلاحين القادمين من الريف وسكان الإسكندرية الذين يرون أن بلدهم تلوث، وتصبح مقلب قمامة كبيراً بسبب أفعال الوافدين إليها، لو كان الأمر عدم تفاهماً وقبولاً فيجب أن نقترب ونفهم وجهات نظر وثقافة بعضنا، أما لو كان الأمر يشوبه بعض مظاهر الجهل أو الدنو عند أي طرف، فيجب أن يقوم الشخص الراقي بمساعدة الآخر، منطقة المياه الممتلئة تملأ منطقة المياه القليلة، هذا قانون الطبيعة الذي يجب أن يسير عليه البشر. من الأشياء الطريفة التي لاحظتها مؤخراً، في الإسماعيلية؛ حيث يتواجد الفلاحون هناك بكثرة في الأعياد كان بعضهم يلبس "كوتشي" يُضيء فأسمع بعضاً من أهل المنطقة والمارة وبعض الأصدقاء الذين يتندرون على هذا الفِلح الذي يغمر شوارعهم على هيئة كوتشيات ترسل عمى ضوئياً. أتذكر هذه الكلمات منذ أيام قليلة، عندما شاهدت فيديو منشوراً عن الإعلانات القديمة، أولها كان إعلاناً عن كوتشي يضيء ويظهر فيه شباب من طبقة راقية ينظرون بحسد وانبهار للشاب المُتأنق الذي يلبس أحد الكوتشيات المُضيئة والكل يريد منها، أعتقد أن أحد المتندرين اليوم كان يريد بقوة أحد هذه الكوتشيات وهو صغير، ولكن لأنها موضة انجلت يجب أن نسخر من الآخرين. نسيج واحد في الفيلم التسجيلي القصير الرائع "نسيج واحد" لنادر صلاح الدين، يصور مع مجموعة مختلفة من المصريين، مسلم، مسيحي، صعيدي، فلاح، قاهري، سكندري، نوبي، فيتحدث الجميع في البداية عن أننا كلنا واحد، ولا خلاف بيننا، وحين يطول الحديث ويتعمق أكثر تجد العنصرية وتفوق الجنس الآري - ما رآه النازيون في أنفسهم - ينضح بقوة، هم ونحن تتبروز في الداخل كلما تعمقت في نفوسهم. إن العنصرية بين فئات البلد الواحد أمر نحاول إخفاءه دائماً لا مشكلة كل شيء كامل ومتجانس، لكن علينا أن نملك بعض الصدق مع أنفسنا قليلاً، إنها القاعدة الإنسانية التي مل التاريخ من تكرارها "الاعتراف بالمشكلة أول طريق الحل". ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :