الشارقة: «الخليج» لا يمكن لزائر البينالي الاكتفاء بزيارة واحدة إلى هناك، فبعض الأعمال تتطلب وقفة طويلة ونقاشات والتقاطات عديدة، الأمر الذي يعني تكرار الزيارة مرات عدة، فالبينالي في أعماله التي تعكس إبداعات أكثر من 70 فناناً من مختلف بلدان العالم، هو عالم متكامل، عالم مملوء بالأفكار والخيال الذي يحلق عالياً، لكنه يحط بك ومعك في أرض البينالي، كي تتعرف أكثر وتناقش أكثر، وتبحر في عالم ممتع وجميل بخيال وأفق بلا حدود.تحتوي المطبوعات التي تصدرها وتوزعها مؤسسة الشارقة للفنون، الكثير من المعلومات المهمة والدقيقة عن الأعمال المشاركة وأصحابها، حيث تحرص المؤسسة على التعريف بالفنانين وأعمالهم الإبداعية، فهنا في النسخة الثالثة عشرة من البينالي نحو 70 فناناً من مختلف بلدان العالم، من بينهم على سبيل المثال لا الحصر، البولندية مونيكا سوسنوفسكا، التي تستلهم في أعمالها المشهد المعماري في العاصمة البولندية وارسو، وهي اعتادت على التجوال في مختلف أنحاء المدينة، والتقاط الصور لتلك الكتل السكنية، وأجنحة الخدمات، ومحطات القطار، والمراكز التجارية التي تعكس على نحو ملموس ماضي تلك البلاد إبان الحكم الشيوعي. إن أبنيتها المحرومة من أدوارها التي أنشئت لأجلها في الأصل، تبدأ في حمل خصائص فضاء نفسي بعينه، حينما ترغمها على الانحناء والاصطدام والتحول والتشوه. كما أن التكوينات الناشئة لا تسترعي الانتباه للعلاقة بين البيئة المبنية والرؤية الشخصية فحسب، وإنما تشجع كذلك على تأمل تأثير البنى المجتمعية في الواقع المعاش.تقدم سوسنوفسكا عملاً مهماً يحمل اسم «واجهة 2013»، ويحمل هذا العمل الإبداعي تساؤلات حول التجديد والإرث والدمار، وهو عبارة عن هيكل حديدي بارتفاع سبعة أمتار، يشبه نموذجاً مصغراً لمبنى حداثي، ويبدو هذا الصرح الإبداعي متدلياً من السقف، وكأنه قماش منسدل، وليس هيكلاً معمارياً جامداً.يستثير هذا الشكل المتدلي تأمل العملية الفنية عند سوسنوفسكا؛ حيث تبدأ الفنانة بنقع نموذج ورقي في الماء، وما إن يجف حتى تعيد إنشاء الشكل في صورته الحديدية، من خلال تعاون مكثف مع مهندسين وفنيي لحام، وغيرهم من الفنيين، لتحقيق التشابه المطلوب مع النموذج الأصلي، كما يعكس العمل النحتي الناتج، عملية إعادة إنتاج العناصر المعمارية، ويستفيض بوصف التحولات الجماعية والكيميائية من مادة إلى أخرى.تطرق أعمال الفيديو الخاصة بالفنان الصيني جو تاو، سبلاً عدة لخلق حوار بين الصور المتحركة، وتتصدى لآليات شتى من الأنظمة والطوبولجيات، وذلك من خلال دراسة متأنية لوقائع بعينها، من وجهات نظر عديدة. وغالباً ما تضم أعمال جو مواد مرئية وأخرى سردية يصادفها في محيطه، معتمداً على معرفته بالكائنات وبالمشهد الطبيعي.في عمله الإبداعي الذي يحمل عنوان «أزرق وأحمر» 2014، والذي يتشكّل من مجموعة مشاهد تعرض لمناجم المعادن والقرى الهاجعة وسط الجبال والوديان، وصولاً إلى مشاهد من الاحتجاجات الأخيرة المعارضة للحكومة، يرصد تاو مجتمعاً يوحد صفوفه.. مجتمعاً مسيساً.يشتمل الفيديو التركيبي على مشاهد منقحة، التقطت في عدة مواقع، بما في ذلك المناطق الصناعية في شاوغوان بالصين، ومعسكر للجيش في بانكوك.يقارب الفنان مروان رشماوي في أعماله دراسة المنهجية التقليدية للكارتوغرافيا والتمدن، من خلال أعمال تشي بالحسية والفطنة. وفي عمله المعنون «المبنى الأزرق، 2015»، تصل أعمال التطوير العقاري التي تجري بوتيرة سريعة في بيروت، إلى قطعة أرض تقابل محترف رشماوي، على الضفة الأخرى من النهر، وبينما كان يعاين تشييد المبنى، لاحظ رشماوي حالة فضفاضة شبه قانونية تسود أعمال الإنشاء، حيث أزيلت الأشجار المحيطة من دون تصريح، وجرى تشغيل اللاجئين الوافدين حديثاً كعمال بأجور متدنية. وكما هو حال الكثير من المباني الجديدة في المدينة، أجريت الأعمال برمتها بتصور شديد التسرع، لدرجة أنه عند مجيء أمطار الشتاء تمت تغطية جانب التل بغطاء بلاستيكي أزرق، تفادياً لحدوث انهيار أرضي محتمل. أطلقت مؤسسة الشارقة للفنون في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي برنامجاً تعليمياً مكثفاً، بعنوان «مدرسة بينالي الشارقة 13»، وذلك ضمن إطار المشاريع المصاحبة للبينالي، ويستمر على مدار عام كامل، يسعى من خلاله إلى دعم البنى التحتية المحلية في المناطق الوسطى والمركزية والشرقية في إمارة الشارقة، وتعزيز مجتمعاتها المحلية المختلفة. ويتمحور البرنامج حول الحرف اليدوية وفنون الطهي والفنون الرقمية والزراعة والموسيقى، مع التركيز بشكل خاص على التطبيق العملي والمشاركة الفعالة. ووفقاً للقائمين على هذا المشروع المهم، فإن مدرسة البينالي تشكل امتداداً لبرامج مؤسسة الشارقة للفنون التعليمية، التي تسعى إلى تشجيع المشاركة العامة، من خلال زراعة الإبداع، وإثراء الخبرات الثقافية للمجتمع المحلي. وتقام دورات المدرسة في أربعة مواقع، هي: مركز المدام للفنون، ومركز الحمرية للفنون، ومركز كلباء للفنون، ومنطقة الفنون في الشارقة، وتركز المدرسة من خلال العمل مع الفنانين والممارسين المحليين، والمؤسسات والشركات المحلية، على الثيمات الأربع لبينالي الشارقة 13، وهي الماء، الأرض، المحاصيل، والطهي.
مشاركة :