إعداد:محمد هاني عطوي في الكون أماكن مجهولة لا تعد ولا تحصى، تحدث فيها أشياء غريبة، فريدة من نوعها، وربما غير مفهومة، منها مجرات تحوي أشياء غريبة يسميها العلماء ثقوباً سوداء، ومنها سحب من النجوم الوامضة، وأماكن تنخفض فيها درجة الحرارة فجأة بلا سبب. وحتى الآن، تم التعرف إلى 7 أماكن أحصاها العلماء في ما يسمى ب«الأطلس السري للكون»، وهو عبارة عن خرائط للكون بأبعاد ثلاثية تكشف بدقة عن أسراره الأكثر فرادة. وحتى العام 1995، كان أول مسح عميق للكون يشير إلى احتوائه على 600 مجرة، ويصل أقصى عمق لها إلى 8 مليارات سنة ضوئية، ولكن بفضل برنامج المسح الميكروي الثنائي لكل السماء أحصى أكثر من 300 مليون مجرة، وعنقود مجري. وعلى الرغم من ذلك فإن النماذج العلمية المطروحة لتطور الكون، وخصوصياته، وتفاصيل هيكلته، ربما تكون خاطئة، بسبب تلك الظواهر، أو الأماكن غير المعروفة، ما يجبر العلماء على إعادة النظر في تصوراتهم. عنقود الكوما، الواقع في كوكبة الهلبة (شعر بيرينيس) على بعد 329 مليون سنة ضوئية. هذا المكان مملوء بالمجرات بنحو 1000 مرة أكثر مما هو موجود حول مجرتنا درب التبانة. وفي وسط هذا العنقود توجد مجرة معتمة، دفع بيتر فان دوكوم، وفريقه من جامعة ييل أن يكتشفوا في العام 2015 أنها مجرة تمتد على مسافة تبلغ 100 ألف سنة ضوئية وأسموها «مجرة اليعسوب 44» وتظهر على شكل هالة باهتة ولا تحتوي إلا على بضعة مليارات من النجوم، وهو أمر غريب فهي تقع في قلب مجموعة فائقة الكثافة من المجرات، وكان من المفترض أن تتمزق تحت تأثير جاذبية جيرانها، الأمر الذي لم يحدث وبقيت هذه المجرة المعتمة في مكانها من دون مساس.وزاد من غرابة المكان أنه في ربيع 2016، توصل بيتر فان دوكوم، إلى استنتاج مجموع كتلة المجرة وتوصل إلى أنها ثقيلة مثل «درب التبانة» لكن نجومها لا تمثل إلا 0.01٪ من كتلتها (مقابل 1٪ لمجرتنا). يقول دوكوم: «إنها مفاجأة كاملة، إذ لم نكن نتخيل أبداً أن نقع على مثل هذه المجرة الكبيرة جداً، وذات الكثافة المنخفضة من المادة». طرح الأمر تساؤلاً عما يمكن أن تشكل بقية كتلة المجرة (99.99%)، وتوصل إلى أنها من المادة المعتمة، التي لم يتمكن أي جهاز كشف من التقاطها، ولا يمكن تفسير حركة المجرات والعناقيد المجرية من دونها أيضاً. سديم السرطان يعتبر «سديم السرطان» واحداً من أجمل وأكثر المشاهد الكونية في السماء غموضاً، فهو يخفي وحشاً تستحيل رؤيته لأنه بعيد وصغير، لكنه يزفر رياحاً من الجسيمات تتحول إلى أنوار باهرة حين تصطدم بالسديم الغازي المحيط. اكتُشف هذا القلب المشتعل لسديم السرطان في العام 1968، والنقطة المركزية فيه عبارة عن نجم نابض (نيوتروني) دوار صادر عن انفجار نجم عملاق، وما تبقى من هذا النجم انكمش وبدأ يدور بوتيرة محمومة بمعدل 30 دورة في الثانية، ومنذ ذلك الحين يغذي الفضاء بشعاع ضوئي يجتاح الأرض عند كل دورة، يبدو كأنه يومض مثل منارة في الليل.يقول آلان ريازولو، من معهد الفيزياء الفلكية بباريس: «هذا النجم النابض استثنائي تماماً فالنجوم، النابضة أكثر تطرفاً من الثقوب السوداء، والمجال المغناطيسي له قوي لدرجة أنه يزن وحده أثقل من أكثر المواد المعروفة كثافة، ولا يتصرف مثل مثيلاته من النجوم النابضة، كما يبث مجموعة واسعة من الأطوال الموجية، وهو حقاً أمر فريد من نوعه».وبين عامي 2001 و2008، أدرك العلماء أن نبضات «سديم السرطان» في الأطوال الموجية المختلفة (موجات الراديو وأشعة غاما) متزامنة جداً من دون معرفة السبب. ويقول فابريس موتيز من مرصد باريس: إنه مكان يضم جميع قوانين الفيزياء. نجم ينبض على هواه في ذراع مجرة درب التبانة على بعد 1200 سنة ضوئية تقريباً من الأرض، يدور النجم «KIC 8462852» في كلا الاتجاهين، والسبب أنه يطلق دفقات ضوئية تبدو عشوائية تماماً، ولا يمكن تفسيرها. علماء في الفيزياء الفلكية من جامعة ييل، تمكنوا من رصد هذه الظاهرة الغريبة حيث انخفض التدفق الضوئي للنجم بشكل حاد عدة مرات، إذ انخفض 15٪ في 5 مارس/آذار 2011، و22٪ في 28 فبراير/شباط 2013. ينتمي «KIC 8462852» إلى النوع (F) من النجوم، أي الأكثر صغراً وخفة من ناحية الكتلة، والأكثر سخونة من شمسنا، علماً بأنه لم يكشف عن أي أشعة تحت حمراء من شأنها الإشارة إلى وجود حلقة من الغبار، أو حدوث اصطدام حول النجم. ويعترف جيريمي لوكونت، من مختبر الفيزياء الفلكية في بوردو، قائلاً: «لا نفهم شيئاً مما نراه، إنه جرم بسيط ظاهرياً ولكننا لا نملك له أي تفسير». ويرى فريق علمي سلوفاكي أن وجود 4 سحب من الغبار يمكن أن يفسر منحنى ضوء النجم. وحلل متخصصون في فيزياء المادة المكثفة بجامعة إلينوي، التقلبات الضوئية واكتشفوا أنها مماثلة لظواهر الانهيلات المغناطيسية التي يمكن أن تكون إشارة على مرحلة انتقالية يخوضها النجم. الأكثر بعداً «GN-Z11» أو ببساطة المجرة الأكثر بعداً على الإطلاق، فهي غير محددة المعالم، مملوءة بنجوم زرقاء كبيرة، اكتشفها التلسكوب «هابل» في زاوية بعيدة، فوق ذيل كوكبة الدب الأكبر، وكانت تقع على بعد 13.4 مليار سنة، ومع توسع الكون، ابتعدت هذه المجرة وتتواجد الآن على بعد 32 مليار سنة ضوئية. المجرة أصغر 25 مرة من درب التبانة، ويمكن أن نعتبرها مثل طفلة تعاني السمنة المفرطة. ويبدو أن اكتشافها كان ضربة حظ، بحسب ما يقول باسكال أويش من مرصد جنيف. ومع إطلاق التلسكوب «جيمس ويب» الفضائي الأعوام المقبلة، سيتمكن العلماء من رؤية أصغر المجرات البدائية، واستكشاف المزيد عنها. رقصة جنونية إنه المكان الأكثر رصداً في الكون، إذ يقع على بعد 1.4 مليار سنة ضوئية من الأرض في النصف الجنوبي من الكرة السماوية، خلف سحابتي ماجلان. وفي 14 سبتمبر/أيلول 2015، التقط العلماء أمواج الجاذبية التي صدرت عنه بواسطة جهاز ليغو لقياس التداخل، لقد كانت تلك إشارة لاصطدام ثقبين سوداوين، بعد أن تشوه بفعل اصطدامهما حيز «الزمكان». حتى ذلك الحين كانت أمواج الجاذبية مقترحة من قبل «نظرية أينشتاين» ولكن وبشكل استثنائي كان اكتشافها مفاجأة. ووفقاً لتفسير إشارة الجاذبية، التي سميت «GW150914»، فإن الثقبين السوداوين اللذين اندمجا كانا هائلين قدرت كتلة كل منهما 36 و29 شمساً على التوالي. «بقعة باردة» عند حافة الكون المرئي، لا توجد مجرات ولا كواكب، ولا حتى نجوم، بل يوجد فقط غاز ساخن من الجزيئات تبلغ درجة حرارته 3 آلاف درجة مئوية ومنتشر في كل مكان إلا عند كوكبة النهر الواقعة في النصف الجنوبي من السماء. هنا تمتد منطقة باردة غامضة على نحو 2.7 مليون سنة ضوئية (20 مرة قدر درب التبانة) وتحمل فرقاً صغيراً في درجة الحرارة قدره (- 70 ميكروكالفن). فماذا يحدث في هذه البقعة الباردة الواقعة وسط هذا المحيط الملتهب؟ الواقع أن العديد من الافتراضات تقول إن البقعة الباردة تعني أن النموذج القياسي الذي يصف كيف برد الكون، خاطئ، وأنه حدث نوع من تحولات الحالة خلال فترة التبريد شكلت «القوام» وكان من نتائجه تلك البقعة الباردة. وتقول فرضية أخرى إن البقعة الباردة يمكن أن تكون علامة على وجود عالم آخر خارج كوننا، بحسب خبيرة الكونيات لورا مرسيني-هوتون، في جامعة ولاية كارولينا الشمالية، وثمة فرضية أخرى ترى أن البقعة الباردة يمكن أن تكون ضرباً من الوهم. ويقول أندراس كوفاكس من معهد الطاقة العالية من برشلونة إنه تأرجح نادر في توزيع المادة في الكون، ولكن استفان زابودي يشير إلى أنه حتى هذه اللحظة، لا شيء يبدو مقنعاً، أما فرانسوا بوشيه فيقول إن البقعة الباردة جاءت عن طريق الصدفة، وبلا سبب. مجرة لا تتوقف عن الوميض يبدو هذا المكان من بين أكثر الأماكن بساطة في الكون فصور التلسكوبات تظهر هذه المجرة الصغيرة مثل غيرها، ولكن عندما نرصدها بواسطة هوائي مخصص لموجات الراديو تصبح غريبة، وتبرق بومضات ذات ضوء مبهر قبل أن تعاود الخفوت لعدة دقائق، وأسابيع، بل وحتى أشهر، ثم تعود لتضيء وامضة مرة أخرى من دون سبب واضح بشكل عشوائي.هذه الظاهرة رصدت بالفعل في مناطق أخرى من السماء وسميت ب«القفزة الراديوية السريعة» (FRB). ورُصد 18 مصدراً منها منذ العام 2007 ولم تزل الافتراضات تتوالى لتفسيرها مثل فرضية النجوم المتفجرة العنيفة، واندماج النجوم النيوترونية، أو الأجرام الميتة فائقة الكثافة. ومنذ اكتشافها بواسطة التلسكوب اللاسلكي أريسيبو في عام 2012 نبضت المجرة بموجات راديوية نحو 17 مرة، ما يلغي التفسيرات المتقدمة تلقائياً، فالنجم مثلا لا يمكنه أن ينفجر 17 مرة. وحاول علماء الفلك تقديم تفسير مختلف، قائلين إن مواد شديدة الحرارة تدور حول ثقب أسود هائل يمكن أن تبعث مثل هذا الإشعاع المنخفض، ومن وقت لآخر تؤدي التأثيرات المغناطيسية إلى إطلاق مقذوفات فائقة الطاقة، تتصادم بدورها مع البلازما على بعد 100 سنة ضوئية، الأمر الذي يؤدي إلى تطايرها وإنتاج ما يمكن تسميته بالتجشؤات الراديوية. لكن قوة الإشارة كبيرة للغاية مقارنة مع مجرة تقع على بعد 3.2 مليار سنة ضوئية عنا. المدهش أن الإشارة كانت أكثر شدة بمليون مرة مما كان يتوقعه العلماء، ومن هنا ظهرت فكرة أن يكون انفجار نجمي المتسبب بتلك الومضات، ولكن لا شيء مؤكد.
مشاركة :