اختتمت أمس أعمال منتدى الإعلام العربي في دورته الـ16 والذي أقيمت فعالياته في دبي على مدار يومين تحت شعار "حوار حضاري" بمشاركة نخبة من القيادات الإعلامية وكبار المفكرين والكتاب وصناع الرأي في مختلف أنحاء العالم العربي. وعقد المنتدى جلسة بعنوان "ما بعد الأزمات العربية"، وتحدث المشاركون في هذه الجلسة عن أهمية التوصل لحلول للأزمات التي تعصف بالمنطقة، وضرورة التغلب على حالة الفوضى التي تسود بعض الدول العربية، مشددين على الدور المهم للإعلام العربي وتأثيره الإيجابي في مستقبل المنطقة، من خلال التعامل بواقعية وتحمل مسؤوليته في إعادة الثقة للمواطن العربي، وتسليط الضوء على الجوانب المضيئة التي تشحذ الهمم والطاقات. وتحدث في الجلسة د. فهد الشليمي، رئيس المنتدى الخليجي للأمن والسلام، وعماد الدين حسين، رئيس تحرير الشروق المصرية، وأدارها شريف عامر، إعلامي من قناة إم بي سي مصر، وكان محورها الرئيس محاولة الإجابة على بعض التساؤلات التي تشغل بال المواطن العربي فيما يخص مستقبل المنطقة بعد انتهاء أزماتها، والعقبات التي تحول دون تحقيق مستقبل عربي يكون العرب فيه أفضل حالاً، والمهلة الزمنية التي يتطلبها ذلك. وقال الشليمي إن ما تعانيه المنطقة من أزمات وتقلبات يأتي نتيجة مباشرة لما أسماه "الدمار العربي" وليس الربيع العربي، وأن ما حدث من ثورات في عدد من الدول العربية جلب الكثير من الخراب والدمار وفقدان الهوية على المنطقة وتسبب في خسائر ضخمة قدرت في مؤتمر الإستراتيجيات العربية الذي استضافته دبي بــ 833 مليار دولار، ناهيك عن آلاف القتلى وملايين الجرحى والنازحين والمشردين. وعن المدة التي تتطلبها إعادة بناء الدول التي دمرت بفعل ما عرف بثورات الربيع العربي، أوضح الشليمي أن تلك الدول بحاجة إلى أكثر من 15 عاماً حتى تعود لسابق عهدها، مشيراً إلى أن التحدي الأكبر الذي تواجهه تلك الدول هو التحدي الاقتصادي وإعادة بناء مؤسسات الدولة لتكون قادرة على إعادة البناء، هذا بالإضافة إلى حاجتها لوقت أطول لعلاج ما أسماه بالشرخ الاجتماعي الذي حدث بين مكونات تلك المجتمعات من الداخل، لتعود مرة أخرى متماسكة ومترابطة. وعن دور الإعلام في هذه المرحلة أشار الشليمي إلى حاجة المنظومة الإعلامية العربية لمجموعة من الضوابط التي تقنن عمل الإعلام، وتمكنه من مساندة إعادة بناء الدول المتضررة من ثورات ما عرف بالربيع العربي، مشيراً إلى أن ضرورة البحث عن ضوابط تنظم حرية التعبير وتجنب الإساءة للرموز العربية، وتوقيع غرامات رادعة بحق الإعلاميين ووسائل الإعلام المسيئة. من جانبه أكد عماد الدين حسين أن حال العالم العربي اليوم يسأل عنها أطراف من خارج العالم العربي، وتحديداً من خططوا ومولوا ودعموا الإرهاب، وهو ما يدعونا كعرب إلى الاتحاد وعدم المراهنة الخاسرة على حلول خارجية، لأنه من الصعب أن من صدّر الإرهاب ويدعمه سيأتي لنجدة شعوب المنطقة. ولفت إلى المساندة السعودية والإماراتية للدولة المصرية، والتي عكست وعيا وحرصا على الحفاظ على مكانة مصر ودورها كصمام الأمان في قلب الأمة العربية، معرباً عن تفاؤله أن الأزمات العربية لن تدوم طويلاً، لاسيما مع العمل على تفويت الفرصة على من يأججون الصراع المذهبي لتحقيق مكاسب سياسية. وضمن فعاليات اليوم الأخير للمنتدى أعلنت شما بنت سهيل فارس المزروعي، وزيرة دولة الإمارات لشؤون الشباب عن إطلاق "المبادرة الإعلامية للشباب العربي" بتوجيهات ورعاية صاحب السمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة الإماراتية، بهدف بناء منظومة لريادة الشباب العربي في مختلف المجالات والتخصصات الإعلامية لإعداد جيل من الإعلاميين الشباب المؤهلين وفق أعلى المعايير بما يشمل الشفافية والحرفية، وذلك خلال جلسة "الإعلام والشباب العربي" التي استضافت وزيرة دولة الإمارات لشؤون الشباب وتحدث فيها أيضاً السعودي أحمد الجبرين، مؤسس ومدير عام شركة "سماءات". وأعلنت المزروعي أن المبادرة ستتضمن برنامجا إستراتيجيا لإعداد الإعلاميين الشباب من 22 دولة عربية، وتشكيل مجلس الشباب العربي للإعلام، وتأسيس أكاديمية إعلامية لهم، بالإضافة إلى توفير فرص التدريب في المؤسسات الإعلامية الكبرى، وعبرت عن خالص شكرها لكافة المساهمين في المبادرة، وخصت بالذكر "نادي دبي للصحافة"، لما يبذله من جهود متواصلة لإنجاح المبادرة ودعمها بشتى الطرق. وعن علاقة الإعلام بالشباب وإمكانية الاستفادة من القدرات الهائلة لهذه الفئة العمرية، أكد أحمد الجبرين أن الشباب العربي يقضي وقتاً طويلاً في مطالعة المحتوى الإعلامي عبر مختلف المنصات في إشارة واضحة إلى مدى تأثير الإعلام في الشباب، منوهاً أن نحو 50% من السكان في الوطن العربي في سن الشباب وهي نسبة كبيرة بالمقارنة مع مناطق أخرى بالعالم وهو ما يحتم ضرورة الاستفادة من القدرات والإمكانات الكبيرة التي يتمتع بها الشباب. ويرى الجبرين أن وسائل التواصل الاجتماعي تمثل أداة مهمة للتواصل مع الشباب والتأثير فيهم، إلا أن ذلك يتطلب فهماً أعمق لمكونات المجتمع الصغيرة؛ حيث إن المجتمعات العربية والعالمية على السواء باتت تتكون من مجتمعات صغيرة لكل منها سمات وخصائص مشتركة، وضرب مثلاً على ذلك بفئة من الشباب السعودي مهتمة بالاطلاع على الثقافة الكورية الجنوبية وتتواصل فيما بينها لتبادل الرؤى والأفكار المتعلقة بكل ما يخص الحضارة الكورية الجنوبية، مشيراً إلى أن فهم طباع وأفكار كل فئة من الفئات الشبابية ييسر عملية التواصل ويعظم من نتائجها. كما أفرد المنتدى جلسة بعنوان "حال صورة العرب" تناول خلالها ناثان تك، المتحدث باسم الخارجية الأميركية للشرق الأوسط والخليج العربي، مارك دونفريد، المدير التنفيذي ومؤسس معهد الدبلوماسية الثقافية في برلين، وهادلي جامبل، مراسلة محطة "سي إن بي سي" في الشرق الأوسط، الطرق الكفيلة بتغيير الصورة السلبية للعالم العربي في الإعلام الأميركي من خلال تطوير وسائل مبتكرة تسهم في إقامة حوار حضاري وثقافي يحقق التقارب بين الشعوب، وأدار الجلسة الإعلامي السعودي فيصل عباس، رئيس تحرير صحيفة "عرب نيوز"، وشهدت حضوراً كبيراً ناقشت القصور الذي يلازم صورة العالم العربي في الإعلام الأميركي، حيث أشار المتحدثون إلى أن 65% من الأميركيين لا يعلمون الكثير عن العالم العربي، كما أن 81% منهم غير قادر على تحديد موقع العالم العربي على خريطة العالم، إلا أن المبشر أن 52% يعتقدون في قدرة الإعلام الإيجابية على إحداث تغيير جوهري بوصفة وسيلة للتواصل الفعال. وبدوره أكد مارك دونفريد أن تصويب التصورات الخاطئة يحتاج إلى ما يعرف باسم "الدبلوماسية الثقافية" عوضاً عن الدبلوماسية السياسية، مشيراً إلى التجربة الناجحة لألمانيا الغربية قامت الإدارة الألمانية بتغيير السلبيات التي اقترنت باسم بلادها بُعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث عملت على إظهار ألمانيا كشريك علمي واقتصادي وقوي، وكدولة مؤثرة في عملية التطور البشري كما أسهمت به من جهود بحثية في مختلف المجالات بعد أن كان ينظر لها بوصفها محورا من محاور الشر. وأشار دونفريد أن الدبلوماسية الثقافية يمكنها أن تسهم في نقل الحوار الحضاري بين العرب والغرب إلى آفاق أرحب إذا ما تم استخدامها على النحو الأمثل. جانب من جلسة «ما بعد الأزمات العربية»
مشاركة :