أصبحت أجهزة الروبوت الطائرة أصغر حجما وأقل ثمنا، ويسهل التخلص منها بعد الاستخدام، لكن لو حلقت في مجموعات أو "أسراب" كبيرة، يمكنها أن تنقذ حياة البعض، أو أن تصبح السلاح الأكثر فتكا منذ اختراع المدافع الرشاشة. ما هي الصورة التي تطرأ على بالك عندما تفكر في الطائرة من دون طيار؟ هل هي صورة طائرة صغيرة منفردة مزودة بمراوح وتُسيّر بجهاز التحكم عن بعد، أم طائرة عسكرية كبيرة غير مأهولة؟ كل هذه الصور ستتغير قريبا، فقد أصبحت الطائرات من دون طيار أصغر حجما وأقل تكلفة مما كانت عليه سابقا، ويمكنها التحليق منفردة أو في مجموعات تضم المئات أو ربما الآلاف منها، كما لو كانت "أسرابا" من الطيور. ولو حصلت على عدد كاف من هذه الطائرات لتسيرها في آن واحد، فإنها قد تكون أكثر كفاءة من البشر في جوانب عديدة، إذ يمكنها أن تنقذ حياتك، أو في المقابل قد تشكل قوة جماعية فتاكة في ساحة المعركة. لكن ما الذي يجعلنا نهتم بفكرة "أسراب" الطائرات من دون طيار؟ بداية، في ساحة المعركة قد تتفوق الطائرات من دون طيار على الأسلحة والمعدات التكنولوجية التي تستخدمها الجيوش منذ عقود. تصور مثلا تحليق فرق من الطائرات رباعية المراوح من دون طيار بأزيزها المعهود في أرجاء مدينة مزدحمة لجمع المعلومات، وقد لا تصمد فرق الدبابات أمام هجوم الطائرات من دون طيار الصغيرة التي يمكن أن تنقض عليها من جميع الجهات وفي نفس اللحظة. وفي البحر، قد تشن آلاف الطائرات من دون طيار الصغيرة هجوما مباغتا على سفينة حربية، وحتى لو أسقطت تلك السفينة الكثير من هذه الطائرات، فإن البعض الآخر منها سينجح في اختراق السفينة، وتدمير أنظمة الرادار لديها، حتى لا تستطيع الدفاع عن نفسها. كما أن سرب الطائرات من دون طيار لا يضم قائدا للمجموعة، وهذا يعني أن ذلك السرب يتحرك من خلال نظام ذاتي التنظيم تتساوى فيه جميع العناصر. ومن خلال التجمع في أسراب، تستطيع الطائرات من دون طيار أن تمشّط المنطقة بكفاءة، أو تحلق معا من دون أن تصطدم ببعضها. وقد تحتاج إلى مشغل واحد فقط للتحكم في سرب الطائرات من دون طيار بأكمله. ويصعب التغلب على هذه الأسراب من الطائرات. وبينما يمكن إسقاط الطائرة التقليدية بقذيفة واحدة، فإن هذا السرب من الطائرات صغيرة الحجم لا يتأثر بفقدان أعداد كبيرة منه. وقد لا تصمد الأنظمة الدفاعية المعتادة بما لديها من قذائف محدودة في مواجهة مثل هذا السرب من الأعداء. لكن أسراب الطائرات من دون طيار سوف تستخدم أيضا لأغراض أخرى، مثل تصوير حفلات الروك، والعمل في المزارع. إذن، هل سنرى أسراب الطائرات من دون طيار بشكل معتاد في حياتنا اليومية؟مصدر الصورةGetty ImagesImage caption أصبحت الطائرات من دون طيار أصغر حجما وأرخص ثمنا، وستبدأ في تشكيل مجموعات كبيرة كأسراب الطيور لتفيذ مهام متعددة في الحقيقة، قد يكون بعضنا رآها بالفعل. ففي العرض الذي أدت فيه المغنية الشهيرة ليدي غاغا أغنيتها بين شوطي المباراة النهائية لدوري كرة القدم الأمريكي، أو "السوبر بول"، تجمعت 300 طائرة من دون طيار لتشكل علم الولايات المتحدة الأمريكية، وتضيء السماء في تلك الليلة. وتروج شركة "إنتل" لأسراب الطائرات من دون طيار التي تحمل اسم "شوتنغ ستار"، والتي تستخدم بديلا للألعاب النارية. وسجلت شركة "إيهانغ" الصينية رقما قياسيا عالميا لإطلاق أكبر سرب من الطائرات من دون طيار في عرض مبهر بمناسبة حلول العام الجديد، شكلت فيه 1,000 طائرة من دون طيار علم الصين، وأحد أحرف الهجاء الصينية الذي يرمز إلى "البركة". وقد تستخدم أسراب الطائرات من دون طيار للتحقق من سلامة خطوط الأنابيب والمدافئ، وخطوط نقل الطاقة الكهربائية، والسلامة في المصانع، بسهولة وبأقل تكاليف. وربما تستخدم أيضا في المزارع للكشف عن الأمراض التي تصيب النباتات، والمساعدة في ترشيد استخدام المياه، أو رش مبيدات مكافحة الآفات والأعشاب الضارة في البقعة المصابة فقط، وستتعاون كل الطائرات من دون طيار فيما بينها لتغطي مساحة تلك المزارع بأكملها. ويعكف نيكولاوس بابانيكلبولوس، الذي يعمل في مركز متخصص في أنظمة الروبوتات بجامعة مينيسوتا، على تطوير طائرات من دون طيار تدار بالطاقة الشمسية، وستعمل هذه الطائرات بالتنسيق فيما بينها لمعاينة مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية بتكاليف منخفضة. ويقول بابانيكلبولوس: "قد تتضمن مهام أسراب الطائرات من دون طيار الكشف المبكر عن نقص النيتروجين، والأمراض التي تصيب النباتات، وإدارة موارد المياه".هل من أدوار أخرى؟ على الرغم من أن الطائرات من دون طيار تستخدم منذ سنوات في عمليات الإنقاذ، فإن إرسال أسراب من تلك الطائرات الصغيرة قد ينقذ حياة أعداد أكبر من البشر. ويطور معمل المركبات الجوية الصغيرة بجامعة دلفت للتكنولوجيا بهولندا سربا من "طائرات بدون طيار في حجم الجيب"، كل واحدة منها أصغر من راحة اليد. وبإمكان هذه الطائرات أن تحلق في داخل المباني المتضررة بشدة التي يتعذر على فرق الإنقاذ البشري دخولها لتنفيذ عمليات البحث، ويمكنها الانتشار بحثا عن ناجين في أعقاب الزلازل، أو غيرها من الكوارث. وقد تمكن فريق باحثين من جامعة لوبورو البريطانية من تطوير نظام للمساعدة في عمليات البحث والإنقاذ في الجبال، بالاستعانة بمجموعة من عشرة طائرات صغيرة من دون طيار أو أقل. مصدر الصورةSean Gallup/Getty ImagesImage caption قد تستخدم الطائرات من دون طيار في المزارع للكشف عن الأمراض التي تصيب النباتات، والمساعدة في ترشيد استخدام المياه وهذه الطائرات مجهزة بكاميرات حرارية لتحديد مواضع متسلقي الجبال المفقودين بسهولة، وتتأكد هذه الطائرات من خلال التواصل فيما بينها من أنها غطت المنطقة بأكملها. ما هي الجيوش التي تطور أسراب الطائرات بدون طيار؟ ولماذا؟ تعمل أكثر من دولة عظمى على تطوير تكنولوجيا أسراب الطائرات من دون طيار. فقد أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا 103 طائرات "برديكس" الصغيرة من دون طيار، والتي كانت تحملها طائرات من طراز "إف/ إيه- 18 هورنت". وتزن كل طائرة من هذا النوع من الطائرات الصغيرة من دون طيار بضع مئات من الغرامات. وقد صنعت طائرات "برديكس" بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وهي مصممة لكي يسهل التخلص منها بعد الاستخدام، والغرض منها تعطيل أنظمة الدفاع الجوي للعدو من خلال استخدامها كوسيلة للخداع، أو التشويش على الإشارات الإلكترونية، أو تحديد مواضع أجهزة الرادار لتدميرها. ويهدف السلاح البحري الأمريكي إلى تطوير أسراب من الطائرات من دون طيار بتكلفة أقل من تكلفة القذيفة، إذ يطور برنامجا يسمح لمجموعات من الطائرات بالانفصال عن السرب وتكوين مجموعات فرعية لتنفيذ مهمات محددة، أو بانضمام طائرات أخرى إلى السرب بسلاسة. ومن أبرز اللاعبين أيضا في مجال استخدام الطائرات دون طيار لأغراض عسكرية الصين، التي طالما احتلت الصدارة في إنتاج الطائرات بدون طيار صغيرة الحجم المتاحة في الأسواق. وتستحوذ شركة "دي جي أي" الصينية وحدها على نسبة 70 في المئة من السوق العالمية للطائرات بدون طيار، والآن يدرس الجيش الصيني سبل الاستفادة من فكرة "أسراب" الطائرات من دون طيار. وفي معرض تكنولوجيا الطيران والمركبات الفضائية الذي أقيم في ديسمبر/ كانون الأول، عرضت المجموعة الصينية لتكنولوجيا الأجهزة الالكترونية "سي إي تي سي" المملوكة للدولة، مقطع فيديو يظهر نحو 70 طائرة من دون طيار تحلق معا في انسجام. وكونت الطائرات من دون طيار تشكيلات، وتعاونت فيما بينها في مهمة لجمع المعلومات الاستخباراتية. وقد تتعاون هذه الطائرات الصغيرة لشن هجوم مكثف على قاذفات صواريخ العدو بأعداد مهولة في آن واحد، ومن مختلف الاتجاهات، حتى لا تتمكن الأنظمة الدفاعية من صدها.مصدر الصورةGetty ImagesImage caption استُخدمت الطائرات بدون طيار في عمليات البحث والإنقاذ، لكن سربا من مئات الطائرات سيتمكن من الانتشار في مساحات أكبر ولعل الخطة الأكثر طموحا هي مشروع سلاح المشاة البحرية بالولايات المتحدة لتطوير مجموعة من الطائرات من دون طيار تستخدم أرضا وبحرا وجوا. وربما تسبق هذه الطائرات البشر إلى السواحل لتنفيذ مهام استطلاعية، ولتحديد مواضع العدو، وربما مهاجمته. وبإمكان هذه الأسراب من الطائرات من دون طيار أن تتصدى لأسراب مماثلة من طائرات معادية من دون طيار، وهذا الاستخدام تحديدا لا يزال موضع اختبار في سلاح المشاة الأمريكي، من خلال تنفيذ مناورات لمواجهة أسراب من الطائرات المعادية بأسراب مثلها. وقد صُممت بالفعل طائرات بدون طيار لاصطياد مثيلاتها من الطائرات المعادية. وهذه الطائرات الصغيرة قد تستخدم للتجسس أو الاستطلاع أو جمع المعلومات الاستخباراتية. وتتوقع وكالة مشروعات الدفاع البحثية المتطورة (داربا)، وهي وكالة علمية متطورة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون، أن يستعين جنود المشاة في المستقبل بسرب خاص بهم من الطائرات بدون طيار لتنفيذ المهام الاستطلاعية، ولا سيما داخل المدن والمباني. ويقول ستيفن كرامبتون من شركة "سوارم سيستمز" لتصنيع الطائرات الجوية غير المأهولة: "تنتشر 250 طائرة صغيره في ستة مجمعات سكنية. وبإمكان الأسراب أن تعيد تنظيم نفسها وتشكل مجموعات أصغر لتوصيل معلومات مفيدة، مثل أن تخبرنا بالتهديدات التي تستهدف مواقعنا". ما الذي يحمله المستقبل لهذه الأسراب من الطائرات من دون طيار؟ لا تزال تكنولوجيا أسراب الطائرات بدون طيار في طورها الأول، ولكنها تتطور سريعا. نظريا، بإمكان أسراب الطائرات التغلب على أي سلاح في الوقت الحالي، ولديها قدرة على الهجوم وإطلاق النيران بدقة تصويب عالية تكفي لإحداث دمار واسع النطاق. فإن تأثير أسراب الطائرات بدون طيار قد يعادل تأثير تطوير المدافع الرشاشة في الحرب العالمية الأولى، وهذا يعني أن الطرف الذي لا يملك سربا من الطائرات من دون طيار في ساحة المعركة سيُمنى بهزيمة ساحقة. وربما في الحروب القادمة ستكون الغلبة لمن يملك أكبر أسراب من الطائرات بدون طيار وأفضلها تقدما. ولكن هذه الأسراب لن يقتصر وجودها على ساحات المعارك، بل في الواقع، قد تعيش يوما ما بيننا. فعلى المدى الطويل، لو صدق الباحثون في معهد "فيز" بجامعة هارفارد، قد تصبح هذه الأسراب من الطائرات الصغيرة جزءا من البيئة التي نعيش فيها، شأنها شأن الحشرات. ويطور هؤلاء الباحثون في إطار مشروع "روبي بي" طائرات صغيرة من دون طيار أصغر من حجم المشبك الورقي وتزن 0.1 غرام، وقد تستخدم الآلاف منها لمراقبة الطقس والإشراف، وربما تلقح أيضا المحاصيل في ظل تضاؤل أعداد النحل. ولهذا، عليك أن تترقب ظهور هذه الأسراب من أجهزة الروبوت الصغيرة، وأن تبحث عنها في كل مكان، فقد بدأت تستقطب معجبين بالفعل، بداية من المزارعين، إلى منظمي حفلات ليدي غاغا الغنائية. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future .
مشاركة :