«كنك يابو زيد ما غزيت»

  • 5/16/2014
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

عمل محمد في الدولة، خدم سنين طويلة، راقب الكثير من الرؤساء وهم يدخلون ويخرجون، لكنه لم يتخيل أن يكون أحد الخارجين يوماً. بقي على الكرسي سنين، انتقل من طابق إلى آخر، لكن عمله لم يتغير كثيراً. صدر قرار تقاعد محمد وهو في المرتبة الثانية عشرة، فجأة وجد نفسه في دوامة، فكل من عرفه من الناس هنا، فأين يذهب؟ أقام له زملاؤه حفلة في الاستراحة وقدموا له الهدايا، وهنأوه بـ "الفكة" من الصحيان كل صباح، ومكابدة زحمة السير، والبقاء في المكتب إلى ما بعد العصر في كثير من الأيام. أصبح اليوم التالي، فصلى الفجر، وعاد إلى غرفة نومه، ليمارس أول طقوس الحرية من الوظيفة، حاول أن ينام لكنه لم يستطع، ذهب إلى الصالة ليشاهد التلفزيون، لكنه لم يتعود ذلك، خرج بسيارته ليتجول في الشوارع ويتفرج على مآسي الآخرين. كان هذا ما يعتقده، لكنه كان أول الهاربين من الزحام. عاد ليوقظ زوجته التي جاءته بخطى ثقيلة، واستنهض عزيمتها لتوقظ خادمتها، فأخبرته أن الخادمة أعدت إفطار البنات ونامت، ولن تصحو قبل العاشرة. حاول أن يتأقلم مع برنامج النوم العجيب الذي يعيشه البيت، والهدوء القاتل الذي يسيطر صباح كل يوم، لم يصدق أن يرخي الليل سدوله، فذهب إلى الاستراحة، لكنه لم يجد أحداً من أصحابه، بعد ساعتين وصل اثنان منهم، جلسا معه ساعة ثم استأذنا لانشغالهما، وهما يهنئان محمد على "الإجازة المفتوحة". مرت أيام على محمد وهو يعيش هذه الحياة الرتيبة، وأعداد القادمين للاستراحة تنخفض. اقترح أحد زملائه ألا يجددوا عقد إيجار الاستراحة، فوافق الرفاق. أسقط هنا في يد محمد، وهو الذي كان أكثر المواظبين على الحضور، لكن المشكلة الكبرى هي أن عامل الاستراحة كان يوصل بناته للمدرسة والجامعة. اتخذ محمد قرارا بالحصول على وظيفة العامل الذي سيغادر، ليتحول إلى سائق يوصل بناته فيعود مرهقاً باحثاً عن السرير، ويصلي الظهر ثم يتجه ليعيد البنات للمنزل في موعد يوافق موعد عودته سابقاً من العمل، و"كنك يابو زيد ما غزيت".

مشاركة :