«الدعون».. أصالة الماضي ورفاهية الحاضر

  • 5/4/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الفجيرة:بكر المحاسنة يعرف عن أبناء الإمارات محافظتهم على عادات وتقاليد مجتمعهم الأصيلة والعريقة، وحرصهم على محاولة توريثها للأجيال المقبلة، وهذا الموروث هو نمط سلوكي أو حرفي يتميز بأن المجتمع يقبله من أجل التمسك بسنن الأسلاف التي نضجت تحت عديد من التجارب والخبرات عبر الزمن. ومن الحرف التراثية التي لا يزال عدد من الحرفيين يعتمدون عليها لتأمين قوتهم خصوصاً في إمارة الفجيرة، صناعة «الدعون» التي تستخدم في تجهيز الغرف وأركانها وجدرانها، وكذلك سقفها، وتنتج كلها من سعف النخيل. و«الدعون» تعني صنع المنزل من جدران سعفية ترص بطريقة الزفان، والسعف هو الأغصان الكاملة لشجرة النخلة، حيث يؤتى بها كي يصنع منها حائط على شكل لفافة حين تفتح تشكل جزءاً من حائط أو سقف. رغم الحداثة الحالية والتطور العمراني والرفاهية، إلا أن أبناء المجتمع الإماراتي لا يزالون يشبعون حنينهم من الماضي، ويستخدمون «الدعون» في إقامة عريش صيفي أو خيمة شتوية أو مظلة. وخلال السطور التالية نسلط الضوء على هذه الصناعة التراثية، التي نعتز بها ونقدمها كملمح مهم من ثقافتنا المرتبطة بالأرض والنخيل رمز الأصالة وسيد الشجر.الوالد سالم سيف الجابري، أحد المتمسكين بهذا الموروث الشعبي الذي أسهم بشكل فعال في بناء القرى قديماً، يعلق عن تجربته مع هذه الحرفة، قائلاً: «تباع الدعون على هيئة أنابيب، لكنها لا تترك كما هي عند البناء، حيث تفكك ثم تنظف حسب التصميم، ويعاد العمل بها بحبال جديدة مختلفة، وتشبك كل سعفة بجانب الأخرى حسب الموسم، وحينما يأتي موسم الشتاء يترك بعض الدعن كما هو، ويرص بجانب بعضه بحبال وأساسات من الجندل وهي جذوع أشجار أسطوانية، تستورد من الخارج». ويضيف الجابري: كنا نستخدم «الدعون» في السابق كسقف للعريش، و«منامة» أي سرير مرتفع عن الأرض و«مسطاح» لفرش وتجفيف التمر عليه، أما في أيامنا الحالية فما زال يستخدم في «العزب» لبناء حظائر للمواشي، وصنع «خيام البحر»، أو تلك التي تقام بجانب الفلل والبيوت كمجالس يجتمع فيها الشباب، وكتغيير للنمط السائد في المنازل الحديثة، أدخلنا بعض التحسينات عليها، كوضع نوافذ زجاجية وتزويدها بمكيفات للتبريد، وأبواب الألمنيوم عوضاً عن تلك الخشبية، جامعين بذلك أصالة الماضي ورفاهية الحاضر في صورة تتحدى العمران الجديد، وتؤكد أن تراث الأجداد يفرض نفسه على الأجيال الشابة إذا أدخلنا عليه بعض التطوير. زيادة أواصر التعاون يقول محمد المزروعي، ويمتلك خبرة كبيرة في صناعة الدعون: «يتولى الرجال مهمة برم وحبك ليف النخيل، وهي عملية تتطلب قبل كل شيء، فك ذلك النسيج الليفي وتحويله إلى ما يشبه الشعر، أما السعفة، فيتم اختيار أفضلها من حيث قوتها ومتانتها، وربما يكون رجال الأمس الذين كانوا يواصلون عمليات التصنيع قد رحلوا، إلا أن بعضهم، استطاع نقل الحرفة لأبنائهم، وقاموا بتعليم بعض الجاليات التي تعمل في المزارع، وهم اليوم يقومون بمساعدتهم على بعض الأعمال، مثل جمع السعف ونقل الدعون». ويواصل: « زفانة الدعون كان لها دور إيجابي في تعزيز العلاقات الاجتماعية وزيادة أواصر الترابط والتعاون بين الأهالي، حيث كان الجميع يشارك في العمل ويساعد في إنجاز دعون غيره أو المشاركة في إعدادها وبيعها، ومن ثم تقاسم العائد المادي من ورائها». أما سالم سعيد اليماحي، فيقول: «ما زالت صناعة الدعون تشق طريقها وسط البنيان العمراني الهائل، حاملة العراقة والأصالة التاريخية لسكان مناطق الدولة، تذكرهم بحلاوة الماضي، وتعيد إلى الأذهان جوانب العلاقة الحميمية بين الإنسان الإماراتي وبيئته». ويشير إلى أنه يحرص على إقامة بيوت العريش في العزب والمزارع بهذه الطريقة، لأنها تذكره بتاريخ وماضي الأجداد والآباء.

مشاركة :