ماذا لو لم تحدث الحرب على العراق في عام 2003 وظل صدام حسين في السلطة حتى الآن؟ أين سنكون اليوم ؟ طرح الصحفي نيل كلارك على موقع «RT» سيناريو تخيلي حول استمرار صدام حسين في السلطة، وكيف سيكون الوضع الآن في العراق، وذلك بمناسبة الذكرى الـ80 لميلاد صدام حسين. 28 إبريل 2017، صدام حسين رئيس دولة العراق، التي أصبحت عضوًا في الجمهورية العربية المتحدة، المعاد تأسيسها وتضم مصر وسوريا، يحتفل بعيد ميلاده الثمانين في بغداد، حيث انطلقت المواكب، احتفالًا بالرئيس، وسط حضور عدد من قادة ورؤساء بعض الدول. من بين الحضور الرئيس الزيمبابوي روبرت موجابي، 93 عامًا، الذي كان يمزح مع الرئيس العراقي ويقول له إنه إذا أقلع عن تدخين السيجار الكوبي، وشرب شاي الأعشاب قد يعيش حتى يصبح في مثل عمره. قرر قادة الدول الغربية مقاطعة تلك الاحتفالات، رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، التي تقول 10 مرات يوميًا، إنها تدعم حكومة قوية ومستقرة في المملكة المتحدة، أدانت صدام ووصفته بأنه «طاغية خسيس»، فيما ذهب وزير الخارجية البريطاني أبعد من ذلك، واصفًا صدام بأبشع الألفاظ. يعرض التلفزيون الرسمي العراقي في ذلك اليوم، فيلم صدام المفضل «صوت الموسيقى» على الشاشات بشكل متصل، فيما ظهر الرئيس العراقي، في خطابه للأمة، والشيب واضحًا في رأسه، وتبدو عليه علامات السن والوهن، ساردًا ما حدث قبل ذلك خلال توليه سنوات توليه السلطة، ومتحدثًا عن تجنب العراق للحرب في عام 2003 كنقطة تحول كبيرة في تاريخ العراق. الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق، أحبطته جموع الشعب العراقي، بالإضافة إلى المستوى غير المسبوق من العصيان المدني في الدول الغربية، والتهديدات بتمرد عدد من الجنود هناك، خاصة الذين رفضوا المشاركة في تلك العملية غير المشروعة. «إذا كان الغزو نجح في ذلك الوقت، فلن تكون كارثة للبلاد فحسب، بل كان من الممكن أن تنتشر الحرب لدول أخرى أيضًا، وكان من الممكن أن يشجع الأمر، الولايات المتحدة على غزو ليبيا وسوريا، ومن الممكن أن تظهر جماعات جهادية متطرفة في خضم الفوضى العارمة التي كانت ستحدث». هكذا قال صدام في خطابه للأمة. وتابع: «تلك الجماعات الإرهابية لن تطلق العنان فقط للمذابح الإرهابية في الشرق الأوسط، بذبح المسيحيين وغيرهم، بل كانت ستطال أيضًا العواصم الغربية، ومن الممكن أن تحدث أزمة لاجئين هائلة بسبب فرار المواطنين من مناطق الحروب، وكان من الممكن أن يصبح العالم مكان أكثر خطورة، نحمد الله سبحانه وتعالى على إحباط تلك الحرب». وسخر «الليبراليون التدخليون» من تلك المزاعم، فهم يعتقدون أن عدم التدخل عسكريًا في العراق كان خطأً فادحًا، فقد قال السيناتور الجمهوري جون ماكين: «كانت هناك فرصة عظيمة لجلب الديمقراطية والسلام في الشرق الأوسط خسرناها في عام 2003، فإذا كان طاغية مثل صدام قد سقط، فكان من الممكن أن يجلب ذلك منافع هائلة للمنطقة، وللعالم بأثره، إذا كنا فقط مضينا في ذلك». فيما صرح رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، لـ بي بي سي قائلًا: «أنظر لفشل الغزو على العراق بأسف شديد، فقد خسر الشعب العراقي وقتًا كبيرًا بسبب فشلنا». فيما قالت جماعات حقوق الإنسان إنه رغم تحسن تحسن الوضع في عهد صدام خلال السنوات الأخيرة، إلا أنهم مازالوا متحفظين إزاء تقارير تفيد بحبس نشطاء مناهضين للحكومة دون محاكمات. وقال الناطق بيتر تاتشيل: «اعترضت على غزو العراق في 2003، ولكني اعتقد أنه يجب تسليح المعارضة للتخلص من ذلك (الجزار)، اعتقد أن ذلك خيارًا لابد من أخذه في الاعتبار». فيما أكد صدام أن إعادة تأسيس الجمهورية العربية المتحدة، كان عاملًا أساسيًا في ردع الهجمات الأمريكية على الدول المستقلة في المنطقة، فأعضاء تلك الجمهورية وقعوا معاهدة دفاع متبادل مع الصين وروسيا. حتى رؤساء الولايات المتحدة انصرفوا عن تهديد العراق وحلفائه بعمل عسكري، وتم الضغط عليهم لرفع العقوبات عن العراق وسوريا وليبيا في النهاية. ويرى البعض أن إعادة تأسيس الجمهورية العربية المتحدة، كان عاملًا أساسيًا في الاتفاق مع إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، ومع ذلك مازال هناك توتر في العلاقات بين الجمهورية المتحدة وإسرائيل، وكردستان العراق، حيث يُجرى استفتاء للاستقلال خلال عام 2017. وقد ختم صدام خطابه قائلًا: «رغم استمرار وجود صعوبات، إلا أن التاريخ سيظهر أن أحداث 2003 كانت نقطة تحول حقيقية، فقد تجنبنا سيناريو من الممكن أن يكون بمثابة كابوس، وبدلًا من ذلك فدول الشرق الأوسط الآن تحرز تقدمًا». كان هذا السيناريو التخيلي، ولكن على أرض الواقع هذا ما حدث بالفعل: غزت الولايات المتحدة وحلفائها العراق في مارس 2003، لـ«لوجود أسلحة دمار شامل»، ومنذ ذلك العام حتى الآن قُتل مليون مواطن عراقي، كما قُتل أكثر من 4.800 جندي من قوات الغزو. في عام 2007، أثبتت التقارير أن ما بين 12% إلى 20% من المحاربين القدامى العائدين من حرب العراق، يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة. وكما توقع المعارضون للحرب حينها، تسببت الحرب في أزمة لاجئين غير مسبوقة، ففي عام 2007 ، أعلنت منظمة الأمم المتحدة أن عدد اللاجئين العراقيين وصل إلى 2 مليون لاجيء، كما أن هناك مليون و700 ألف نازحًا داخل البلاد، وفي نهاية عام 2015، أعلنت الأمم المتحدة أن إجمالي النازحين وصل 4 ملايين و600 ألف، ومن بينهم مسيحيون تعرضوا للاضطهاد، وأجبروا على ترك منازلهم. وفي عام 2016، أفيد بأن 80% من الطائفة المسيحية في العراق البالغ عددها 1.5 مليون نسمة فروا منذ عام 2003. وبعد مرور 14 عامًا من الحرب لا يزال الجيش الأمريكي في العراق يسعى الآن إلى تحرير الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية داعش، الذين لم يكونوا موجودين لولا التحرير السابق الذي قادته الولايات المتحدة، وقد اعترف توني بلير بذلك جزئيًا، فقد قال «لولا الحرب على العراق لما كان داعش». وفي مقال نشرته صحيفة الجارديان في عام 2009، قال بيتر تاتشيل الذي دعم تسليح جماعات المعارضة العراقية للإطاحة بصدام: «منذ سقوط صدام حسين، أصبحت رهاب المثلية وترويع المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي أسوأ بكثير، الغزو الغربي قضى على ديكتاتورية البعث، ولكنه دمر أيضًا الدولة العلمانية، وخلق الفوضى وانعدام سيادة القانون، والنتيجة كانت حملة إرهابية إسلامية ضد المثليين في العراق». وفيما يتعلق بالحريات الصحفية، كان العراق في المرتبة 130 في مؤشر حرية الصحافة في عام 2002، وهو آخر عام من حكم صدام. أما الآن فقد تراجعت للمركز الـ158. وتقول قوات الدعم السريع في تقريرها الأخير: «العراق من أخطر دول العالم للصحفيين، الذين يستهدفهم مسلحو الميليشيات الموالية للحكومة وجماعات المعارضة المسلحة، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية التي شرعت في حرب إقليمية في العراق». فيما انتشر إرهاب الدولة الإسلامية في جميع أنحاء العالم من العراق، بما في ذلك المدن الغربية، أما أسلحة الدمار الشامل – التي كانت سبب غزو العراق- لم تظهر. وفي نهاية المقال، يطرح الصحفي نيل كلارك سؤالًا: هل كان من الأفضل ترك «مدخن السيجار الكوبي» الديكتاتور صدام ديكتاتور وبلاده وشأنهما في عام 2003؟
مشاركة :