مصدر الصورةGetty Images ربما تكون هونغ كونغ نظيفة من الخارج، لكن خدماتها العامة تحاول جاهدة التخلص من جميع النفايات التي تنتجها المدينة كل يوم. ويتوقع كثيرون أن هذه الأزمة ستتفاقم في غضون ثلاث سنوات. عندما قابلت زميلي تشان كينغ مينغ للمرة الأولى في الجامعة الصينية في هونغ كونغ، كان من الصعب تخيل أن المنطقة تواجه كارثة بيئية. تحدثنا في الصباح في حرم الجامعة الذي تحيط به الأشجار في منطقة الأقاليم الجديدة بهونغ كونغ. وبين الأشجار كان يمكنني رؤية الميناء يتلألأ تحت أضواء ناطحات السحاب، وسفوح الجبال الحادة خلفها. لم أشاهد قارورة بلاستيكية واحدة، أو جريدة مستعملة ملقاة على مرمى البصر. لكن المظاهر خادعة، كما يقول البعض. فربما تكون هونغ كونغ نظيفة من الخارج، لكن خدماتها العامة تحاول عبثاً إخفاء نفاياتها. وعلى الرغم من المحاولات المبذولة، أنتجت المنطقة 3.7 مليون طن من النفايات عام 2015، وهو الرقم الأعلى منذ خمس سنوات. وقد حولت المدينة 13 مدفنا للنفايات إلى حدائق عامة وملاعب غولف ومساحات واسعة للألعاب الرياضية، ولم يتبق سوى ثلاث مناطق فقط مخصصة للنفايات. وبهذا المعدل، لن تمر سوى سنوات قليلة حتى تعجز هذه المناطق المتبقية عن استيعاب المزيد من النفايات. ويقول تشان، في تقدير تؤيده وزارة حماية البيئة في هونغ كونغ: "إذا استمرت هونغ كونغ بهذه الطريقة فسوف نصل إلى نقطة الانفجار بحلول عام 2020". ويجمع تشان بين كونه عالم بيئة وسياسي عن حزب الديمقراطيين الجدد في هونغ كونغ، وهو ما يجعله قادرا على استشراف الصعوبات الاجتماعية والإقتصادية والتكنولوجية التي تعترض طريق إنقاذ المدينة من هذا الطوفان من النفايات. يقول تشان: "نحن نسير باتجاه التحضر غير المستدام". ويمكن لهذا أن يشكل تحذيراً لبلدان أخرى، حيث يشعر المزيد من الناس بالرغبة في العيش في المدينة، وهو ما يعني أن علماء البيئة في جميع أنحاء العالم سيراقبون عن كثب الخطوات القادمة لهونغ كونغ. وتحتل هونغ كونغ الآن المركز الرابع عالميا على مؤشر المناطق الأكثر كثافة سكانية، إذ يعيش فيها سبعة ملايين نسمة في منطقة تبلغ مساحتها 200 كيلومتر مربع. وتأتي هونغ كونغ بعد جارتها ماكاو، وسنغافورة، وموناكو. وفي مدينة كبيرة بحجم هونغ كونغ، من الصعب للغاية توفير مساحة إضافية للنفايات. ويزداد الأمر صعوبة بسبب السياحة، إذ تعمل هونغ كونغ بنشاط لجذب المزيد من السياح من الصين لتعزيز اقتصادها، ويزور الجزيرة الآن 60 مليون شخص إضافيين في كل عام (حوالي سبعة أضعاف سكانها الدائمين). ويشكل الصينيون نحو 70 في المئة من هؤلاء السياح. ومن أهم معالم الجذب السياحي الرئيسية أطباق الطعام الخاصة بهونغ كونغ ومراكز التسوق، ما يعني أن كل واحد من هؤلاء السياح يخلف الكثير من النفايات المرتبطة بمواد تغليف الطعام. يقول تشان: "نريدهم أن يدعموا اقتصادنا، لكن هناك أيضاً جوانب سلبية".مصدر الصورةGetty ImagesImage caption ربما يتعين على مواطني هونغ كونغ قريباً أن يدفعوا رسوماً رمزية لكل كيس قمامة وما يراكم هذه المشكلات مكانة هونغ كونغ كـ "اقتصاد حر"، وهو ما يعني أن الحكومة لا ترغب في فرض قيود قد تهدد التجارة. يقول تشان: "يفترض أن يكون الاقتصاد هنا الأكثر حرية في العالم، لذا يبذل المسؤولون الحكوميون قصارى جهدهم في عدم التدخل بأي طريقة في خطوط الإنتاج عندنا أو في سلوك المستهلكين". لهذا السبب، لا توجد سوى القليل من القوانين والتشريعات المفروضة على تغليف المنتجات على سبيل المثال، أو أي إجراءات أخرى من شأنها التقليل من النفايات.عملية السياج الأخضر أرسلت هونغ كونغ ذات يوم بعض نفاياتها إلى الصين ولعدد آخر من البلدان من أجل إعادة تدويرها. وبينما كانت الشركات الصينية تستفيد من المواد المعدنية والبلاستيكية والمعادن النادرة في الأجهزة الإلكترونية، فإنها كثيراً ما كانت تستقبل مواد ملوثة غير قابلة للإستعمال (مثل الأطعمة والنفايات الطبية)، مما خلق مشاكل بيئية إضافية للمدن الصينية. ونتيجة لذلك، قررت الحكومة منع استيراد المواد غير المعالجة في سياسة عرفت باسم "السياج الأخضر"، أملاً في أن تقوم بلدان أخرى بتنظيف موادها قبل بيعها للآخرين. ولسوء الحظ، لم تطور هونغ كونغ حتى الآن معامل كافية لتدوير النفايات للتعويض عن هذا التغير في السياسة. "وهكذا، فالمواد التي كانت ترسل إلى الصين تلقى الآن في مكب النفايات"، حسب دوغ وودرينغ، الناشط في مجال البيئة، والمشارك في تأسيس تحالف "أوشن ريكفري" (تعافي المحيطات)، والذي قابلته بعد حديثي مع تشان. ورغم التحذيرات المتكررة، استمرت النفايات في هونغ كونغ في الزيادة على مدى السنوات الخمس الماضية، ويتعين على الحكومة العمل بسرعة قبل أن تتوقف مكبات النفايات في البلاد عن استيعاب المزيد. وتتمثل إحدى الخطوات الكبيرة في فرض "رسوم نفايات"، وهو ما سيرغم السكان على دفع 0.11 دولار محلي (0.01 جنيه استرليني) لكل لتر من النفايات. وسيطبق هذا التشريع الجديد، والذي أعلن عنه بداية هذا العام، بحلول 2019، وتقدر صحيفة "ساوث تشاينا مورننغ بوست" أن كل منزل في هونغ كونغ سيدفع ما يتراوح بين ثلاثة وخمسة جنيهات استرلينية شهريا.مصدر الصورةGetty ImagesImage caption كانت هونغ كونغ تصدر نفاياتها إلى الصين، لكن القوانين الجديدة تقضي بأن تتولى البلاد التعامل مع نفاياتها بنفسها ويشير مؤيدو التشريع إلى أن تايبيه في تايوان وسول في كوريا الجنوبية تمكنتا من خفض كمية النفايات بأكثر من 30 في المئة عن طريق تطبيق قوانين مشابهة. وتخطط وزارة حماية البيئة في هونغ كونغ أيضاً لإنشاء محرقة للتخلص من النفايات بتكلفة 10 مليار دولار في لانتاو (أكبر جزيرة في المنطقة وتقع إلى الجنوب الشرقي من هونغ كونغ). وسوف يؤدي حرق النفايات إلى تخفيض حجمها إلى العشر. ومع ذلك، لن يؤدي هذا إلا إلى حرق 30 في المئة من مجموع نفايات المدينة، وفقا لتقديرات تشان. ولا يحظى هذا الحل بشعبية عند مواطني المدينة الذين يساورهم قلق من أن يؤدي ذلك إلى زيادة تلوث الهواء نتيجة حرق النفايات. ويشعر تشان بحماس أكبر لخطط بناء مصنع للمواد الغذائية في لانتاو يعمل على تدوير نفايات مطابخ الهيئات التجارية حول منطقة المطار. ويشير إلى أن البساتين تستورد حالياً كثيراً من سمادها العضوي من مناطق بعيدة مثل هولندا، بينما يمكن الاعتماد على نفايات الطعام بعد تحويلها إلى سماد عضوي. ويمكن لهذه المصانع أن تنتج أيضاً الغاز الطبيعي لاستخدامه وقوداً للسيارات. يقول تشان: "تقديراتنا التقريبية تشير إلى أننا نحتاج 20 مصنعاً بذلك الحجم لمعالجة نفايات الطعام عندنا. لكنني أعتقد أن الأمر يستحق التنفيذ لأننا نحتاج إلى إعادة تدوير أكبر قدر ممكن من المواد القابلة للإستعمال". ويمكن لهونغ كونغ أن تستفيد من إعادة تدوير نفايات الأجهزة الإلكترونية، الأمر الذي يمكن المصنعين من استخلاص مواد خام قيمة للتصدير في خطوة من شأنها أن تدعم اقتصاد هونغ كونغ. لكن هذه البرامج بحاجة لدعم حكومي إضافي من قبيل أن يكون هناك نظام أفضل يجبر العائلات والشركات على الفصل بين الأنواع المختلفة للنفايات مثل نفايات الأغذية والزجاج والبلاستيك. يقول وودرينغ: "تكمن المشكلة في أن كل شيء يوضع في كيس واحد، الطعام والمواد الزيتية والورق والبلاستيك، وهو ما يفسد قيمتها جميعاً. لو فصلت النفايات المبتلة عن النفايات الجافة فسيكون من السهل أن يستفاد منها بطريقة ما". وكما يشير كل من وودرينغ، وتشان، لا حاجة إلى أن تؤثر الإجراءات البيئية على الشركات القائمة، إذ يمكن أن تقدم هذه الإجراءات وسائل وطرق تحقق عائدات جديدة. فعلى سبيل المثال يشير وودرينغ إلى أن باسيفيك كوفي (وهي إحدى المقاهي العالمية على غرار المقاهي الأمريكية) قد طبقت في الآونة الأخيرة برنامجاً لإعادة التدوير حيث يمكنك إعادة الأغطية المستعملة مقابل كوب قهوة مجاني، وهو ما يساعد الشركة على جمع المواد القابلة لإعادة التدوير بينما تزيد من ولاء الزبائن. ويقول تشان إن المشكلة واضحة منذ عشر سنوات على الأقل، لكن التقدم مازال بطيئاً مع استمرار نقاشات لا تنتهي حول الخروج بسياسات حاسمة. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future.
مشاركة :