اليوم لا شيء يعلو على صوت أهازيج الفرح الهلالي، ولا صورة يمكن أن تكون أكثر بهاء ونضارة من تشكيلات التتويج وألوانه وموسيقاه ونشيده، ولا شعور بالسعادة يخامر مشجعًا كما هو حال الهلالي وهو يمتع ناظريه بهلال نجد؛ فمن قمصانه خلق الكمال، كذلك كتب شاعر الوطن "إبراهيم خفاجي"، ورددت معه أجيال الهلال المتلاحقة: إذا لعب الهلال فخبروني فإن الفن منبعه الهلال. توج الهلال بدرع باكورة هذا الدوري في قاعة من قاعات فندق "الإنتركونتيننتال" بالرياض، بعد أيام من آخر مباراة له في الدوري نهاية السبيعنيات الميلادية، قبلها كان بطلاً لكأس الملك 1961 ولكأسي الملك وولي العهد 1964م، منذ ذلك الحين لا ينتهي عقد من الزمن إلا وترك فيه بصمة وأكثر إن في الدوري أو الكأس أو بطولات إقليمية وعربية وآسيوية، هذا أحد أسرار تنامي شعبيته وتنوع فئاتها العمرية وشرائحها الاجتماعية والرقم القياسي لبطولاته. الفرح الهلالي حجمه هو نفسه عندما يحقق بطولة مشابهة كغيره من الأندية التي ابتهجت بذات البطولة، حتى وإن اختلفت تفاصيل التعبير فتلك خصوصية كل ناد، لولا أنه خفت الكلام المموسق العذب وبازار المانشتات الإبداعية التي كان يصاحب احتفائيات الأندية ببطولاتها وحل بدلا عنه هبل "السوشل ميديا" بما تحتويه من عبارات خارج النص ومقاطع مصورة في أغلبها مشاعر عدوانية أو ساخرة، تتضمن تعديات مجرمة ومحرمة تستوجب المقاضاة، وهذه مسألة تحتاج إلى حيز خاص لتناولها. جولات الدوري الـ26 تشبه الدقائق التسعين للمباراة، فكما هي تلعب على جزيئات بين شد وجذب وحضور واختفاء في دقائقها، كذلك مباريات الدوري في مجملها، إذ نادرًا أن تكون هناك سيطرة مطلقة في كليهما، ولا بد في الحالين أن تعرف كيف تستثمر الوقت والعنصر، وتقرأ الخصم؛ ففي داخل المباراة، هناك تشكيل مثالي وتغييرات ناجحة واقتناص لفرص التهديف، وأخطاء الفريق المقابل ولعب ذكي على تحولات المباراة، وهو نفس العمل الطويل الذي يجب القيام به على الهدف المرسوم لكامل مباريات الدوري، التحضير البدني واستقطاب العناصر وتحمل ثقل ما تفرضه الجولات من مصاعب، وإجادة للعبة البناء النقطي التراكمي؛ فالفكرة واحدة. اليوم يختتم مشوار الدوري، وهو دائمًا صعب على كل الفرق، ومكلف بدنياً ونفسياً ومالياً، من يحقق فيه هدفه أيا كان الترتيب لم يخسر، ويبقى البطل والناجون من الهبوط الأكثر نجاحًا، أما الأكثر خسارة فهو من فرط في ذلك، ويعلم أنه فرط في سوء تخطيطه أو إدارته للعبة التنافس، والأهم ألا تمتد تداعيات ذلك إلى تأخير فرص العودة السريعة، أما الألم والندم فهما ما سيضرب الهابطين لمصاف دوري الأولى، حيث ينتظرهم المجهول. اليوم من الهلاليين من لا يريد أن يتوج فريقه بالبطولة خاسراً أمام غريمه النصر، ومن النصراويين من يرى أن فوزه اليوم رد اعتبار لكل ما خسره، لكن الحقيقة أن النتيجة لن تقلل أو تزيد مما تحصل عليه كلاهما، إذ إن حدث يوم ستبدده بضعة أيام، وما جرى في موسم ستحتفظ به السجلات على الدوام. *نقلا عن الرياضية السعودية ** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.
مشاركة :