المعرفة المطلقة قرينة السلطة المطلقة!

  • 5/17/2014
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - دولي يبدو أن العزلة عن العالم والانغلاق وسجن البلاد كلها بناسها وأرضها وسمائها، تجعل الجميع يسبّحون بحمد الديكتاتور، إلى حد منحه وسام المعرفة الأكبر، كعارف مطلق، صاحب صولجان «المعرفة المطلقة» التي تصير قرينة «السلطة المطلقة». وبهذا يكون «الإنسان المطلق» صاحب السلطة والمعرفة التي لا تجارى وتبارى، قد حاز اعتراف بشر آخرين بكونه المطلق الذي لا تأتيه الخطيئة، لا من يمين ولا شمال، فهو صاحب القدرة الكلية على المنح والمنع، والأخذ والعطاء، فطالما هو السلطة المطلقة، فمعرفته المطلقة من أوجب واجبات الوجود، عند عبّاده الصالحين من المواطنين غير المنشقين. ولا يختلف الحال في بلادنا، فأصحاب السلطة المطلقة، هم كذلك أصحاب معرفة أو معارف مطلقة، وباعتراف الحاشية والماشية، أولئك الذين يركنون إلى حال من الدعة والاستقرار والطمأنينة على أحوالهم وأوضاعهم ومستقبل أولادهم، طالما استمر حكم السلطة المطلقة للزعيم الفرد المعظّم والمبجّل، بالتمديد أو بالتجديد أو حتى بما يسمى «العملية الانتخابية»، فالحال واحد، والمهم استمرار السلطة إياها، مهما يكن حال رمزها الأوحد، ضامن مصالح طبقة الانتهازيين والمتنفذين الذين حولوا التجارة والاقتصاد الوطني رصيداً وذخراً فردياً أو عائلياً أو نخبوياً لهم، لا للدولة أو الوطن والمواطنين. فهم شركاء المتسلط الفرد ضامن استقرار مصالحهم هم، فيما هم ضمانة استمرار السلطة المطلقة، ومروجو أو مهرجو «المعرفة المطلقة» التي يضفونها على زعيمهم الفرد الطاغية. لهذا عادة ما يجرى التمديد أو التجديد أو إعادة «انتخاب» رأس السلطة، والحاشية والجميع يعرف أن عاهات كثيرة تحيط شخص الزعيم، يفترض أو هي كفيلة باستدعائه للتقاعد، وقضاء أيامه الأخيرة في بيته وبين أفراد عائلته، لا في المكان الذي يفترض أن يكون له وقع وصدى سلطة الشعب، لا تلك السلطة المطلقة التي لم تأت ولم تنتج سوى الخراب العميم للعباد وللبلاد، وللدولة إن بقي من هيبتها شيء، وللوطن إن تبقى له بقيا احترام بين أوطان الناس. إن العلمنة المعرفيّة هي النقيض الشّامل لعلمانويّة الجمود والفواصل المعرفيّة، أو علمانويّة المطلقات التي لا تعترف بنسبيّة المعارف والأفكار والحقائق. على أن عقل الحداثة كعقل مستقل، هو وفق محمّد أركون، «يخلق بكل سيادة وهيبة أفعال المعرفة، لكنّه في الآن نفسه يقرّ بنسبيّة المعرفة ونسبيّة الحقيقة، بعد مغادرته منطقة اليقينيّات وتحرّره من الأنساق والمذاهب الشاملة». وكما أنّ المطلق السلطوي لا يستمر في استوائه على عرش التسلّط الاستبدادي طويلاً، فإنّ المطلق المعرفي كجهالة مقنّعة، لا يمكن السّماح له بأن يستمر طويلاً في فرض ليله الطّويل، واستوائه على عرش المعرفة أو العلم أو أيّ مجال من مجالات النشاط الإنساني، لا سيّما في ظلّ علمانويّة جاهلة، تدّعي انتسابها إلى العلم والعلمانيّة، وهي أبعد ما تكون عن حداثة العصر وعقل الحداثة. هي العبودية بامتياز، تلك التي تجعل وجعلت من عبيد السلطة وعبّادها الاحتياطي الأكيد لسلطة الفرد الطاغية، وروافع المطلق فيه سلطة ومعرفة، ومفاتيح تأييد عمياء وتأبيد لسلطة هي الأخرى أكثر عماء، تستمر وتتواصل بالإرغام والإكراه، لا برضا الناس الذين سيقوا ويساقون بعبودية مختارة، لا إرغام أو إكراه فيها، طالما هي تخضع لمكامن ضعف فيهم تتنافى ومكامن القوة والعقل والوعي، وهي أقانيم تمنح المواطنة والسلطة شرعية العلاقة التجادلية، دونما انكشاف وإخضاع وانخداع بالسلطة كونها سلطة نسبية، وبالمعرفة كونها كذلك نسبية، وليس من مطلق فيهما على الإطلاق.     * كاتب فلسطيني

مشاركة :