من المعروف أن مرض التهاب المفاصل في الأطفال في الأغلب يحدث من دون سبب محدد، وهو الأمر الذي دفع العلماء إلى تسمية المرض «التهاب المفاصل غير معلوم السبب Juvenile Idiopathic Arthritis» أو اختصاراً «JIA». وعلى الرغم من وجود عدة أسباب يمكن أن تكون هي المسؤولة عن حدوثه وأهمها العامل المناعي، فإنها لم تثبت بشكل قاطع، ولذلك فإن التوصل إلى علاج شافٍ تماماً يكون بمثابة أمل لكل المرضى من الأطفال. ويبدو أن هذا الأمل في طريقه إلى التحقق، حيث أشارت دراسة علمية حديثة عن قرب التوصل إلى علاج شافٍ لمضاعفات التهاب المفاصل للصغار، خاصة تلك المضاعفات التي تحدث في العين، التي ربما تتسبب في فقدان البصر تماماً على المدى الطويل.التهاب القزحيةيعتبر التهاب القزحية uveitis (القزحية هي حدقة العين التي تتحكم في دخول الضوء إلى العين وهي التي تحدد لون العينين)، واحداً من أهم مضاعفات التهاب المفاصل، وعلى الرغم من خطورتها فإنها شائعة الحدوث، مما يعرض الأطفال لخطر حقيقي. ويحدث الالتهاب بشكل مزمن، وفي الأغلب يظهر بعد 4 أعوام من تشخيص التهاب المفاصل، ولكن في بعض الأحيان يمكن أن يحدث المرض قبل ظهور أعراض التهاب المفاصل.ويزيد من خطورة التهاب القزحية عدم وجود أعراض يشكو منها الطفل، سواء كانت دموعاً أو ألماً أو إفرازات من العين، وهو ما يؤدي إلى الإصابة بالمياه البيضاء (إعتام عدسة العين) أو المياه الزرقاء (ارتفاع ضغط العين)، ويمكن في النهاية أن يؤدي إلى فقدان كامل للبصر في بعض الأحيان.وتعتبر التجارب التي أجريت في المملكة المتحدة على العلاج الجديد، وهو توليفة من عقارين يستخدمان سوياً، الأولى من نوعها في العالم. وقد تمت الموافقة على بدء استخدام العلاج الجديد.وأشارت الدراسة التي نشرت أخيراً في دورية «نيو إنجلاند» الطبية The New England Journal of Medicine، إلى أن العقار الجديد سوف يساهم في علاج مضاعفات التهاب القزحية لما يزيد على 15000 طفل عبر المملكة المتحدة فقط، ويحميهم من أخطار التهاب القزحية وفقدان البصر. وكان العقاران المستخدمان في العقار الجديد تمت تجربتهما من قبل، ولكن لكل دواء بمفرده، ولم تكن هناك نتائج مبشرة بعكس التجربة الجديدة.ويؤدي أحد العقارين «Adalimumab» مهمة علاج الآلام الناتجة من الأمراض المناعية التي منها التهاب المفاصل، بينما يقوم العقار الآخر «Methotrexate» بتثبيط لجهاز المناعة، وبالتالي يخفف من حدة الآلام. والأمراض المناعية هي التي يحدث فيها خلل في الجهاز المناعي للجسم، وتتم مهاجمة خلايا الجسم على اعتبار أنها خلايا غريبة.توليفة من عقارينوقد كانت هناك دائماً محاولات لعلاج التهاب القزحية بالعقار الأول على وجه التحديد. ولكن دون دمجه مع المثبط للتفاعل المناعي. وفي حالة تطبيق العلاج بشكل موسع سوف يقدم أملاً كبيراً، خاصة إذا ما عرفنا أن ثلث الأطفال المصابين بالتهاب المفاصل في المملكة المتحدة يمكن أن يحدث لهم التهاب القزحية الذي يعتبر شديد الخطورة في مرحلة الطفولة.وقد جاءت فكرة دمج كلا العقارين في عقار واحد لتحقيق نتائج أفضل، والتي تم استخدامها من قبل في علاج كثير من الأمراض، حيث يتمكن أحد الأدوية من معالجة أوجه القصور في فعالية الدواء الآخر، وعلاج المشكلات التي ربما تنجم عن استخدام أحدهما بمفرده. وقام الباحثون بإجراء التجارب على 114 طفلاً من خلال المقارنة بين العقار الجديد Adalimumab وعقار وهمي Placebo (العقار الوهمي هو عبارة عن شكل قرص العلاج أو زجاجة الشراب بالمواصفات نفسها، ولكن من دون مادة فعالة لمجرد الإيحاء بتناول علاج).وأكمل التجربة 90 طفلاً فقط جميعهم مصابون بالتهاب المفاصل مع التهاب القزحية، ويتم علاجهم جميعاً بدواء التثبيط المناعي بداية من عمر عامين فيما فوق. وتم تقسيم هؤلاء الأطفال إلى مجموعتين بنسبة 2 إلى 1؛ بمعنى أن المجموعة التي تم علاجهم بالعقار الحقيقي كانت تبلغ 60 طفلاً، والأخرى التي تم علاجهم بالعلاج الوهمي تبلغ 30 طفلاً. وكانت الجرعات على حسب الوزن بواقع 20 ملغم و40 ملغم، وتم إجراء التجارب لمدة 18 شهراً، ثم تمت متابعتهم، حتى ولو فشل العلاج، لمدة عامين بعد انتهاء التجارب.وفى نهاية المدة المقررة بالنسبة للأطفال الذين أجريت عليهم التجربة للعلاج والوصول إلى المرحلة النهائية، سواء بفشل العلاج أو بنهاية المدة، تبين أن المجموعة التي كان يتم فيها العلاج بالعقار الجديد أظهرت فشل العلاج لدى 16 من أصل 60 طفلاً تم علاجهم بالعقار الجديد، وهو ما يعني نسبة 27 في المائة فقط في مقابل فشل للعلاج لـ18 حالة من أصل 30 طفلاً تم علاجهم بالعقار الوهمي؛ مما يعني أن نسبة الفشل بلغت 60 في المائة، وهو الأمر الذي يعد نجاحاً كبيراً للعلاج بالعقار الجديد Adalimumab.إلا أن التجارب أشارت إلى ظهور بعض الأعراض الجانبية للذين استخدموا العقار الجديد مقابل العقار الوهمي. وفي النهاية، وعلى الرغم من بعض المخاوف من الأعراض الجانبية للعقار الجديد فإن العلماء مستمرون في الأبحاث والتجارب لتلافي هذه الأعراض، ومنح أمل كبير في الشفاء لكل الأطفال المصابين حول العالم.* استشاري طب الأطفال
مشاركة :