الرياض - تمكنت السعودية من تفادي أزمة مالية ناجمة عن هبوط أسعار النفط من خلال تقليص الإنفاق الحكومي واقتراض عشرات المليارات من الدولارات من الخارج لكنها تواجه الآن تحديا صعبا يتمثل في دفع الاقتصاد للنمو مجددا. وفي سلسلة من المقابلات مع مراسلي رويترز الأسبوع الماضي، قال مسؤولون سعوديون كبار إن الإصلاحات التي أعلنها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منذ عام أدت إلى استقرار أوضاع المالية العامة بما يكفي لأن تبدأ الحكومة في التركيز على الاستثمار في الاقتصاد. وأدى خفض الإنفاق إلى تقليص عجز في الميزانية بلغ 98 مليار دولار بفعل تراجع أسعار النفط. وأقبل المستثمرون الأجانب على شراء السندات السعودية وبدأت الحكومة في تحسين الإجراءات الإدارية وتبسيط القواعد التنظيمية وهو ما يبشر بارتفاع معدلات الكفاءة. وتظهر التحركات في أسواق الصرف والسندات أن التكهنات التي ثارت العام الماضي بأن الرياض ربما تتخلف عن سداد ديون أو تخفض قيمة عملتها تبددت بشكل كامل تقريبا. وقال محمد التويجري نائب وزير الاقتصاد والتخطيط إن الجهود المبذولة لإصلاح أوضاع المالية العامة تتحرك بوتيرة أسرع من التوقعات المبدئية المحافظة للمسؤولين. وبلغ العجز في الربع الأول من 2017 نحو نصف المستوى الأصلي المتوقع. وأضاف "بشكل عام، فإن كل شيء أعلناه وتحدثنا عنه يتجه صوب الاحتمال المحافظ ويتضمن ذلك قدرتنا على تنفيذ كل شيء في موعده وقدرتنا على الاقتراض." ويقول مسؤولون إن الرياض بدأت الآن مرحلة جديدة من الإصلاح تشمل تطوير القطاعات غير النفطية مثل التعدين والخدمات اللوجستية وإصلاح السفن والترفيه وصناعة السيارات والتصنيع العسكري وهو ما يؤدي إلى ازدهار الاقتصاد بصرف النظر عن أسعار النفط. وقال التويجري "هناك كثير من الثمار تنتظر اقتطافها." وتهدف الرياض لجمع ما يزيد عن 200 مليار دولار في السنوات القادمة من خلال بيع حصص في أرامكو السعودية النفطية العملاقة وأصول أخرى. وستضخ حصيلة البيع في قطاعات غير نفطية من خلال كيانات مثل صندوق الثروة السيادية. وسيتم تشجيع الشركات الخاصة على الاستثمار بجانب الحكومة من خلال منحها حوافز مثل القروض الميسرة. وأكد المسؤولون على أنهم سيتحلون بالمرونة في جمع الأموال مستخدمين وسائل تتراوح بين الإدارجات في سوق الأسهم وصفقات الاستثمار المباشر مع الحصافة في إنفاق الحصيلة حيث إنهم سيخصصون الأموال فقط للمشروعات المجدية تجاريا. وقالوا إنه مع خلق الوظائف ونمو الاقتصاد، فإن زيادة الاستثمارات ستبدد أي استياء من جانب السعوديين الذين تتأثر مستويات معيشتهم جراء زيادة الضرائب أو خفض الدعم المطلوبين لتقليص عجز الميزانية. وأظهر حضور المئات من المصرفيين الأجانب والمستثمرين المؤتمر الذي رعته مجلة يورومنى في الرياض هذا الأسبوع اهتماما كبيرا بالصفقات المغرية المحتملة التي تعد بها خطة الإصلاح. لكن كثيرا من المستثمرين ما زالوا حذرين. وعلى وجه الخصوص، فإنهم ليسوا متأكدين من قدرة الحكومة على إنعاش النمو الاقتصادي وهي ترزح تحت عجز في الميزانية. وتعهدت الحكومة بخفض العجز إلى الصفر بحلول 2020 من 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2015. وقالت مينا كابيتال، وهي شركة استثمار في الشرق الأوسط، في تقرير موضحة السبب وراء إبقاء انكشافها على الأصول السعودية عند الحد الأدني "بدأ البلد توا عملية تحول كبيرة. ستستغرق تلك العملية سنوات وهي محفوفة بالمخاطر." وتخطط الحكومة لجمع أموال من خلال بيع أصول ولتشجيع الشركات الخاصة على الاستثمار من خلال "الشراكة بين القطاعين العام والخاص" وستعتمد في ذلك على إقناع المستثمرين الأجانب بأن بإمكانهم جني عائد جيد. لكن هذا سيعتمد بعض الشيء على النمو الاقتصادي الذي تباطأ بفعل تقليص الرياض إنفاقها. وتباطأ نمو القطاعات غير النفطية من الاقتصاد ليقترب من الصفر خلال العام الماضي ويقر مسؤولون بأنه سيظل ضعيفا جدا في 2017 ربما عند 0.5 بالمئة. وأظهرت بيانات من البنك المركزي الأسبوع الماضي أن إقراض البنوك للقطاع الخاص انكمش في مارس/آذار على أساس سنوي للمرة الأولى في أحد عشر عاما على الأقل في علامة غير مشجعة على الاستثمار بين الشركات الخاصة. واعترافا بالحاجة إلى النمو، خففت الحكومة الشهر الماضي خطوة تقشفية كبيرة بإرجاع البدلات المالية لموظفي الحكومة. وأشار مسؤولون سعوديون في المقابلات إلى أن السياسة المالية تهدف إلى تفادي أي انكماش كامل في الاقتصاد. وقال جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط بصندوق النقد الدولي هذا الأسبوع إنه يعتقد أن الرياض لديها مجال للمزيد من التخفيف في السياسة المالية إذا دعت الحاجة. لكن إذا أجرت الحكومة مزيدا من التخفيف في الإجراءات التقشفية فإن الأسواق ربما تقلق مجددا من عجز الميزانية. ولذا فمن المنتظر أن تمضي الحكومة قدما في خطوات جديدة مثل فرض ضريبة القيمة المضافة بواقع خمسة بالمئة في يناير/كانون الثاني. وهناك مبعث آخر للضبابية يتمثل في شكل الشراكة بين القطاعين العام الخاص والتي ستعقد الوثائق القانونية التي تحدد حجم المخاطر التي سيتحملها مستثمرو القطاع الخاص وكذلك حصتهم المتوقعة من أرباح المشروعات. ولم يتضح بعد متى ستنتهي السلطات من إعداد تلك الوثائق أو ما إذا كان النظام القانوني غير المتطور في المملكة يستطيع تطبيقها بفاعلية أم لا. وقال المسؤولون إنهم سيضعون هياكل شراكة مختلفة لمختلف القطاعات وهو ما قد يفيد المستثمرين لكنه ربما يزيد أيضا من التعقيد والتأخير. وقال مازن السديري رئيس البحوث لدى الراجحي كابيتال، وهي شركة خدمات مالية سعودية، إن المملكة تعاملت بفاعلية مع الاضطراب في العامين الماضيين ولديها الآن قاعدة صلبة للنمو في الأجل الطويل، لكنها ستظل عرضة لتقلبات أسعار النفط لفترة أطول من الوقت. وأضاف "لا تزال أسعار النفط تشكل التحدي الرئيسي والتهديد الأكبر، فإذا أصبح الطلب أكثر ضعفا فسيكون لذلك أثر سلبي كبير على الإصلاحات."
مشاركة :